"الكادر يحسم كل شيء" مقولة اطلقها يوسف ستالين في الثلاثينات ليبدأ حملة اعادة ترتيب المواقع في هرم السلطة مؤمناً بأن تنصيب الموالين لسياسته في اماكن حساسة قادر على تأمين النجاح، وبتحوير يتضمن شيئاً من المبالغة يمكن القول عن روسيا اليوم ان "الصحافة تحسم كل شيء". وانطلاقاً من هذا الفهم يعمل حاكم الظل البليونير بوريس بيريزوفسكي على توسيع امبراطوريته الاعلامية بالتعاون والتحالف مع زميله الأكبر روبرت ميردوخ. ولا يخفي بيريزوفسكي اهدافه السياسية فهو يؤكد ان وسائل الاعلام التي يملكها سيكون لها دور مهم في الانتخابات البرلمانية والرئاسية. وفي كلمة ألقاها في مؤتمر "الصحافة الروسية في العالم" قال: "لا ارى حتى الآن شخصاً يمكن ان يغدو رئيساً للدولة ولكن ستظهر قريباً اسماء جديدة بينها مثل هذا المرشح". ويجاهر البليونير بأنه يريد ايضاً برلماناً "نظيفاً" من المعارضة اليسارية، وأعلن انه "سيضيق الخناق" على خصومه قبل الانتخابات. ويملك بيريزوفسكي مقومات مهمة لتحقيق هذا الغرض، فهو الآمر الناهي في القناة الاولى "او. آر. تي"، على رغم ان للدولة 51 في المئة من اسهمها وليس لبيريزوفسكي سوى 13 في المئة. الا ان التعيينات الاخيرة في مجلس ادارة الشركة ادت الى سيطرة "رجال" البليونير على هذا العصب الأساسي في الاعلام المرئي. ومعروف ان بيريزوفسكي كون ثروته التي كانت مجلة "فوريس" قدرتها ببلايين الدولارات ليس عن طريق الاستثمار او حتى المضاربة، بل عبر "خصخصة السلطة" وتنصيب رجاله في مناصب حساسة. وبهذا الاسلوب تمكن من الهيمنة على مراكز القرار في "او. آر. تي" وسيعزز سيطرته في حال انجاز مشروعه المشترك مع ميردوك للسيطرة على سوق الاعلانات التلفزيونية. وسجلت شركة "نيوز كوربوريشين" التابعة لميردوك رسمياً الا ان الاتفاق مع مجموعة بيريزوفسكي لم يبرم حتى الآن لتفادي ردود فعل واسعة في البرلمان والشارع. واقتداء بميردوك يطمح بيريزوفسكي الى احكام قبضته على سوق الصحافة فاشترى 37.5 في المئة من اسهم "TV6" وهي اول شركة غير رسمية اسسها المدير العام السابق لهيئة الاذاعة والتلفزيون الحكومية ادوارد ساغالايف. وكان لبيريزوفسكي في "TV6" 37.5 في المئة من الاسهم، وبشراء نسبة مماثلة يسيطر على 75 في المئة وبذا يمكنه ان يهمش مواقع غريمه محافظ موسكو يوري لوجكوف الذي يملك 10 في المئة من الاسهم. ولعدم توفر السيولة النقدية حالياً لجأ بيريزوفسكي الى الاقتراض من الاخوة ليف ودميتري كشورني وهما مواطنان اسرائيليان من اصل روسي ويهيمنان حالياً على غالبية شركات الألمنيوم والمعادن. وبأسلوب مماثل سيطر بيريزوفسكي على 51 في المئة من اسهم صحيفة "نيزافيسيمايا غازيت" الصحيفة المستقلة التي كانت اول مطبوع غير حكومي يصدر في العهد السوفياتي، واعتبرت منبراً رصيناً وغير منحاز الى ان تم تحويل ملكيتها. وضمن الامبراطورية الاعلامية مجلة "اغنيوك" الاسبوعية التي كانت الأوسع انتشاراً، وصحيفة "نوفيه ازفيستيا" التي غدت اول جريدة يومية تصدر في روسيا بالألوان. وبذا يحاول بيريزوفسكي ان ينافس حليفه السابق فلاديمير غوسينسكي، رئيس المؤتمر اليهودي الروسي ومالك امبراطورية "ميديا - بوست" الاعلامية التي بدأت تعقد تحالفات مع لوجكوف الذي يناصبه بيريزوفسكي العداء. وبما ان البليونير يملك حالياً مفاتيح سلطوية مهمة فإن الشبكة الاعلامية التي اسسها يمكن ان تغدو وسيلة مؤثرة في الرأي العام وتساهم منذ الآن في تهيئته لقبول انتخابات برلممانية ابعد ما تكون عن الديموقراطية، او لتقبل فكرة الغاء الانتخابات اصلاً واعلان حال الطوارئ بهدف استمرار السلطة الحالية والتصدي لأي محاولة تهدف الى الحد من هيمنة "العائلة" المحيطة بالرئيس بوريس يلتسن ويلعب بيريزوفسكي دوراً بارزاً داخلها. الا ان مبدأ "المنتصر يأخذ كل شيء" الذي يعتمده البليونير خلق له عداوات كثيرة وأدى الى نفور الغالبية الساحقة من النخب السياسية التي اخذ بعضها يتألب ضده. وتمكن خصومه من اسقاط صفقة ب12.5 مليون دولار كان يتولى عقدها لشراء صحيفة "كوميرسانت" التي تعد من اهم المطبوعات اليومية في روسيا. وستكون اول سقطة لبيريزوفسكي مناسبة تتهيأ لخصومه الذين يشحذون سكاكينهم لطعنه.