الآثار هي الحضارة والتاريخ والثقافة. وفي مكةالمكرمة، هذه المدينة المقدسة، منبع الرسالة ومهبط الوحي، العديد من الاماكن التاريخية والمآثر الدينية المعتبرة والمشهورة، التي ارتبطت بتاريخ الدين الاسلامي اذ شهدت احداثاً متعددة في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. ولا يزال بعض هذه الآثار موجوداً حتى الآن على رغم اندثار معالم بعضها بسبب التغيير الديموغرافي الذي طرأ على المدينة، والمشاريع التي استحدثت من اجل توسعة الحرم المكي الشريف وزيادة مساحته الاستيعابية. ولا يزال بعض هذه الآثار يقف شاهداً للتاريخ ومعلماً من معالم الحضارة الاسلامية. ويرى بعضهم ان اعادة الاهتمام بهذه الاثار التاريخية ضرورة ملحة. وفي التوثيق التاريخي التالي نستعرض اهم هذه الاماكن التاريخية والمآثر الدينية المعتبرة والمشهورة في مكةالمكرمة حفظاً للتاريخ. مولد النبي صلى الله عليه وسلم من الاماكن التاريخية الشهيرة في مكةالمكرمة مكان معروف في سوق اليس حيث ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الاول من عام الفيل. وقد وصفه الفاسي بأنه بيت مربع فيه اسطوانة عليها عقدان وفي ركنه الغربي زاوية كبيرة وفيه عشرة شبابيك ومحراب، وقرب المحراب حفرة عليها درابزين من خشب اشارة الى الموضع الذي ولد فيه الرسول في المنزل. وقد عمره الناصر العباسي عام 576 ثم الملك المظفر عام 666. وفي عهد الملك عبدالعزيز آل سعود أعيد بناء هذا البيت بعدما تهدم وصار مهجوراً، ووضعت فيه مكتبة عامة ضخمة تسمى مكتبة مكةالمكرمة لا تزال موجودة قائمة حتى الآن حفظاً لشرف المكان. بيت السيدة خديجة وهي خديجة بنت خويلد زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولدت رضي الله تعالى عنها قبل ولادته صلى الله عليه وسلم بنحو 15 عاماً في هذا البيت المعروف اليوم ببيت السيدة خديجة. وفي هذه الدار تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بالسيدة خديجة وولدت فيها السيدة فاطمة وجميع أولاد الرسول، وهي أفضل المواضع في مكةالمكرمة بعد المسجد الحرام وذلك لسكن الرسول فيها وكثرة نزول الوحي عليه. وهي تقع داخل مكةالمكرمة وأقيمت فيها مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم. دار علي بن أبي طالب وهذه الدار ولد فيها علي بن أبي طالب، أول الناس اسلاماً، في شعب يقال له شعب علي. وكان مكتوباً على هذه الدار "هذا مولد أمير المؤمنين"، وفي هذه الدار تربى الرسول عليه الصلاة والسلام وبنيت في مكانها المدرسة الأهلية المسماة مدرسة النجاح الليلية لمكافحة الأمية. دار الأرقم الأرقم من السابقين الى الاسلام اذ أسلم بعد عشرة من الصحابة وكانت له دار في مكة على الصفا، فلما أسلم أوقف داره على المسلمين، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يجلس فيها مستخفياً من قريش يدعو الناس الى الاسلام. وقد أسلم فيها أكثر من أربعين رجلاً كان آخرهم عمر بن الخطاب، وتجدد بناء هذه الدار في التوسعة الجديدة للحرم المكي الشريف وأصبحت مقراً لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. غار حراء وهو من الأماكن الأثرية التاريخية، ويوجد الغار في جبل يسمى النور، يقع شمال مكة على يسار الذاهب الى عرفات، وهو يبعد عن المدينة ثلاثة أميال، ويبلغ ارتفاعه 200 متر ويصعد اليه في نحو نصف ساعة. أما الغار فيبعد عن قمة الجبل نحو 50 متراً، وينحدر الإنسان اليه من القمة على درج غير منتظم، وهو عبارة عن فجوة بابها نحو الشمال تسع نحو خمسة أشخاص جلوساً وارتفاعه قامة متوسطة. وقد خص الله تعالى غار حراء بكرامة عظيمة اذ نزل فيه الوحي، وكان الرسول يمكث فيه ليالي طويلة يتعبد فيه حتى نزل عليه فيه جبريل بأول آية من القرآن في شهر رمضان المبارك. ومن غار حراء كانت الكعبة تبدو واضحة قبل ارتفاع المباني الحديثة. غار ثور وهذا الغار في جبل يسمى جبل ثور، وهو أكبر من حراء وأبعد منه عن مكةالمكرمة، وسمي بثور نسبة لثور بن مناة، ويصعد اليه في نحو ساعة ونصف ساعة وهو عبارة عن ثلاثة جبال متصلة، يقع الغار في ثالثها. وفي الجبل 54 تعريجة حتى نصف الجبل، فالصاعد تارة يصعد وأخرى ينحدر، والغار عبارة عن صخرة مجوفة في قمة الجبل أشبه بسفينة صغيرة لها فتحتان في مقدمها وواحدة في مؤخرها. يبلغ طول الغار 18 شبراً وطول فمه الضيق خمسة أشبار وسعته وارتفاعه عن الأرض مقدار شبر، وقد ذكر الله تعالى هذا الغار في القرآن الكريم، فقال: "ثاني اثنين اذ هما في الغار"، وقصة هذا الغار ان الرسول صلى الله عليه وسلم، حين هاجر الى المدينةالمنورة مع أبي بكر الصديق، واختفيا فيه هرباً من اذى قريش، ومكثا في الغار ثلاثة أيام. وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما بالطعام من مكة ليلاً، وكان الكفار يخرجون للبحث عنهما حتى يمروا بالغار فيرون العنكبوت على فمه فيعتقدون ان ليس في داخله احد حماية من الله تعالى لنبيه وحفظاً لدينه وشرعه. وجاء في بعض الآثار المروية أن الله سبحانه وتعالى أمر حمامتين وحشيتين فأقبلتا تدفعان حتى وقعتا بين العنكبوت والشجرة. ومازال هذا الجبل موجوداً حتى الآن في طريق كدي - العزيزية - طريق الهجرة. الصفا والمروة من المآثر الدينية التي جاء ذكرها في القرآن الكريم. الصفا هو قطعة من جبل أبي قبيس تقع جنوب المسجد الحرام، والمروة قطعة من جبل قعيقعان، شمال شرقي المسجد. والمروة مكان مرتفع عن الأرض مثل الصفا، ويبلغ طول المسعى بينهما نحو 405 امتار. ذوى طوى وهي بئر أثرية معروفة في مكةالمكرمة، جاء ذكرها في الحديث الشريف وأن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عندها واغتسل منها وبات هناك. مسجد الراية وهو المسجد الواقع في الجودرية على يمين الصاعد من المدعاة الى المعلاة وبينه وبين البيوت التي قبله زقاق صغير ضيق. وهو من المساجد التاريخية المشهورة اذ غرزت في ذلك الموضع راية النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح. شواهد تاريخية ومن المساجد التاريخية والأثرية مسجد الجن قرب مقبرة المعلاة، وهو موضع الخط الذي خطه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة سمع منه الجن، وفيه نزلت سورة قل أوحي، وقد بني بناء حديثاً وجميلاً. وهناك مسجد الإجابة على يسار الذاهب الى منى بالأبطح، وقد صلى النبي عليه السلام صلاة المغرب. وهناك مسجد أبو بكر الصديق الكائن أسفل مكة، ويقال أنها داره التي هاجر منها الى المدينة، وأيضاً مسجد خالد بن الوليد الذي غرز رايته في ذلك الموضع يوم فتح مكة، وهناك مسجد ابراهيم في أول عرفة. ومن الجبال المأثورة جبل أبي قبيس الذي يطل على الصفا وجبل ثبير على يسار الذاهب من منى الى عرفات، وقيل أنه الجبل الذي هبط عليه الكبش الذي فدي به اسماعيل عليه السلام، وجبل الرحمة وهو جبل عرفة ويسمى جبل الدعاء، وجبل خندمة خلف جبل أبو قبيس المشرف على أجياد، وقيل أنه يضم قبر سبعين نبياً، اضافة الى وادي محسر الذي نزل فيه بأس الله بأصحاب الفيل حينما جاؤوا لهدم الكعبة فأرسل الله عليهم طيراً أبابيل. وادي فاطمة والحديبية وهو موضع مأثور يبعد عن مكة نحو 30 كيلومتراً وكان يطلق عليه قديماً "مر الظهران"، ونزل الرسول فيه في غزوة الفتح قبل دخول مكة، وفيه لقيه أبو سفيان وأسلم وأخذ الأمان لأهل مكة. أما الحديبية فتسمى اليوم الشميسي وفيها بئر بهذا الإسم. وسميت بالحديبية لوجود شجرة حدباء في ذلك الموضع، وفي هذا الموضع تنتهي حدود الحرم. وفي الحديبية مسجد قديم يقال أنه في مكان الشجرة الذي عسكر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو المكان الذي نزل عنده الرسول مع جيشه لما خرج من المدينة محرماً يريد دخول مكة للعمرة فمنعه المشركون من دخولها ووقعت فيها بيعة الرضوان. وادي سرف... وحنين في وادي سرف تزوج الرسول عليه الصلاة والسلام بالسيدة ميمونة بنت الحارث الهلالي وهو واد في وادي فاطمة. أما حنين فهو ما يعرف اليوم بمنطقة الشرائع وفيه وقعت غزوة حنين المشهورة، وفي هذه الغزوة طفئت جمرة العرب واستفرغت قواهم واستنفدت سهامهم وذل جمعهم، فانشرحت صدورهم للدخول في الاسلام.