اخيراً وجد مشاهدو التلفزيون الاسرائيلي انفسهم وجهاً لوجه مساء الاحد مع واضعي القنابل الفلسطينيين ليشرحوا بأنفسهم لماذا اختاروا هذا الطريق. ولم تنفع محاولات اثنين من الوزراء ولا التماس الى محكمة العدل العليا في منع بث الحلقة التي خصصت لموضوع "الارهاب الفلسطيني". والحلقة جزء من سلسلة في اطار البرنامج الوثائقي "تكوما" الانبعاث الذي اثار منذ بدء بثه بداية العام الجاري موجة انتقادات عنيفة لطرحه تاريخ اسرائيل خلال السنوات الخمسين الماضية كما هو وليس كما اراد مؤسسو اسرائيل تصويره. واثارت الحلقات السابقة التي عرضتها القناة الاولى في التلفزيون الاسرائيلي حتى الآن وتواصل عرضها مساء كل يوم احد، امتعاض عدد كبير من الاسرائيليين لسردها ليس انتصارات اسرائيل منذ العام 1948 فحسب، وانما المجازر التي ارتكبتها ايضا وتغاضي المؤسسة الرسمية والعدلية عنها ومسؤولية اسرائيل عن ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين التي طالما انكرتها. وعلى عكس ما يدرس في كتب التاريخ في المدارس الاسرائيلية صوّر البرنامج الوثائقي الذي استغرق اعداده عامين، فلسطين على انها بلد كان مأهولاً شرد اهله اما بقوة السلاح او بالتخويف الامر الذي يرفض كثير من الاسرائيليين، حتى من ينتمون الى معسكر اليسار، الاعتراف به حتى الآن. وقالت معدة الحلقة التي تناولت المقاومة الفلسطينية منذ العام 1967 وحتى الآن رونيت فايس - بركوفيتش انها اعدت ثلاث صيغ مختلفة للحلقة التي اختارت لها عنواناً نشيد "بلادي بلادي" ولكن ما جرى بثه في النهاية كان الصيغة الاكثر سطحية بعد تسميتها "الطريق الى الارهاب - بلادي بلادي". واوضحت "ان معاناة الفلسطينيين ظهرت في النهاية في جزء بسيط بينما سيطرت معاناة الاسرائيليين على الجزء الاكبر". ولكن مع ذلك لم يتوان منتقدوها في وصفها بالخيانة وبالتقرب الى العرب. واستخدمت فايس - بركوفيتش ارشيف منظمة التحرير الفلسطينية الذي استولى عليه الجيش الاسرائيلي عند اجتياحه لبنان في العام 1982 لعرض وجهة النظر الفلسطينية لتاريخ الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي، الامر الذي دفع البعض الى اتهامها بالترويج للدعاىة الفلسطينية. وأجرت حوارات مع مسؤولين بينهم "ابو داوود" الذي قاد عملية اختطاف الرياضيين الاسرائيليين في ميونيخ في العام 1972 روى خلاله كيف توفي زملاؤه في احضانه، كذلك ليلى خالد التي سردت قصة تشريد عائلتها من حيفا. الا ان مقص الرقيب استثنى تلك الحوارات من البرنامج. وتقول فايس - بركوفيتش التي تلقت اكثر من 20 تهديداً بالقتل عبر الهاتف على اثر الكشف عن اعداد هذه الحلقة: "اردت ان اعرض خطوة خطوة الخلفية التي جاء منها الارهاب الذي ارفضه ولكني اتفهم جذوره. اردت ان يرى الاسرائيليون لماذا وكيف يبدأ الفلسطيني بالتفكير باللجوء الي الارهاب كحل. فنحن الاسرائيليين نعتبر ان لدينا حق احتكار الدماء والدموع والالم، لكن ذلك ليس صحيحاً. نحن نعرف الجانب الذي يخصنا بشكل جيد جدا ولكنني اردت ان اعرض الجانب الآخر للرواية وبصوت عال". وحاولت وزيرة الاتصالات في حكومة بنيامين نتنياهو ليمور ليفنات منع استمرار عرض الحلقات ال 22 بحجة ان احداً لا يقبل ان "تجلس الصهيونية على كرسي الاتهام لتدافع عن نفسها في برنامج تعرضه قناة التلفزيون العامة". كما بعث وزير البنى التحتية ارييل شارون الذي يظهر في اكثر من حلقة في صورته الحقيقية دون مواربة، برسالة الى وزير التعليم اسحق ليفي يحضه فيها على عدم استخدام البرنامج الذي "يشوه تاريخنا وكل الأسس الاخلاقية لإقامة الدولة ووجودها" في المدارس الاسرائيلية. وتتساقط الكثير من الاساطير والخرافات التي وردت في كتب التاريخ التي تدرس في المدارس من خلال حلقات البرنامج ليس في ما يتعلق بالأسس التي قامت عليها اسرائيل فحسب، وانما أيضاً بالنسبة الى موقع اليهود الشرقيين سفارديم في المجتمع الاسرائيلي او تعامل مؤسسات الدولة مع الاقلية العربية التي بقيت في فلسطين واعتبرت جزءاً من اسرائيل في النواحي التي لا يرى اليهود ضرراً فيها على الامتيازات التي تمنحهم اياها دولتهم. وفي حين جاءت الانتقادات من المؤسسة الرسمية والمعسكر الذي يفضل الاساطير على الحقائق في كتابة التاريخ، الا ان مؤرخين يطلقون على انفسهم "المؤرخون الجدد" او مؤرخو ما بعد الصهيونية لم يروا مبرراً للجدل الذي اثاره البعض ومحاولة منع عرض حلقات البرنامج التي تستمر حتى الشهر المقبل. وقال بنى موريس الذي كان اول من كشف دور اسرائيل في ايجاد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وتشريدهم في كتاب نشره قبل حوالى عشرة اعوام "انه فيلم وثائقي قوي من ناحية المضمون، لكنه موزون إذ ان كل جملة تأتي لموازنة الجملة التي سبقتها". وجاء رد فعل كاتب سيرة حياة مؤسس اسرائيل ديفيد بن غوريون المؤرخ شبتاي تيفيت مفاجئا اذ اعتبر ان عرض مثل هذا الفيلم في اسرائيل "دليل على النضج" موضحاً "انه تاريخنا ولا مجال لإنكاره". وكتب ارييه كاسبي في صحيفة "هآرتس" ان منتقدي بث حلقات برنامج "تكوما" "كانوا يفضلون تاريخا لاسرائيل لا وجود فيه لا للاجئين ولا لحكم عسكري ولا لاحتلال وربما ايضا بلا عرب اطلاقا".