قال بعض الحكماء: ألزمُ الناس للكآبة أربعة: رجل حديد، ورجل حسود، وخليط للأدباء وهو غير أديب، وحكيم محتقر للأقوام. وأبعد الناس من الدخول في دين الحق والنصيحة لأهله: جاهل ورث الضلالة عن أهله، ورأس أهل ملته حظيّ فيهم بفضل الضلالة، ومعظِّم للدنيا يرى بهجتها دائمة محبوبة، ويرى ما رُجيَ من خيرها قريباً وما صرف من شرها بعيداً، ليس يقعد قلبه على الإيمان، ورجل خالط النسَّاك فانصرف عنهم لحرصه وشرهه، ودامجهم على مكر وخديعة. كان عون بن عبدالله بن عتبة إذا غضب على غلامه، قال: ما أشبهك بمولاك! أنت تعيني وأنا أعصي الله. فإذا اشتد غضبه قال: أنت حرٌّ لوجه الله. قال إبراهيم بن شكلة: إن لكل شيء حياة وموتاً، وإن مما يحيي الكرمَ مواصلة الكرماء، وإن مما يحيي اللؤمَ معاشرةُ اللئام. قال العتبي: سمعت اعرابية توصيل ابناً لها، فقالت: عليك بحفظ السر ، وإياك والنميمة، فإنها لا تترك مودة إلا أفسدتها، ولا ضغينة إلا أوقدتها. سعى رجل بالليث بن سعد إلى والي مصر، فبعث إليه فدعاه، فلما دخل عليه قال له: يا أبا الحارث ان هذا ابلغني عنك كذا وكذا. فقال له الليث: تسله - أصلح الله الأمير - عما أبلغك، أهو شيء ائتمناه عليه فخاننا فيه، فما ينبغي لك أن تقبل من خائن، أو شيء كذب علينا فيه، فما ينبغي لك أن تقبل من كاذب؟ فقال الوالي: صدقت يا أبا الحارث! عن إبراهيم بن أبي عبلة قال: كنت جالساً مع أم الدرداء، فأتاها آت فقال: يا أم الدرداء، ان رجلاً نال منك عند عبدالملك بن مروان، فقالت: إن نُتّهم بما ليس فينا، فطالما زُكينا بما ليس فينا. كان حميد بن سنان الخالدي نديماً لأبي دلف، قال: دخلتُ على أبي دلف يوماً وبين يديه كتاب وهو يضحك، فقال: هذا كتاب عبدالله بن طاهر، وفيه أبيات أحب أن انشدك إياها، وذلك اني استبطأته في بعض ما يأمر لي، فكتبت إليه: أرى ودكم كالورد ليس بدائم ولا خيرَ فيمن لا يدومُ له عهدُ وودي بكم كالآس حسناً وبهجة له نضرة تبقى إذا فنيّ الوردُ فكتب إليّ بهذه الأبيات: شبهت ودي الورد فهو مشاكلي وهل زهر إلا وسيدها الورد وشبهت منك الود بالآس في البقا ولم تخلف التشبيه فيك ولم تَعْدُ فودك كالآس المرير مذاقه وليس له في الريح قبلُ ولا بعدُ قال حماد بن موسى لكاتبه - ورآه كالمعرض عنه -: ما لي اراك كالمعرض عني؟ قال: بلغني عنك شيء كرهته، قال: إذاً لا أبالي! قال: ولماذا؟ قال: لأنه ان كان ذنباً غفرته، وان كان باطلاً لم تقبله. فعاد إلى المؤانسة. قال بعض الحكماء: اثنان ظالمان: رجلٌ أهديت له النصيحة فاتخذها ذنباً، ورجل وسع له في مكان ضيق فجلس متربعاً. كتب رجل إلى أخ له: اعلم ان الحِلم لباسُ العلم، فلا تعْرينَّ منه.