عُرفت منطقة "عين شمس" ب"أونو" في اللغة المصرية القديمة، وتعني العمود، وقد امتدت شهرة هذه المدينة منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى الفتح العربي. وكانت المركز الرئيسي لعبادة الشمس، ولها مذهب ديني في نظرية خلق العالم يعرف بمذهب عين شمس. واطلق عليها الاغريقي "هليوبوليس" اسم مدينة الشمس، في حين سماها العرب "عين شمس"، وهي تقع في الجزء الشمالي الشرقي من مدينة القاهرة، وتمتد جبانتها نحو اتجاهات عدة، مثل المطرية وعين شمس الغربية وعين شمس الشرقية وعزبة النخل وحلمية الزيتون ومصر الجديدة ومدينة نصر ومدينة السلام حتى جنوب شرق جبل المقطم. وتوجد جبانة المدينة الى الشرق منها، نظراً لطبيعة التربة الرملية بها والتي تساعد على الدفن والبناء وحفظ الجثث من التحلل، بينما توجد المدينة بكل آثارها من المعابد والمنازل في الغرب، مخالفة بذلك ما كان متبعاً في مصر القديمة، حيث كان الغرب مخصصاً لعالم الاموات، في ما كان الشرق مسكن الاحياء. ويوجد الموقع في تقاطع شارع "ترعة الجبل" مع شارع "المشروع" في عين شمس الغربية. وقد بدأت اعمال الحفر المنظمة في التاسع من ايار مايو الماضي في مساحات متتابعة قسمت الى مربعات تصل مساحة كل منها الى حوالى الفي متر. وبالحفر على عمق 5،2 - 3 امتار، عثر على عدد من المقابر، وتعد اهمها، تلك المقبرة الجماعية والتي كانت مخصصة لأسرة واحدة في الغالب، حيث عثر على عدد من التوابيت الحجرية الجيرية، و"معظمة" تجمع كل عظام الاسرة. ولم يعثر في الموقع كله على اية هياكل عظمية كاملة، وانما عُثر على جماجم او بقايا هياكل عظمية، مما يدل على تكرار نبش الموقع في عدد من الفترة التاريخية سواء كانت قديمة أو حديثة. وآثار الموقع الثابتة هي عبارة عن مقابر ذات جدران لبنية معلقة، دُعّمت في بعض اجزائها بكتل حجرية، كان بعضها منقوشاً واعيد استخدامه هنا مرة اخرى، مثل النقش الرائع الذي يُظهر احد مناظر الحياة اليومية الرقيقة والمعبّرة عن العلاقة الوثيقة بين راعيين وعجل صغير، يقوم احدهما بسقايته بينما يمسك الآخر بإناء السقاية. اما بالنسبة الى الاثار المنقولة، فتشمل عدداً من الصدريات من القاشاني الازرق وتمثل "تاسوع هليوبوليس" عين شمس المتمثل في المعبود "آتوم" و"شو" و"تفنوت" و"جب" و"نوت" و"اوزيريس" و "ايزيس" و"ست" و"نفتيس"، وعين الاوجات عين حورس السحرية، والربة "سخمت" القوية، وعمود "جد" الخاص بالمعبود "اوزيريس"، وعقدة "تيت" الخاصة بالربة "ايزيس". وكذلك هناك عدد كبير من تماثيل الاوشابتي التماثيل المجيبة بالمئات، وتتراوح اطوالها بين 5 -10 سم، وهي من القاشاني الازرق المائل الى الاخضرار، وخُطّت عليها كتابات هيروغليفية غير واضحة القراءة، ومئات التمائم المتنوعة للأرباب المصرية القديمة كصيغة سحرية تدفع عن حاملها السوء. وايضاً هناك عدد كبير من الاواني الفخارية الغنية بها الارض المصرية، ذات اشكال متنوعة، كما عثر على مئات من حبات الخرز الملون المفروط، من القاشاني الصافي الزرقة، الذي كان يشكل في مجمله صدريات بالغة الروعة، سقطت من فوق اجداثها وتناثرت هنا وهناك من غير ان يجمعها جامع. ومن المعروف ان جبانة "اونو" ذات تقسيم اجتماعي ثلاثي، فدفنت بها طبقة ميسورة الحال نوعاً ما، وثانية متوسطة، وثالثة فقيرة. وينتمي هذا الموقع الى النوع الثاني، اذ كان مخصصاً لدفن القائمين على امر المعابد في مدينة الاحياء في الغرب، حيث كانت هذه المنطقة مليئة بالمعابد الكبيرة مثلما الحال في منطقة معابد الكرنك والاقصر. وتعود اغلب دفنات جبانة "اونو" الى العصر المتأخر 1060- 332 ق.م، مع التأكيد على وجود دفنات من عصور ما قبل التاريخ وبدايات الاسرات والعصر العتيق والدولة القديمة والوسطى والحديثة. والتأريخ المقترح لهذا الموقع هو العصر المتأخر الاسرات 21-30 الملتحم بالعصر اليوناني الروماني 332 ق.م - 395 م، وليس عصر الدولة القديمة، اذ لا توجد في الموقع اية آثار مكتوبة تشير صراحة الى نسبة الموقع الى تلك الفترة، مثل خرطوش يحمل اسم ملك مثلاً، ولا توجد اية اشارات معمارية او فنية تدل على عصر الدولة القديمة. واذا كان الموقع يعود الى عصر الدولة القديمة 2686 - 2181 ق.م الذي يعرض اقدم الطبقات الاثرية المصرية القديمة، فأين التتابع الطبقي للعصور التالية ابتداء من عصر الانتقال الاول وحتى اليوناني الروماني مع عدم اغفال وجود دفنات في جبانة "أونو" تعود الى عصر الدولة القديمة لكنها في تتابع طبقي وبها آثار تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك نسبتها التاريخية الى الدولة القديمة. ومما قطع الشك باليقين العثور على قطعة عملة بطلمية تحمل أحد وجوه ملوك البطالمة على وجهها الاول تصعب قراءة الاسم لسوء حال القطعة، ويظهر حورس من الجانب بشكله المميز في العصر البطلمي على الوجه الآخر، مما حسم قضية التأريخ مع وجود الاحفورات اليونانية ايضاً واستخدام الطوب اللبن وكذلك حجم القالب، وهي من سمات العصر المتأخر وتنتشر كذلك في العصر اليوناني الروماني.