تعيش الكويت حالة ثرثرة ونقاش لم يسبق لها مثيل حول دعوة الى العشاء وجهها ولي العهد الشيخ سعد العبدالله الصباح لأكثر من 1200 شخصية، مساء بعد غد الإثنين. وتنصب التساؤلات والتكهنات على ما سيقوله الشيخ سعد في الخطاب الذي سيلقيه خلال هذا العشاء. كانت الدعوة وفكرتها مطروحة قبل الأزمة التي فجرتها استقالة وزير الخارجية الشيخ صباح الأحمد الصباح. وحسمت الأزمة بأمر أميري جعل الوزير يطوي استقالته، فحسم معها الجدل من دون أن يتوصل الوسط السياسي الكويتي الى تكوين صورة واضحة للأزمة وللأسباب الحقيقية للإستقالة. وما لبث الجدل أن تجدد ليتعامل مع "عشاء الأول من يونيو" وكأنه استحقاق سياسي مفصلي. فخطاب سعد العبدالله في هذه المناسبة سيكون أول مداخلة له بعد الأزمة، لذلك كبرت التوقعات وأصبح مطلوباً أن يكون الخطاب على مستوى هذه التوقعات. يقال إن هدف الدعوة هو شكر الفعاليات السياسية والإقتصادية والحكومية على المساندة المعنوية التي قدمتها لولي العهد خلال محنته الصحية في العام الماضي. عدا الشكر، كان الشيخ سعد يريد جعل هذا اللقاء مناسبة لطرح توجهات سياسية للمرحلة المقبلة، وبذلك يلبي انتظارات المجتمع الذي يسمع باستمرار عن اجراءات اقتصادية ستترجم بضرائب ورسوم بهدف تصحيح الوضع المالي للبلد وميزانيته. لكن الأزمة الوزارية غيّرت مزاج الديرة وأهلها، وبالتالي راح "لقاء الأول من يونيو" يتأرجح أن يكون مجرد عشاء اجتماعي أو أن يتحول الى حدث سياسي. وهكذا ترددت التساؤلات في الديوانيات وفي أروقة مجلس الأمة وعلى صفحات الجرائد: ماذا عند الشيخ سعد ليقوله؟ فلو لم يكن ينوي إعلان شيء ما لما جمع كل الفعاليات، لعله يريد أن يضعهم في أجواء القرارات الصعبة التي ستقدم عليها الحكومة، لعله يريد وضعهم أمام واجب دعم الحكومة في هذا المجال، هل يتطرق الى الأزمة الأخيرة التي أدت الى استقالة الحكومة وإعادة تشكيلها، وهل يتطرق الى استقالة وزير الخارجية وأسبابها... أسئلة كثيرة طرحت، وسيناريوات عدة وضعت، لكنها لم تتمكن من حل ما أصبح يعرف بپ"لغز الأول من يونيو". حتى الذين التقوا الشيخ سعد في الأيام الأخيرة لم يخرجوا من ديوانه بفكرة واضحة عما سيقول. واختصرت صحيفة "السياسة" ذلك بعنوان مانشيت على الصفحة الأولى: "لا أحد يعرف ماذا سيقول الشيخ سعد في أول يونيو". لذلك اشتغلت بورصة الفرضيات: إذا كان يريد إعلان قرارات، فإن مجلس الوزراء هو المكان المناسب، وإذا كان يريد أن يطرح خطة سياسية فإن مجلس الأمة هو المكان المناسب، وإذا كان يريد التوجه الى الشعب فلديه كل وسائل الإعلام خصوصاً تلفزيون الدولة... إلا إذا كان ينوي إعلان قرار يخصّه في شخصه وفي موقعه: هنا تذهب الإشاعات والتكهنات الى حد القول أنه ربما سيعرض متاعبه في الحكم سواء مع مجلس الأمة أو مع الفئات السياسية المختلفة ليخلص من ذلك الى إعلان رغبة في التنحي، لكن ظروف اللقاء حول عشاء ستجعل الحاضرين يعملون على دفن هذه الرغبة في لحظة إعلانها. يبقى ذلك في باب الإشاعات، على رغم أنه يتسم بشيء من الخطر، ثم أن أحداً لم يتبرع بنفيه. لكن أجواء التساؤل والترقب جعلت ردود الفعل على الدعوة الى العشاء تتفاوت. داخل الأسرة الحاكمة أجاب كل من سئل هل سيلبي الدعوة بپ"نعم سألبيها"، وماذا تتوقع؟ "إنها لقاء عشاء أولاً وأخيراً". وإذ سأل الصحافيون وزير الخارجية الشيخ صباح الأحمد عما سيقول ولي العهد في خطابه، أجاب إن هذا الأمر يُسأل عنه صاحب الدعوة. أما رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون فحسم حيرته بالإستئذان من أمير الكويت للمغادرة في رحلة برية داخل دول مجلس التعاون مع بعض الأصدقاء. وبالنسبة الى أعضاء المجلس فقد عقدت الكتل النيابية اجتماعات لاتخاذ موقف، ولخّص أحد أقطاب الإسلاميين الموقف بالآتي: "نحاول أن نعرف ما المراد من هذا اللقاء، فإذا تولد لدينا اقتناع بأنه سياسي أكثر مما هو اجتماعي فإننا قد نقاطع". ولم تخلُ ردود الفعل من شيء من التنكيت، ففي إحدى الديوانيات سأل أحدهم وهو من غير المدعوين: متى موعد هذا العشاء، وقيل له في الأول من يونيو. واستخلص: إذاً، أبيع أسهمي في البورصة يوم 29 مايو... وانفرد نواب "المنبر الديموقراطي" بطرح "لا دستورية" الحدث السياسي المفترض على هامش هذا العشاء، مستبقين بذلك أي "قرارات" أو مواقف يمكن أن يعلنها ولي العهد. وكان النائب سامي المنيس مرر هذا الموقف خلال مداخلة قصيرة في جلسة الثلثاء الماضي لدى مناقشة عزم الحكومة على زيادة أسعار المحروقات. لكن رئيس المجلس نبهه الى وجوب التزام الكلام في موضوع المحروقات تجنباً لانزلاق النقاش الى محاولة تفكيك "لغز الأول من يونيو". لكن أعضاء "المنبر" الذين تلقوا دعوات الى العشاء وسيلبونها، ينوون إعلان موقفهم خلال هذا العشاء إذا اضطرهم مضمون خطاب الشيخ سعد الى ذلك. وذكرت مصادرهم أنهم كن يترددوا عند الحاجة في الإنسحاب من اللقاء. لعل من اشاع هذه الأجواء هو شعور عام بأن الأزمة الوزارية الأخيرة لم تحسم نهائياً بعد. فالوسط السياسي لم يعرف تحديداً لماذا استقال وزير الخارجية، وهل أن عودته عن الإستقالة تمت على آلية عمل تحول دون تكرارها. ويشير أحد المحللين الكويتيين الى أن الإستقالة أظهرت وجود "أزمة سياسية عامة" أكثر مما أظهرت وجود خلافات ظرفية حول معالجة بعض المسائل رفع أسعار المحروقات، إزالة المخالفة في منطقة جليب الشيوخ، الموقف من زيارة مؤسس حركة حماس.... ويقول هذا المصدر أن الحكومة حسمت نظرياً قضية الإجراءات الإقتصادية لكنها أوحت أخيراً بأنها مترددة في تطبيقها عملياً، وهي تحتاج في ذلك الى "قرار سياسي خال من التجاذبات". وكما تستأثر الأزمة بمناقشات الفئات السياسية والإقتصادية كافة، فإنها تحتل مساحة كبيرة من لقاءات منظمة داخل الأسرة الحاكمة. إذ يحاول شيوخ الأجيال الصاعدة بلورة مواقف وتوصيات هدفها تعزيز هيبة الحكم. ماذا سيقول الشيخ سعد في عشاء الأول من يونيو؟ ستبقى التكهنات سيدة الموقف حتى لحظة إلقاء خطابه، لكنها بعد الغربلة انتهت الى احتمالين: إما أن يتحدث في إطار البرنامج الحكومي الذي أقره مجلس الوزراء في جلسة الأحد الماضي، وفيه شرح وافٍ للتوجهات الحكومية. وإما أن يصنع مفاجأة قد تكون قريبة الى ما ذهبت إليه الإشاعات. في الإنتظار سيبقى لغز الأول من يونيو حديث الساعة وكل ساعة في الكويت.