تطوير الإطار التنظيمي للصناديق التمويلية بتعميم الاستثمار فيها    «المملكة».. ترسم ملامح اقتصاد بحري آمن ومستدام    أوهام «إسرائيل الكبرى» تعرقل السلام    الهلال يختتم المرحلة الأولى من برنامجه الإعدادي في ألمانيا    السوبر السعودي 2025.. أحلام الرباعي تشعل انطلاقة الموسم    نحو جودة التعليم المحوكم    الاستثمار الأهم    النوم عند المراهقين    السعال الديكي يجتاح اليابان وأوروبا    نادي الحائط يتعاقد مع المدرب الوطني الخبير أحمد الدوسري لقيادة الفريق لأول    النفط يرتفع 2% مع ترقب خفض الفائدة الأمريكية ومحادثات ترامب وبوتين    الهلال يكسب ودية" فالدهوف مانهايم"الألماني بثلاثية    بوتين: الإدارة الأميركية تبذل جهودا حثيثة لإحلال السلام    موعد انضمام كينجسلي كومان لمعسكر النصر    المملكة تتوّج بالذهب في الأولمبياد الدولي للمواصفات 2025 بكوريا    ضبط مواطن في جازان لنقله مخالفين من الجنسية الإثيوبية بمركبة يقودها    مدير حرس الحدود يشهد حفل تكريم المتقاعدين من منسوبي المديرية    أمير منطقة الباحة يستقبل الرئيس التنفيذي لبنك التنمية الاجتماعية    هاتفيًا... فيصل بن فرحان ووزير خارجية هولندا يبحثان المستجدات الإقليمية والدولية    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنظم حلقة نقاش بعنوان: (تمكين الابتكار الرقمي في العمل التوعوي للرئاسة العامة)    ثالث وفاة جراء الحرائق في إسبانيا    محمد بن عبدالرحمن يعزي في وفاة الفريق سلطان المطيري    نائب أمير جازان يستقبل مدير مكتب تحقيق الرؤية بالإمارة    اليوم الدولي للشباب تحت شعار"شبابُنا أملٌ واعد" بمسرح مركز التنمية الاجتماعية بجازان    أحداث تاريخية في جيزان.. معركة أبوعريش    السعودية للشحن توسع قدرات أسطولها بطائرتين من طراز A330-300    نائب أمير جازان يلتقي شباب وشابات المنطقة ويستعرض البرامج التنموية    سفراء الإعلام التطوعي يشاركون في معرض "لا للعنف" للتوعية بمخاطر العنف    الإنجليزي أوسيلفان يحسم تأهله إلى الدور ربع النهائي من بطولة الماسترز للسنوكر.. وحامل اللقب يغادر    بلدية صبيا تكثف استعداداتها لموسم الأمطار وتحدد أولويات المعالجة    مكتبة "المؤسس" تواصل إبراز التراث العربي والإسلامي    زراعة أول نظام ذكي عالمي للقوقعة الصناعية بمدينة الملك سعود الطبية    الصين تطلق إلى الفضاء مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية للإنترنت    حظر لعبة «روبلوكس» في قطر    في إنجاز علمي بحثي.. خرائط جينية جديدة تُعزز دقة التشخيص والعلاج للأمراض الوراثية    التضخم السنوي في السعودية يتباطأ إلى 2.1 % في يوليو    فلكية جدة تدعو لمشاهدة نجوم درب التبانة    أكد إطلاق برنامج «ابتعاث الإعلام» قريباً.. الدوسري: طموحات الرؤية تؤمن بإمكانات الإنسان والمكان    للمرة الثانية على التوالي.. خالد الغامدي رئيساً لمجلس إدارة الأهلي بالتزكية    اطلع على أعمال قيادة القوات الخاصة للأمن البيئي.. وزير الداخلية يتابع سير العمل في وكالة الأحوال المدنية    موجز    انطلاق ملتقى النقد السينمائي في 21 أغسطس    «البصرية» تطلق «جسور الفن» في 4 دول    الشيباني: نواجه تدخلات خارجية هدفها الفتنة.. أنقرة تتهم تل أبيل بإشعال الفوضى في سوريا    واشنطن تشرع في تصنيف الإخوان منظمة إرهابية    دعت إلى تحرك دولي عاجل.. الأمم المتحدة تحذر من مجاعة وشيكة في اليمن    الأسمري يزف تركي لعش الزوجية    بحضور الأمير سعود بن مشعل .. العتيبي يحتفل بزواج إبنيه فايز وفواز    وطن يقوده الشغف    متحدثون.. لا يتحدثون    الأمن يحث زوار المسجد الحرام على عدم الجلوس في الممرات    (ولا تتبدلوا الخبيثَ بالطَّيب)    ناصر بن محمد: شباب الوطن المستقبل الواعد والحاضر المجيد    فهد بن سلطان يكرم الفائزين بمسابقة إمارة تبوك للابتكار 2025    نجاح عملية دقيقة لأول مرة بجازان    استخراج هاتف من معدة مريض    أمير جازان يعزي في وفاة معافا    مباهاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رياح التغيير في الخرطوم تهب دائماً من جنوب السودان !
نشر في الحياة يوم 02 - 05 - 1999

إذا قبلنا ما يردده المتفائلون المتتبعون للشأن السوداني هذه الأيام من أن أي تغيير في نظام الحكم في الخرطوم تسبقه "دائماً" مؤشرات تنطلق من جنوب السودان، فالذي جرى قبل أيام عدة من طرح مشروع إقامة كونفيديرالية سودانية تجمع "دولتي" الشمال والجنوب ينفح بعض الأمل في نفوس المهتمين برؤية التغيير الذي طال انتظاره. فالمشروع المطروح قادم من الجنوب، إذ أن صاحبه واحد من أبرز قادة جنوب السودان وقد لا يقل شأنه أو مكانته بين الجنوبيين عن شأن ومكانة زعيم "الجيش الشعبي لتحرير السودان" العقيد جون قرنق.
كتب مصطفى كركوتي:
صاحب المشروع المثير للجدل والذي أحدث دوياً غير مسبوق لم تعهد مثله أوساط الحكومة والمعارضة السودانية في آن، هو نائب الرئيس السوداني السابق أبيل ألير. ألير كان نائباً للرئيس محمد جعفر نميري لمدة عشر سنوات 1971-1981، وكان أيضاً مهندس اتفاق السلام الذي وقعه نميري مع قادة التمرد الأول في الجنوب عام 1971 حين حصل ألير على مكافأة نميري بتعيينه نائباً له جراء مشروع المصالحة.
وها هو ألير نفسه يطرح مشروعاً للمصالحة مع الجنوب مرة أخرى لإنهاء النزيف الدموي المستمر منذ عقد تقريباً. ما هي فرص نجاح المشروع الجديد؟ وهل يحصل ألير على مكافأة أخرى؟ ومن يمنحه هذه المكافأة: حكومة الخرطوم الحالية، أم حكومة جديدة يأتي بها انقلاب عسكري آخر، أو حكومة قد تولد من رحم الجيش تمهد لقيام نظام حكم مدني علماني مثل نيجيريا يقبل بالتعددية الدينية والثقافية ويحتضن الأجناس المختلفة في فسيفاء السودان الاثنية؟
أسئلة قد يجد بعضها أجوبة قبل أو عند نشر هذه السطور. المشروع - الاقتراح تضمن 14 بنداً نشرت نصه "الحياة" في 27/4/1999 ويركز على إقامة كونفيديرالية من دولتين جنوبية وشمالية أثناء فترة انتقالية مدتها سنتان، ينظم خلالها استفتاء على حق تقرير المصير في السودان. وحصر المشروع - الاقتراح التوصل إلى اتفاق بالخرطوم وقرنق وتجاهل بقية أطراف المعارضة الشمالية ومؤيدي الحكومة من الجنوبيين الموجودين في الجنوب. إلا أن هناك نقطة مشتركة يلتقي عندها جميع فرقاء النزاع العسكري والسياسي يمكن تلخيصها بعاملين اثنين: الأول أن مشروع ألير الكونفيديرالي المثير للجدل أدى إلى رد فعل واحد من قبل هؤلاء الفرقاء وهو الصمت. والعامل الثاني أدى في الوقت نفسه إلى كشف المشروع - الاقتراح عن مكامن الضعف في مواقف الحكم في الخرطوم الجيش والجبهة الإسلامية، وفي مواقف فصائل المعارضة في الجنوب والشمال على حد سواء.
لنأخذ على سبيل المثال حكومة الرئيس السوداني عمر البشير التي تفضل منح الجنوب حكماً ذاتياً في إطار الدولة السودانية الراهنة، وهو عرض يرفضه الجنوب بجميع فصائله ما عدا الميليشيات التي انشأتها الحكومة عددها ست ميليشيات في السنوات الأربع الماضية. الجنوب يقبل بحكم مركزي في إطار دولة علمانية وليس دولة خاضعة لفلسفة "الجبهة الإسلامية" بقيادة رئيس مجلس الشورى حسن الترابي. ووفقاً لمشروع ألير يجب أن تسلم حكومة الخرطوم الجنوب إلى العقيد قرنق وهذا يتعارض مع سياستها المعلنة، كما يضع الحكومة في حرج معقد بالنسبة للميليشيات الموالية لها والموجودة في الجنوب. وقبول مشروع ألير يعني من الناحية العملية تخلي الحكومة عن هذه الميلشيات التي دفعت كثيراً من أجل بنائها في السنوات الأربع الأخيرة. كما ان قبول مشروع الكونفيديرالية يعني سحب الحكومة قواتها العسكرية من الجنوب، ما يحرمها الكثير من الاحترام والمكانة ويقزّم سلطاتها في البلاد. والبديل الذي تطرحه الحكومة منذ مدة هو إقامة حكم فيديرالي يدير شؤون مجلس سيادي من ستة أو سبعة أشخاص يتناوبون على الرئاسة مثل البوسنة، ولكن هذا الاقتراح رفضه الجنوب جملة وتفصيلاً لأنه يصون الطابع الثيولوجي الهوية الإسلامية للحكم في الخرطوم.
مشروع الكونفيديرالية بالنسبة إلى "الجبهة الإسلامية" الحاكمة يوفّر حالة من نقيضين: فإذا افترضنا أن الحكومة السودانية وافقت على مشروع ألير، فإن هذا المشروع من ناحية، سيتيح الفرصة أمام "الجبهة" للاستفراد بأحزاب وفصائل المعارضة في الشمال لتوجيه ضربة قاضية لها. ولكن في الوقت نفسه ستجد "الجبهة" نفسها في حال موافقة الحكومة عليه التي لا يمكن أن تحدث من دون مباركة الجبهة للمشروع في مواجهة كوادرها من الشباب وطلبة الجامعات الذين عبأتهم منذ 1997 تحت شعار "الجهاد من أجل تحرير جنوب السودان". فالمتوقع أن يطالب هؤلاء الشباب قيادة الجبهة بتقديم تفسيرات للأسباب التي دفعتها إلى هدر أرواح المئات منهم في "محرقة الجنوب".
أما بالنسبة إلى قرنق وحركته "الجيش الشعبي لتحرير السودان"، فإن مشروع الكونفيديرالية يعرّضه لمواجهة أزمة قد يضطره الخروج منها إلى تقديم تنازل استراتيجي مهم، أو التراجع عن سياساته السابقة في العقد الأخير. فقرنق تربطه اتفاقية مع أحزاب المعارضة السودانية في الداخل والخارج لإطاحة نظام الحكم الإسلامي العقائدي الراهن في الخرطوم، وإقامة حكم ديموقراطي علماني يؤمن بالتعددية العرقية والدينية والقومية بدلاً منه. إلا أن قرنق يتعرض في الوقت نفسه لكمية من الضغوط الكبيرة من قبل الكنائس والدول الغربية التي تدعمها، بما في ذلك "اسقفية كانتربيري" الأنكليزية ومعظم كنائس الدول الأوروبية ومنظمات العمل غير الحكومية في الجنوب، من أجل وقف الحرب وإنهاء النزيف الدموي الذي كلف خلال عقد واحد من العمل المسلح أكثر من مليون ضحية. فإذا استجاب قرنق هذه الضغوط ووافق على مشروع ألير، فإنه يساهم بإلغاء - أو تحجيم - نفسه ليفسح في المجال أمام صعود قيادة جنوبية أكثر تمثيلاً لصاحب المشروع.
قبل أن يحمل ألير المشروع إلى كمبالا ليعرضه على قرنق في الأسبوع الفائت، حصل على "مباركة" البشير ودعم النروج له. أما لماذا النروج بالذات، فإن هذا يعود إلى أنها تترأس الدورة الحالية للدول الصديقة لمجموعة "ايغاد" مجموعة الدول الافريقية برئاسة كينيا المعنية بالإشراف على مشاريع التنمية في السودان بعد التوصل إلى تسوية فيه. ووجود دور للنروج لا يعني بالضرورة التوصل إلى "اتفاق أوسلو سوداني" يماثل اتفاق أوسلو الفلسطيني، كما أشار البعض. فلقد قدمت حكومة النروج من خلال هذا الدور إطاراً للمفاوضات بين الجنوب والحكومة في الخرطوم يقوم على إحدى ركيزتين: إما التوصل إلى اتفاق بشأن إقامة نظام حكم علماني يؤمن بالتعددية ويؤدي إلى تعزيز وحدة البلاد، أو الاعتراف بحق تقرير المصير للجنوب إذا تعذر الأول. هذا هو الإطار الذي بنى عليه ألير مشروعه الراهن، وهو يشكل دعوة صريحة وواضحة قادمة من الجنوب للتغيير في الخرطوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.