سياسيان ل«عكاظ»: السعودية تطوع علاقاتها السياسية لخدمة القضية الفلسطينية    رصد 54 مخالفة في منشآت التدريب الأهلية في شهر مارس    انخفاض أسعار النفط في التعاملات الآسيوية المبكرة    أمطار رعدية متوسطة إلى غزيرة على معظم مناطق المملكة    افتتاح الملتقى السنوي الثاني للأطباء السعوديين في إيرلندا    «مطار الملك خالد»: انحراف طائرة قادمة من الدوحة عن المدرج الرئيسي أثناء هبوطها    تعليق الدارسة وتأجيل الاختبارات في جامعة جدة    بيئي الشرقية يدشن معرض ( تعرف بيئتك ) بالخُبر    عباس يدعو إلى حل يجمع غزة والضفة والقدس في دولة فلسطينية    وزيرا الإعلام والعمل الأرميني يبحثان التعاون المشترك    ولي العهد يستعرض تطوير العلاقات مع أمير الكويت ورئيس وزراء العراق    أمير الرياض: المملكة تدعو لدعم «الإسلامي للتنمية» تلبية لتطلعات الشعوب    لتحديد الأولويات وصقل الرؤى.. انطلاق ملتقى مستقبل السياحة الصحية    بدء العمل بالدليل التنظيمي الجديد للتعليم.. الأربعاء    فيصل بن فرحان: الوضع في غزة كارثي    عبدالله خالد الحاتم.. أول من أصدر مجلة كويتية ساخرة    " ميلانو" تعتزم حظر البيتزا بعد منتصف الليل    منتدى الرياض يناقش الاستدامة.. السعودية تتفوق في الأمن المائي رغم الندرة    الفيحاء يتوّج بدوري الدرجة الأولى للشباب    الأهلي بطلاً لكأس بطولة الغطس للأندية    النصر والنهضة والعدالة أبطال الجولة الماسية للمبارزة    تتضمن ضم " باريوس" مقابل "فيجا".. صفقة تبادلية منتظرة بين الأهلي وأتلتيكو مدريد    فيصل بن بندر يؤدي الصلاة على عبدالرحمن بن معمر ويستقبل مجلس جمعية كبار السن    دولة ملهمة    نائب أمير مكة يطلع على تمويلات التنمية الاجتماعية    الأرصاد تنصح بتأجيل السفر برّا لغير الضرورة    آل طيب وآل ولي يحتفلون بزفاف أحمد    اللواء الزهراني يحتفل بزفاف نجله صلاح الدين    منصور يحتفل بزواجه في الدمام    رابطة العالم الإسلامي تُعرِب عن بالغ قلقها جرّاء تصاعد التوترات العسكرية في شمال دارفور    اللجنة الوزارية العربية تبحث تنفيذ حل الدولتين    ديوانية الراجحي الثقافيه تستعرض التراث العريق للمملكة    النقد وعصبية المسؤول    مهنة مستباحة    فئران ذكية مثل البشر    إستشاري يدعو للتفاعل مع حملة «التطعيم التنفسي»    ميتروفيتش ومالكوم يشاركان في التدريبات    اكتمال جاهزية كانتي.. وبنزيما انتظار    منجزات البلدية خلال الربع الأول بحاضرة الدمام    جامعة «نورة» تفتتح منافسات الدورة الرياضية لطالبات الجامعات الخليجية    أمير المدينة المنورة يدشن مهرجان الثقافات والشعوب في دورته ال 12    شوبير: صلاح يقترب من الدوري السعودي    محمية الإمام عبدالعزيز تشارك في معرض أسبوع البيئة    المصاعد تقصر العمر والسلالم بديلا أفضل    صحن طائر بسماء نيويورك    جائزة الأميرة صيتة تُعلن أسماء الفائزين بجائزة المواطنة المسؤولة    أول صورة للحطام الفضائي في العالم    سعود بن بندر يستقبل أعضاء الجمعية التعاونية الاستهلاكية    أمير الرياض يؤدي الصلاة على عبدالرحمن بن معمر    ذكاء اصطناعي يتنبأ بخصائص النبات    تطبيق علمي لعبارة أنا وأنت واحد    أمير تبوك يواسي أبناء أحمد الغبان في وفاة والدهم    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    وزير الدفاع يرعى تخريج الدفعة (82) حربية    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    المسلسل    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن المفاوضات السورية - الاسرائيلية . أي حدود بين سورية وفلسطين واسرائيل ؟
نشر في الحياة يوم 20 - 08 - 1999

توقعاً لمحادثات وشيكة بين سورية واسرائيل عن الانسحاب من هضبة الجولان، يكثر الحديث عن الخط الذي ستنسحب اليه القوات الاسرائيلية: هل هو خط 4 حزيران يونيو 1967 اي عشية النكسة، ام هو خط الحدود الدولية بين فلسطين وسورية عام 1923. والفارق بين الخطين هو مساحة الأرض الفلسطينية، على صغرها، التي بقيت تحت سيطرة القوات السورية حين دخلت فلسطين عام 1948. اذ لم تبق ارض فلسطينية، بعد دخول القوات العربية لانقاذ فلسطين غير هذه القطعة الصغيرة، والضفة الغربية تحت سيطرة القوات العراقية والأردنية، وقطاع غزة تحت سيطرة القوات المصرية.
ولا يعرف كثير من الناس تفاصيل هذه المشكلة ولا اهميتها السياسية والمائية. وسنزيد الأمر تعقيداً بالقول ان الخلاف سيكون على ثلاثة خطوط تفصل بين سورية وفلسطين واسرائيل، وليس خطين كما هو شائع.
الخط الأول: الحدود الدولية عام 1923
في ذلك العام، كانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وسورية تحت الانتداب الفرنسي. لذلك كان التقسيم بين سورية وفلسطين هو تقسيم للمصالح الاستعمارية، ولم يكن لحقوق اصحاب الأرض اي دور في ذلك، الا بالقدر الذي رآه الاستعمار كافياً لمنع القلاقل والاضطرابات. وفي 3 شباط فبراير 1922، تم الاتفاق بين البريطاني نيو كمب والفرنسي يوليه بالتوقيع على خريطة الحدود بعد مفاوضات مضنية. كانت مهمة الضابط البريطاني في سلاح الهندسة ان يحقق للصهاينة اكبر مكاسب ممكنة من مصادر المياه، تنفيذاً للخريطة التي قدمها وايزمان الى مؤتمر السلام عام 1919. وكان ضابط الاستخبارات البريطاني ماينر تسهاجن، زميل لورنس العرب، شديد التعصب للصهيونية، وله الأثر الأكبر في توسيع رقعة فلسطين لتشمل الموارد المائية لنهري الأردن واليرموك. والمطلع على الخريطة اليوم يجد ان خط الحدود يتعرج بشكل غير طبيعي لكي يضم منابع الأنهار والوديان.
أما فرنسا، فكان هدفها توسيع رقعة لبنان لانشاء دولة مسيحية. وكان خط بريطانيا الصهيوني يمتد من جبل الشيخ الى صور، فأصر الفرنسيون على توسيع رقعة لبنان بإزاحة الخط جنوباً ليمر برأس الناقورة، بضم مناطق غالبيتها شيعية ضعيفة لم تر فيها خطراً على لبنان الجديد. ووافق البريطانيون على ذلك مقابل بقاء تل القاضي بما في ذلك منبع نهر دان في فلسطين، على رغم كون أراضي التل ملكاً لعائلة لبنانية، ومقابل توسيع حدود فلسطين لتشمل مصب نهر اليرموك.
وانعكس الأمر في حال منطقة بانياس، فأصرّ الفرنسيون على بقائها في منطقتهم، ووافق البريطانيون على مضض. واستمر خط الحدود جنوباً موازياً لنهر الأردن وعلى بعد قليل منه الى الشرق، لكي يضمن وجود النهر بكامله في فلسطين. كما حرص البريطانيون على ان تكون بحيرة طبرية كلها في فلسطين، ولتأكيد ذلك، استمر خط الحدود على بعد 10 امتار من الشاطئ الشرقي الشمالي للبحيرة، ثم توسع في الأراضي السورية لكي يضم مصب نهر اليرموك بأكمله شرق الحمه. ثم يعود الخط بعد ذلك الى منتصف نهر الأردن، ليكون الخط الفاصل بين شرق الأردن وفلسطين. وتم تعليم الحدود على مسافة طولها 78 كلم مع لبنان، و79 كلم مع سورية.
وهكذا نجحت السيطرة الصهيونية على الحكومة البريطانية في الاستحواذ على اكبر قدر من مصادر المياه في المنطقة، وبعد اكثر من سنة، تم توقيع اتفاق الحدود بين ممثلي فرنسا وبريطانيا في 23 تموز يوليو 1923.
لكن هذا التخطيط القسري، من دون استشارة اهالي المنطقة وأخذ مصالحهم في الاعتبار، ادى الى مشاكل كثيرة، كادت تنسف الاتفاق كله. شطر هذا الخط اراضي 22 قرية في قضاء صفد، فأصبحت الأرض في جانب والقرية في جانب آخر كما حدث عند تخطيط خط الهدنة عام 1949 وتم فصل الناس، وهم أمة واحدة، على جانبي الخط، مثلما فصلت قرى عالمة الشعب ورامية وعديسة والمطلة.
ولم تكن الضمانات التي ادرجت في اتفاق 1923 كافية، على رغم انها اكدت حق سورية في استعمال خط السكة الحديد حتى سمخ جنوب بحيرة طبريا وبناء رصيف على البحيرة في سمخ، وفي استخدام مياه نهر الأردن، وفي الملاحة والصيد في الحولة وطبرية تماماً كما لفلسطين، وفي وصول البضائع والاشخاص الى سمخ من دون جمارك او قيود.
لذلك نشأت الحاجة الى توقيع اتفاق "حسن الجوار بين فلسطين وسورية ولبنان" في 2 شباط 1926 بتوقيع المندوب السامي في فلسطين من جهة، ونظيره في سورية ولبنان من جهة اخرى. ويقضي الاتفاق الجديد بحماية حقوق السكان على جانبي الحدود، باستخدام مياه الانهار والبحيرات للري وللشرب والملاحة والصيد، وعبور الحدود من دون جوازات، ونقل محاصيلهم من دون جمارك، وتطبيق قوانين أقل الضرائب في اي من البلدين عليهم، وتسري هذه التسهيلات على السكان المقيمين في منطقة الحدود بغض النظر ان كانوا مواطنين تابعين لهذا الجانب من الحدود او ذاك. وفي حال الخلاف على تطبيق شروط هذا الاتفاق، يلجأ الطرفان الى لجنة خاصة من الحكومات الثلاث. ويحال اي اهمال في تنفيذه الى محكمة العدل الدولية. وهكذا، فانه على رغم النيات الاستعمارية لكل من الدولتين، يعطي اتفاق "حسن الجوار" الآن فرصة جيدة للمطالبة بالحقوق السورية.
الخط الثاني: خط الهدنة في 20 تموز 1949
على رغم تراجع سورية عن احتلال دجانيا أ، ب في عام 1948 الا انها بقيت على الضفة الشرقية لبحيرة طبرية وحول بحيرة الحولة في الأراضي الفلسطينية. وأصرّت اسرائيل على خروج سورية من فلسطين، معتبرة انها وريثتها، وان هذه المنطقة جزء من الدولة اليهودية حسب قرار التقسيم، وأشار القنصل الاميركي في القدس الى هذه المغالطة، انه اذا كانت اسرائيل ترغب في التقسيم، فلتنسحب الى حدوده، وبذلك لا يكون لها او لسورية حق في احتلال اي منطقة خارج التقسيم. وان كانت ترغب في الاحتفاظ بأراض سيطرت عليها، فإن لسورية حقاً في ذلك أيضاً.
ونجح رالف بانش في اقناع حسني الزعيم بشروط الهدنة، خصوصاً وان الزعيم كان يسعى الى توثيق علاقاته والحصول على معونة من أميركا، كما انه عرض على بن غوريون اتفاق سلام يوافق بموجبه على توطين اللاجئين في سورية. وكان من اهم شروط الهدنة تحويل المناطق التي سيطرت عليها سورية الى مناطق منزوعة السلاح. وهي ثلاث: الأولى الشمالية في اقصى الشمال الشرقي من فلسطين، شمال تل العزيزات، ومساحتها 4 كلم مربع، والثانية الوسطى مثلث واسع جنوب بحيرة الحولة يصغر الى شريط في محاذاة نهر الأردن حتى مصبه في طبرية ومساحتها حوالى 34 كلم مربع، والثالثة الجنوبية في جنوب شرقي طبرية في خط يمتد حتى شرق الحمة ويعود غرباً في محاذاة نهر اليرموك ثم يتصل ثانية ببحيرة طبرية شرق سمخ، ومساحتها 32 كلم مربع. ومجموع المناطق الثلاث حوالى 70 كلم مربع. انظر الخريطة
في المنطقة الثانية الوسطى توجد 4 قرى فلسطينية هي كراد الغنامة وكراد البقارة ومنصورة الخيط ويردة وبها مستعمرة واحدة هي مشمارها يردن. وفي المنطقة الثالثة الجنوبية توجد 3 قرى فلسطينية هي الحمة والنقيب والسمرة، ومستعمرة واحدة هي عين جيف.
وكانت شروط الهدنة واضحة: يتمتع السكان المحليون بحرية العيش والعمل، ويمنع دخول قوات عسكرية الى المنطقة، عدا شرطة مدنية من الاهالي لحفظ الأمن الداخلي ويحملون اسلحة خفيفة. وأعطى مجلس الأمن سلطة كاملة لرئيس لجنة الهدنة المشتركة لتطبيق الاتفاق وحل النزاع الناشب. وتأكيداً لطابع نزع السلاح عن المنطقة، حددت "اتفاقية الهدنة" منطقة محيطة بالمناطق المنزوعة السلاح عرضها 5 كلم لا يسمح فيها بوجود الأسلحة الثقيلة على غرار النظام المطبق الآن في سيناء.
ومن الضروري الاشارة الى ان سورية لم تكن توافق على وجود مناطق منزوعة السلاح او على توقيع "اتفاقية الهدنة" الا بعد ان حصلت على ضمانات بأن هذه المناطق غير خاضعة لسيادة اسرائيل. لذلك فقد وجه بانش الرسالة التي اصبحت تعرف باسم "التفسير الرسمي" في 26/6/49 قبل التوقيع الى كل الاطراف والأمم المتحدة جاء فيها: "ان مسألة الحدود الدائمة، والسيادة على المنطقة، والجمارك والعلاقات التجارية وما شابه ذلك يجب ان يتفق عليها في اتفاقية السلام النهائية وليس في اتفاقية الهدنة. لقد واجهتنا صعوبة كبيرة في المفاوضات لنعالج طلب اسرائيل غير المؤهل بانسحاب القوات السورية من فلسطين. وبعد جهد شديد اقنعنا السوريين بذلك. وآمل الا يُنقض هذا بمماحكات قانونية حل موضوع السيادة والادارة". وبعد فترة هدوء استمرت سنتين، بدأت اسرائيل بإثارة القلاقل، للاستيلاء على هذه المناطق ومياهها.
خط 4 حزيران 1967 عشية الحرب
بدأت اسرائيل بإنشاء مستعمرة في المنطقة الجنوبية شرق بحيرة طبرية، وحصنتها بخنادق وأسلاك شائكة مزدوجة ثم حفرت قنوات مياه من البحيرة ثم اطلقت جراراتها الزراعية لتحرث في الأرض العربية قريباً من قريتي التوافيق العليا والسفلى، وفي كل مرة كان الجرار يتقدم في أرض عربية مسافة أكبر لاستفزاز الاهالي. وكان من الواضح ان هذه سياسة مقصودة لاستفزاز سورية، حتى تحتل اسرائيل بعدها كل المناطق المنزوعة السلاح. وبعد 25 عاماً، اعترف موشي دايان بذلك قائلاً: "اننا كنا نسعى الى اثارة اعصاب السوريين، فإذا اطلقوا الرصاص، نستخدم المدافع وسلاح الجو". وكان قصد بن غوريون جر مصر الى حرب مع اسرائيل بالاعتداء على سورية التي تربطها مع مصر معاهدة الدفاع المشترك المبرمة في 20 تشرين الأول اكتوبر 1955. لكن جمال عبدالناصر لم يستجب لهذا الاستفزاز ولا لاستفزازه بهجوم اسرائيل على صبحة والكونتيلة في سيناء في ذلك العام. ووجد بن غوريون فرصته في التآمر مع بريطانيا وفرنسا والتخطيط للعدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
وفي مطلع عام 1951 بدأت اسرائيل بتجفيف مياه بحيرة الحولة وتحويل المياه الى مشروع القناة القطرية التي تنقل المياه الى النقب. وأرسلت اسرائيل الحفارات الى شرق النهر خلافاً لاتفاقية الهدنة. وضيّقت على اهالي القرى الفلسطينية بأن منعتهم من بيع محصولاتهم او شراء لوازمهم من سورية. وطردت 785 من اهالي كراد البقارة وكراد الغنامة، وطردت كذلك عرب الشمالينة.
وأصدر مجلس الأمن قراراً بوقف اعمال تحويل المياه. وفي عام 1953 اوقف ايزنهاور المعونة المقررة الى اسرائيل، وأرسل ايريك جونستون ليفاوض على توزيع المياه بين دول المنطقة. ونتيجة للضغط الاميركي، اوقفت اسرائيل اعمال تحويل المياه من الحولة، لكنها بدأت مشروعها القطري من شمال غربي بحيرة طبرية مما استدعى مضخات رفع لنقل المياه الى النقب. كان بن غوريون مهووساً بالنقب. كان يخطط للدخول في حرب مع جمال عبدالناصر، باستفزاز سورية، فبينما يحول مياه الشمال الى الجنوب، يسيطر ايضاً على المناطق المنزوعة السلاح في الشمال والجنوب. وبينما طرد سكان الشمال في ضجة دولية استدعت اجتماع لجنة الهدنة ومجلس الأمن، طرد سكان الجنوب من دون ان يسمع احد بذلك. وبينما بسط سلطة اسرائيل على المناطق المنزوعة السلاح في الشمال، بسط سلطة اسرائيل على مثلها في الجنوب مثلث العوجة، ومساحته 260 كلم مربع وهي اكبر بكثير من الشمال، دونما ضجة. وفي الحالتين كان مجرم الحرب اريل شارون هو قائد تلك العمليات. وفي تشرين الأول 1956، بينما كانت القوات الاسرائيلية تهاجم مصر، كانت هذه القوات تطرد آخر فلسطيني من المنطقة الوسطى حول بحيرة الحولة، تحت تهديد السلاح.
وما ان بدأ العدوان الثلاثي عام 1956 حتى اصبحت المناطق المنزوعة السلاح مقسمة بحكم الأمر الواقع بين سورية واسرائيل. احتلت اسرائيل قرى النقيب والسمرة في الجنوب على شاطئ بحيرة طبرية وكراد البقارة وكراد الغنامة جنوب بحيرة الحولة وأراضيها. وسيطرت سورية على القطعة الصغيرة غير المأهولة في اقصى الشمال وفي الشريط الأوسط شرق النهر وعلى قرية الحمة وما حولها، مما لا تزيد مساحته عن 20 كلم مربع اي اقل من ثلث المجموع. وبقي الوضع كما هو عليه حتى عام 1967.
وفي عام 1964، انتهت اسرائيل من تنفيذ القناة القطرية. وبدأ العرب مشروعهم بتحويل منبع نهر الأردن من الحاصباني وبانياس في الأراضي العربية لتصب في نهر اليرموك متفادية طبرية. لكن اسرائيل قامت بغارات جوية في 1966 لتدمير المشروع العربي فتوقف. ولكي يستقر الأمر لاسرائيل نهائياً باحتلال مصادر المياه والمناطق المنزوعة السلاح، قامت باحتلال الجولان والضفة وغزة وسيناء في حرب 1967. وكما هو معلوم اليوم فإن الدافع الرئيسي لتلك الحرب هو الاستيلاء على مصادر المياه.
ما هي الخيارات العربية؟
أقول الخيارات العربية، لأنه لا بد اولاً من توحيد المواقف العربية، ليس لأن هذا منطق الأمن العربي فحسب، بل لأنه واقع الجغرافيا والتاريخ والقانون. فأي الخطوط الثلاثة افضلها اذن للموقف العربي، وكيف يمكن الدفاع عنه؟
أولاً يجب استبعاد خط 4 حزيران يونيو 1967، لأنه خط مائع، ليس له مرجعية قانونية، ولم يثبت في معاهدة او اتفاقية من اي نوع، وليس له تعريف مقبول. فهذا الخط المجهول المكان هو حصيلة اعتداءات اسرائيل على المنطقة المنزوعة السلاح ما بين 1951 - 1956، وبقى كما هو عليه منذ العدوان الثلاثي في السويس حتى 1967.
اما خط 20/7/1949 فهو مثبت في "اتفاقية الهدنة" ويحصر ثلاث مناطق منزوعة السلاح. صحيح انه تم تثبيت هذا الخط في عهد حسني الزعيم، الذي لم يمثل افضل المواقف السورية، ولكنه يحدد المواقع السورية داخل فلسطين، وليس على حدودها. كما انه يضمن حقوق القرى الفلسطينية على الحدود، بما في ذلك الأرض والماء، ويجعل سورية دولة مشاطئة لنهر الأردن وبحيرة طبريا، ويصل بها الى مصب نهر اليرموك.
اما خط الحدود الدولية عام 1923، فتسعى اليه اسرائيل باعتبارها وريثة لفلسطين Successor State. وهذا الادعاء ليس صحيحاً، لأنه اذا كان تقسيم فلسطين حسب القرار 181 هو المرجع، فإن على اسرائيل التراجع الى هذه الحدود وإعادة 24 في المئة من فلسطين اي 6.320 كلم مربع الى العرب. وإذا كان الوضع عام 1948 هو الحكم، فإن لسورية الحق في احتلال المناطق المنزوعة السلاح وهي 70 كلم مربع اي حوالى 1 في المئة من الأرض التي احتلتها اسرائيل زيادة عن مشروع التقسيم. اما ان تختار اسرائيل من قرار التقسيم ومن احتلالها العسكري غير المعترف به احسن الخيارات، فهو موقف مرفوض. وقد رفضته اميركا في حينه على لسان قنصلها في القدس برديت في 20/4/1949. ولو حدث تبادل في الأراضي، فان سورية تستطيع، بعد اتخاذ موقف عربي موحد، ان تتنازل عن جزء من هذه الأراضي الخصبة الغنية بالمياه، بأرض اكبر منها كثيراً في الضفة الغربية، وأكبر كثيراً جداً في الجنوب لتوسيع قطاع غزة. ولكن ليس لاسرائيل الحق ابداً في هذه المناطق منزوعة السلاح، داخل الحدود الدولية لفلسطين، لأن "اتفاقية الهدنة" نزعت السيادة عنها لاسرائيل، بموجب خطاب رالف بانش في 26/6/1949 المشار اليه سالفاً، الذي تم اعتماده من الاطراف ومن الأمم المتحدة قبل توقيع "اتفاقية الهدنة". لذلك، يجدر بسورية الا تتخلى عن المناطق المنزوعة السلاح لاسرائيل، فذلك حق عربي، او على الأقل حق سوري محض.
اما قول اسرائيل بأن انسحابها من هضبة الجولان يعرضها للخطر، فقد أثبت كثير من الخبراء العسكريين خطأ هذا القول في عصر الاسلحة الحديثة وأجهزة الانذار المبكر. وحافظت سورية دائماً على هدوء حدودها بعد الوصول الى اتفاقات مرضية. والدليل على ذلك انه لم يقتل مدني اسرائيلي واحد خلال الفترة 1949 - 1967، بينما سقط الكثير من الشهداء السوريين. وعلى العكس فان وجود اسرائيل على الهضبة يمثل خطراً عسكرياً حقيقياً على العاصمة السورية، التي تبعد كيلومترات قليلة وتقع في مرمى المدفعية. لذلك فإن من حق سورية الدفاع عن نفسها، وإزالة هذا الخطر الجاثم عن قرب.
لكن طمع اسرائيل الحقيقي يكمن في المياه، وعندما تبدأ المفاوضات، نتوقع ان تقوم اسرائيل بجهود مكثفة لمنع سورية من الحصول على حقوقها في كونها دولة مشاطئة لنهر الاردن وبحيرة طبرية، وما يتبع ذلك من فقدانها لمصادر المياه من الجولان التي تقدر بحوالى 50 مليون متر مكعب سنوياً، وفقدان السيطرة على الحاصباني وبانياس. هذا كله بالاضافة الى ان اسرائيل تنهب من مياه اليرموك 100 مليون متر مكعب سنوياً مقارنة بحصتها منه حسب خطة جونستون البالغة 25 مليونا فقط، وتنهب ايضاً كامل مياه نهر الأردن العليا شمال طبرية البالغة 550 مليون متر مكعب سنوياً مقارنة بحصتها البالغة 375 حسب خطة جونستون. وبذلك تكون نهبت 175 مليون متر مكعب هي حصة سورية ولبنان وفلسطين والأردن.
وعندما تدعي اسرائيل بأنها ستنسحب من معظم الجولان ثمناً للسلام الكامل، فانها في الواقع لا تخسر شيئاً من المياه التي سلبتها، وبيّن تقرير ظل سرياً مدة طويلة اصدره خبراء في مركز "جافي" للدراسات الاستراتيجية الحد الذي يمكن ان تنسحب اليه القوات الاسرائيلية بحيث لا تخسر اسرائيل تلك المياه، ولا تبقى سورية دولة مشاطئة انظر الخريطة. ويبدو منه ظاهرياً ان اسرائيل انسحبت من "معظم" اراضي الجولان. ولا نعتقد ان سورية ستقبل بذلك اطلاقاً، لأنه يحرمها من حقوقها الأساسية كدولة مشاطئة، ويحرمها مع الدول العربية الاخرى من كميات هائلة من مياه الأردن واليرموك وبانياس والحاصباني وجزء من دان، ويحرمها كذلك من حقها والحق الفلسطيني في المناطق المنزوعة السلاح في فلسطين. ولا بد ان الولايات المتحدة ستضغط من جهة وتعرض المعونات من جهة اخرى، لكن الاخطار الناجمة عن قبول هذا الوضع ستبقي المنطقة في حال اضطراب مستمر، ولن يكون هناك حل دائم. ان موقف سورية التاريخي والقانوني قوي وصلب وبإمكانها اللجوء الى القانون الدولي امام محكمة العدل الدولية لإثبات حقوقها.
وفي كل الاحوال، فإن لسورية الحق في ان تكون دولة مشاطئة لنهر الأردن وبحيرة طبرية، وتتمتع بكل الحقوق للدولة المشاطئة، التي فصلها اتفاق "حسن الجوار" عام 1926. وليكن شرط الاعتراف باسرائيل اعتراف اسرائيل بشروط اتفاق حسن الجوار هذا.
ولا شك في ان سروية ستحرص، في حال اعترافها باسرائيل، الا تعترف بأن الاراضي في الجانب الاسرائيلي هي أراض اسرائيلية، اينما كان الخط الذي يتفق عليه. ففي "اتفاقية الهدنة" مع سورية تنص المادة الثانية ومثلها مع الأردن والمادة الرابعة مع مصر على ان خط الهدنة هذا ليس الا خط مواقع القوات العسكرية في ذلك التاريخ وانه "لا ينتقص من حقوق ومطالبات وموقف كل طرف" التي يجب تسويتها في معاهدة السلام النهائية. وحرصت مصر في معاهدة السلام مع اسرائيل على ان تذكر ان هذه المعاهدة لا تنطبق على خط الهدنة اذا كان واقعاً في فلسطين، ولا تنتقص من حقوق الفلسطينيين الشرعية. وذكرت الأردن ذلك في معاهدتها تقريباً. وبمعنى آخر فإن معاهدة السلام مع مصر لا تتعرض لخط الهدنة في قطاع غزة، ومعاهدة السلام مع الأردن لا تتعرض لخط الهدنة مع الضفة، ولكن تثبت الدولتان حدودهما مع اسرائيل من حيث تتطابق هذه الحدود مع الحد الدولي مع فلسطين. وبينما تقر اسرائيل بأن الأراضي خارج الحدود هي اراض مصرية او أردنية، فإن مصر والأردن لا تقران بالضرورة ان الأراضي داخل الحدود هي أراض اسرائيلية.
وهذا بالطبع ينسجم مع المبدأ السائد بأن معاهدات السلام لا تعني تخلي الدول العربية عن حقوق الفلسطينيين في فلسطين.
* باحث فلسطيني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.