البرنامج الوطني للتشجير: جهود مكثفة لإعادة تأهيل الأراضي ورصد الغطاء النباتي    48 شهيدًا وعشرات الجرحى في غزة    القيادة تهنئ رئيس تركمانستان بذكرى استقلال بلاده    الداخلية : ضبط (18421) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    مستشفى الملك فهد الجامعي يحقق إنجازًا بزراعة عظم ومفصل المرفق وترميم الأربطة المحيطة    أمطار رعدية غزيرة على عسير وفرصة للسيول بعدة مناطق    د. العسكر: عيادات غير مرخصة تستغل "الخلايا الجذعية" بادعاءات علاجية خطيرة    في صمت النفس غربة الواقع وتمرد العقل    مهنة التسول    ترتيب دوري روشن بعد فوز النصر على الاتحاد    المزاح والضغوط النفسية    رسالة سعودية إلى العالم    لوران بلان يُبرر خسارة الاتحاد في الكلاسيكو    محافظ طريب يرعى احتفال مركز الصبيخة باليوم الوطني 95    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    وزير الخارجية يوقع اتفاقيات تعاون مع منغوليا وقبرص والبوسنة    مزاد نادي الصقور السعودي.. مبيعات تتجاوز 41 مليون ريال في 5 أعوام    الأخضر السعودي تحت 20 يرفع استعداده لمواجهة كولومبيا ضمن كأس العالم    إطلاق "التحالف الطارئ للاستدامة المالية للسلطة الفلسطينية"    نجوم الفنون القتالية يتحدثون عن استعداداتهم في المؤتمر الصحافي ل«دوري المقاتلين المحترفين» في الرياض    رونالدو يصل إلى الهدف رقم 946 ويقترب من الألفية    "الشؤون الإسلامية" تُقيم خطبة الجمعة في مسجد السلام في تشيلي    إيران لا تعتزم الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي    ارتفاع أسعار النفط إثر هجمات شنتها أوكرانيا على البنية التحتية للطاقة في روسيا    محافظ قلوة يرعى احتفال أهالي المحافظة باليوم الوطني ال 95    الاتفاق يستفيق على حساب ضمك    عسير تقتدي… وفاءٌ يتجدد وعطاءٌ يتجسّد    ضبط شخص بجازان لترويجه أقراصًا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    عقود الطمأنينة في رياض سلمان    دولتي عظيمة    وزارة الرياضة تختتم مشاركتها في فعاليات معرض "إكسبو اليابان 2025"    أكثر من 53 مليون زائر للحرمين الشريفين خلال شهر ربيع الأول    الصحة وغرفة جازان تبحثان تطوير الخدمات وتعزيز السياحة العلاجية والاستثمار الصحي    حوار بين المبادئ والمصالح    المواطن أولا في مسيرة وطن العطاء    إمام المسجد النبوي: الغفلة تصدّ عن ذكر الله وتضيّع الأعمار    جمعية طلال الخيرية تنفذ مبادرة عون    إمام المسجد الحرام: حب الوطن نعمة وواجب شرعي يستوجب الشكر والدفاع    مفردات من قلب الجنوب 21    الإفتاء بعسير يحتفي باليوم الوطني ال95    نادي ذوي الإعاقة بعسير يحتفل باليوم الوطني ال95 بمشاركة واسعة من الجهات المجتمعية    الجمعية السعودية للتربية الخاصة ( جستر محايل ) تحتفي باليوم الوطني 95    مسك ونيوم تتعاونا لتعزيز قدرات القيادات الوطنية.    غرفة الشرقية تحتفي باليوم الوطني ال 95 بعروض وفقرات فلكلورية وأهازيج وطنية    البركة الخيرية وجمعية سقياهم توقعان إتفاقية لإنشاء محطة تحلية في مركز الحيراء    التحدي والاستجابة.. سرّ البقاء السعودي    فتح الرياض    مظاهر البهجة ترتسم على وجوه الأطفال    في وداع العزيز أبي عبدالعزيز    دراسة حديثة : الأكل الليلي المتأخر قد يربك الهرمونات... ويهدد الصحة!    19 فعالية في مدارس التعليم تعزز الولاء والانتماء وتحفز على الإبداع    وزير الخارجية: لا يكفي إصدار البيانات ما لم تتحول إلى عمل حقيقي يغير واقع الاحتلال وعدوانه    في احتفاليتها باليوم الوطني..ديوانية الراجحي: المملكة بقيادتها الرشيدة تنعم بالأمن والرخاء والمكانة المرموقة    15 رئيس دولة و600 متحدث.. مؤتمر مستقبل الاستثمار.. مصالح مشتركة وأمن التجارة العالمية    تصعيد متبادل بالمسيرات والهجمات.. والكرملين: لا بديل عن استمرار الحرب في أوكرانيا    الرئيس الأمريكي وقادة دول عربية وإسلامية في بيان مشترك: إنهاء الحرب خطوة نحو السلام    كوب «ميلك شيك» يضعف تدفق الدم للدماغ    الرياض تستضيف مؤتمر العلاج ب«الجذعية»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«بيت في النقب» حكاية فلسطينية
نشر في الحياة يوم 22 - 09 - 2011

فلسطينية من غزة، سوزان الفرا - الكنز تعود في كتابها الذي صدر بالفرنسية «بيت في النقب، حكاية فلسطينية» إلى مسيرتها كإنسانة منفية حط بها الرحال في بلدان عدة من المملكة العربية السعودية إلى تونس مروراً بالجزائر، لتستقر في النهاية في فرنسا. تستقر؟ ربما كانت كلمة في غير مكانها تماماً هنا.
قد تكون الوقفة الأهم في رحلتها، الموقف الأصعب، العودة لزيارة بيت أمها في بير السبع، البيت الذي سرق منهم بعد النكبة، حين اصطحبتها والدتها مع أخيها في يوم صيفي حار إلى هناك للمرة الأولى وهي في الخامسة عشرة من عمرها. دخلوا البيت عنوة، تستعيد اللحظة «كانت أمي وكان بيتها. نحن، كنا مسحوقين تحت ثقل هذا التاريخ، تاريخها. لم يعد لنا من وجود، محونا تلاشينا امام هول المشهد». جاؤوا ليكتشفوا ما كانوا على دراية به في أعماقهم، ليلمسوا الحقيقة لمس اليد. ثمة عائلة إسرائيلية قد احتلت هذا البيت، استولت على تاريخه وذاكرته، استملكته كما هو، لم تغير فيه شيئاً، حتى طبق الفاكهة الكبير ما زال في مكانه فوق الطاولة، لحظته عينا الأم الحانقة، بيد أن أكثر ما استثار غضبها كان هذا الغطاء الذي طرزته بيديها مفروداً تحت الطبق... «ولكن يا أولاد الكلب، هذا بيتي! بيت أبي. هذا اثاثي، وهذا الطبق لي» تجن الأم صارخة.
من مكان إلى آخر ترحل العائلة، من غزة إلى السعودية للعمل، ومنها نحو المحطة الثانية. في الجزائر المستقلة حديثاً تبحث سوزان عن هوية جديدة مبهورة بهذه الحمى الوطنية للجزائريين، لكن أرضها تبقى ماثلة في خيالها، تلك الأرض التي باتت العودة إليها مستحيلة بعد حرب الأيام الستة. ما بقي مشتعلاً في ذاكرتها كانت الحميمية العائلية في غزة، تلك السعادة التي غمرتها خلال إقامتها لدى العائلة «الكبيرة» هناك بعد زيارة بيت بير السبع، سعادة أنستها أزمة «البيت» وما جرى فيه، تسترجعها اليوم في سيرتها، وهي في الغربة، في سرد يكشف حنيناً كامناً لما قد يكون الرابط الأكثر قوة ببلدها.
في الجزائر، كانت الراوية مأخوذة بهذه الفوارق بين المغرب والمشرق. دراستها الجامعية ثم لقاؤها بزوج المستقبل الجزائري فتحا أمامها آفاق الثقافة الغربية والماركسية، تذوقت الحرية بعيداً عن التزمت الشرقي، ما جعلها تتجاوز لحين مشاكل الهوية لديها. بيد أن قدر الرحيل يفرض نفسه من جديد، ولأسباب تتعلق بالوضع السياسي في الجزائر، كان الوقت قد حان لتجبر من جديد على المغادرة مع زوجها وصغيريها نحو تونس ثم فرنسا. هناك، يتحتم عليها مرة أخرى التأقلم مع مجتمع غير قادر على إدراك معاناتها المرتبطة بتاريخ سياسي عنيف لا يتعلق به مباشرة. شعور بالنفي يتعزز، تغتاظ من الاهتمامات الصغيرة للبرجوازية الصغيرة المحيطة بها، لكنها تحاول اقناع نفسها بنسيان بير السبع وقبول تلك الحياة «الصغيرة» في فرنسا» ما يهم هو الحاضر، بيت صغير، حديقة صغيرة، عمل صغير... حياة صغيرة».
هاجس العودة إلى أرضها لا يغادرها، وكما فعلت امها يوماً، تصطحب هي ولدها ذا الستة عشرة عاماً وتستقل الطائرة إلى تل أبيب، تمتزج مع المسافرين، الإسرائيليين في معظمهم، هؤلاء الذين ينظرون بعين الرضا إلى كل مهاجر جديد. غير أن نظرة هؤلاء إليها تتبدل وموقفهم يتغير مع رؤيتهم لمكان الولادة: غزة. ها هو ابنها يتعرض بدوره لتجربته الأولى مع هذا البغض بين الشعبين.
في القدس الشرقية تحاول أن تذوب في هذا المجتمع الذي ابتعدت عنه منذ زمن طويل والذي كانت تعاود اكتشافه بشيء من الحنان، تجول في مدن عدة إلا غزة التي منعت من زيارتها. ترجع إلى بير السبع لتكتشف أن منزل أمها قد تحول إلى كنيس مغلق أمام الأجانب. أمام هذا الفشل، هذا الباب المغلق، اغلقت صفحة من تاريخها إلى الأبد.
تعود إلى فرنسا من دون ان تتخلص من أوجاعها، لكنها تبدو وكأنها استكانت لها، تعلمت قبول هذا المنفى الأبدي، هذا الشعور بالخواء الذي يشغلها منذ الطفولة، فهل الفضل في ذاك يعود إلى ابنها الذي سلمته هذا الإرث أخيراً كما يرشح من كلماتها؟: «عدت إلى نانت مع ولدي. لدي شعور بأنني مررت له شيئاً ما. هذا الإرث المسموم ربما، فماذا سيفعل به؟ لا ادري. آمل فقط من كل قلبي أن يتدبر أمره معه أفضل مما فعلت».
عبر حكايتها الخاصة وحياتها التي ترى فيها سلسلة من المنافي، تبدو الكاتبة صدى لأحوال وأحاسيس يشاركها فيها شعب بأكمله، وتتوصل بحذق، إلى تمثيل الواقع الإنساني لهذا الاغتصاب والاقتلاع من الجذور الذي يختزل غالبا إلى وضع سياسي. تحكي سيرتها الذاتية نائية ما أمكن عن السياسة، عن الإدانة المباشرة، مقتربة بحذر من قضية تثير حساسية في الغرب. تسرد معاناة إنسانية يبدو فيها الواقع أحياناً متشابكاً مع صور فرضها الخيال، كتعويض عن الفقدان.
في كتابها الذي نشر في الجزائر (APIC) وكندا وفرنسا عن دار النشر (l'aube)، ونال جائزتين (إحداهما تحمل اسم الكاتب المالي يامبو أولوغيم)، لا تقع سوزان في فخ البكائية ولا تلبس ثوب الضحية وهي تصف علاقتها المعقدة مع أرضها، وشعورها بهذا الانتماء إلى هوية من الصعب أن تنهض بأعبائها. كتابتها بسيطة تنساب بهدوء بعيداً عن العاطفية، ومع هذا تجعل قارئها يعيش لحظات ملأى بالمشاعر، بالثورة، بالغضب، مشاعر تمررها بصدق وموهبة. أما نبرتها الساخرة المرتبطة بقصتها المؤثرة، فهي تهب القارئ صورة معبرة عن صاحبتها: إمرأة قوية وطريفة على رغم جروحها العميقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.