آل الشيخ يعلن بدء بيع تذاكر نزال كانيلو وكروفورد    الأمم المتحدة: الضفة الغربية تشهد أكبر نزوح منذ 1967    خيسوس يصل الرياض لبدء مهمته مع النصر    البيتكوين يتراجع متأثرا بعمليات جني الأرباح    منشي: نظام الاستثمار الجديد من محفزات جذب الاستثمارات    مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق منخفضًا عند مستوى (11095) نقطة    أمير حائل يتسلّم الرئاسة الفخرية لجمعية "ذرية للإنجاب"    مبادرة وطنية تُبصر الأمل: "عيناي" ينقذ آلاف المرضى من مضاعفات السكري    سيرة من ذاكرة جازان.. الدكتور علي محمد عواجي العريشي    التنوع الثقافي يصنع قرارات أقوى ومؤسسات أذكى    الشورى يطالب مركز دعم القرار بتطوير قدراته التحليلية وقياس أثرها    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عون أبو طقيقه    محافظ أبو عريش يرأس اجتماع المجلس المحلي لبحث الاستعدادات لموسم الأمطار    نائب وزير الخارجية يلتقي المفوضة الأوروبية لشؤون البحر الأبيض المتوسط    القبض على 12 وافدا لممارستهم الدعارة بنجران    قرار ريال مدريد يُقرب فينيسيوس جونيور من دوري روشن    وزير الدفاع السوري يُعلن وقفًا تامًا لإطلاق النار في السويداء    مفتي عام المملكة يستقبل رئيس مجلس إدارة جمعية النور لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة الباحة    إحباط تهريب 16.5 كلجم من الحشيش و6,510 أقراص خاضعة لتنظيم التداول الطبي    استقرار معدل التضخم في السعودية عند 2.3% في يونيو 2025    عودة جديدة .. الفتح يبدأ تدريباته بقيادة قوميز استعدادًا لموسم أقوى بدوري روشن    معرض "فنون تحكي قصص" يجسّد التراث السعودي في المدينة المنورة    عقب تتويج تشيلسي باللقب.. مونديال الأندية بلغة الأرقام    الهلال.. ريادة تتجاوز الميدان إلى ضمير الإنسانية    في ختام الأسبوع الأول من منافسات كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025.. فريق VK Gaming يتوج بلقب لعبة Apex Legends    عرض صخرة مريخية للبيع    "اعتدال و تليجرام" يزيلان 30 مليون مادة متطرفة    عراقجي: لن نقايض قدراتنا العسكرية.. طهران تستعد ل«رد مناسب» على آلية الزناد    تصاعد الخلافات حول خطة إسرائيل المستقبلية في غزة.. ساعات «حاسمة» ونتنياهو يلوح باستئناف الحرب    موجة حر قاتلة بإسبانيا    بدء التسجيل لاختبار القدرة المعرفية الورقي    أمانة جدة تباشر 167 حالة إنقاذ على الشواطئ    منصة القبول الموحد.. تحديات الواقع وحلول مقترحة لتحسين التجربة    "سدايا" تعزز الحراك التنموي بتقنيات الذكاء الاصطناعي    السعودية تدعم التعاون الدولي لمواجهة التهديدات السيبرانية    عزت رئيس نيجيريا في وفاة الرئيس السابق محمد بخاري.. القيادة تهنئ رئيس فرنسا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    الإناث يتفوقن كما ونوعا بمعرض تشكيلي    أشرف عبد الباقي يصور«السادة الأفاضل»    مريضة سرطان تفتتح مقهى لتوظيف أصحاب الهمم    يا فرصة ضائعة    4.2 مليار ريال استثمارات صناعية جديدة    استقبل وفداً من هيئة الأمر بالمعروف.. المفتي يثني على جهود«نعمر المساجد»    اليابان وأوروبا تطوران شبكة أقمار صناعية    سماعات الرأس تهدد سمع الشباب    نصائح طبية لتقليل التعرق    فوائد الخبز الصحية يوميا    الربو وفسيولوجيا التنفس عند الحوامل    مدير الأمن العام يزور المديرية العامة للأمن الوطني في الجزائر ويبحث سبل تعزيز التعاون الأمني الثنائي    محمد بن عبدالرحمن يستقبل نائب أمير جازان وسفير عمان    تشغيل 10 مشاريع طاقة متجددة خلال عام    المزاد الدولي نخبة الصقور ينطلق 5 أغسطس في الرياض    رواد التأثير والسيرة الحسنة    لتعريف الزوار ب«الأثرية».. جولات إثرائية لإبراز المواقع التاريخية بمكة    تدشين الخطة الإستراتيجية "المطورة" لرابطة العالم الإسلامي    أمير الشرقية يستقبل سفير جورجيا    أمير منطقة جازان يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    هنا السعودية حيث تصاغ الأحلام وتروى الإنجازات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذاكرة المثقوبة
نشر في الحياة يوم 23 - 12 - 1998

مهما اختلفت الأسباب التي أدّت إلى فوز أحلام مستغانمي بجائزة نجيب محفوظ فهي تظلّ ممكنة، شرط ألاّ تُعتبر الجائزة تكريماً للكتّاب الجزائريين. فرواية "ذاكرة الجسد" التي كانت ذريعة الجائزة لا تنتمي الى الحركة الروائية الجزائرية مقدار انتمائها الى الأدب الرائج أو "الجماهيري" الذي يتخطّى كلّ التصنيفات والانتماءات الوطنية وسواها. ولا يكفي أن تجري أحداث الرواية في الجزائر "المستعادة" وأن يكون أشخاصها جزائريين كي ترسّخ الرواية انتماءها الى الحركة الروائية الطليعية التي شهدتها وتشهدها الجزائر. تُرى إلى أيّ جيل تنتمي أحلام مستغانمي الكاتبة التي بدأت حياتها الأدبيّة شاعرة "مجهولة" ثمّ انتقلت فجأة الى الرواية بعدما هجرت الجزائر لتستقرّ في بيروت وفي بعض المدن السياحية في فرنسا؟ بل كيف يمكن تصنيف كاتبة أضاعت هويتها الأدبيّة بين الشعر العاطفيّ والكتابة الروائية التي لم تستطع أن تتحرّر من وطأة الإنشاء والأطناب اللغويّ ومن ثقل التركيب والافتعال وبعض "الشعارات" الجاهزة التي كانت أنهكت من قبل قصائد كثيرة وقصصاً وروايات؟
قد تُظلم رواية "ذاكرة الجسد" كثيراً لو قورنت ببعض الروايات الجزائرية ولا سيّما روايات كاتب ياسين ومحمد ديب ورشيد بوجدرة وسواهم، بل هي تُظلم أيضاً لو قورنت بأعمال الروائيين الجدد الذين كابدوا المأساة الجزائرية مكابدة حقيقية لا "مجازية"، وكتبوا أدباً حقيقياً وجريئاً مواجهين الموت والخوف والعبث مواجهة سافرة. ولئن عرفت أحلام مستغانمي كيف تفيد من كونها كاتبة جزائريّة وكيف تستغلّ القضيّة لتكتب رواية "جماهيرية" رائجة فهي لم تستطع أن ترث الروائيين الجزائريين الكبار ولا أن تنطلق من تراثهم المهمّ لتبني عالمها الخاصّ. فروايتها التي طُبعت مرّات عدّة قبل أن تفوز بالجائزة لم تفرض هويتها كرواية جزائرية جديدة ولم تتخطّ حدود الأدب الروائي وليس الفن الروائي الذي تجاوزه العصر. لكنّ انتماء الرواية الى الجزائر واستيحاءها جزءاً من الذاكرة الجزائرية كانا حافزين على رواجها. وكانت الرواية حملت على غلافها الأخير شهادة "مزيّفة" تفيد أنّها الرواية الجزائرية النسائية الأولى التي تكتب بالعربيّة.
ربّما أساءت الجائزة التي تحمل اسم نجيب محفوظ الى رواية أحلام مستغانمي إذ سلّطت عليها أضواء هي غير قادرة على احتمالها. فالرواية الفائزة يستحيل تصنيفها بين "منجزات الرواية العالمية" كما ورد في بيان الجائزة ويستحيل أيضاً تمييزها بما سمّاه البيان ب"طرائف الحكي المحلّية الموروثة". فالرواية هي أبعد ما تكون عن الأساليب التراثية أو الموروثة وهي خالية كذلك من فنّ السرد الحكائي. ولا يكفي أن تجري الرواية على لسان أحد الأشخاص خالد لتكتسب صفة السرد الحكائي الموروث. فالراوي هنا يخاطب بطلته حياة فيما هو يروي علاقته بها وبما تمثل. ومخاطبته إيّاها سرعان ما تتحوّل الى تداعٍ ثقيل ومملّ يرهق الرواية ويُضعف بنيتها. والبطل الذي من المفترض أن يكون رسّاماً يحلّ هو محلّ الراوي في حين أنّ البطلة التي يُفترض بها أن تكون كاتبة تنهي حياتها نهاية سلبيّة متخلّية عن الكتابة في سبيل الثراء والمال. كاتبة مزيّفة إذن تنتحل فعل الكتابة وباللغة الأم أي العربية لتختار في الختام زواجاً مزيّفاً لم يتمّ إلا تحقيقاً لأحلامها الرخيصة أو الماديّة. أمّا تصنيف الرواية بين منجزات الرواية العالمية فهو ينمّ إمّا عن جهل لجنة الجائزة بحركة الرواية في العالم وإمّا عن مجاملة هي في غير محلّها. فاللجنة - كما بدا واضحاً - شاءت أن تكرّم القضية الجزائرية التي هي اليوم في صدارة القضايا العربية الشائكة والأليمة، لكنّها أخطأت كثيراً في اختيارها وهو لا يخلو من الإساءة الى الرواية الجزائرية التي تحتل واجهة الأدب "المغاربي" والعربيّ والفرنكوفوني. ولئن توقّفت اللجنة أمام إصرار الكاتبة على الكتابة بالعربية وهي "لغة القلب" كما تعبّر البطلة أو الكاتبة المزيّفة في الرواية فهي فاتها حقاً أنّ اللغة الفرنسية التي اعتمدها بعض الكتّاب الجزائريين لم تكن إلا وسيلة لا للتعبير فقط وإنّما لمقاومة الاستعمار نفسه. واللغة الفرنسية التي عبّر بها كاتب ياسين ورشيد بوجدرة ومولود معماري وسواهم لم تكن لغة القلب فحسب وإنّما كانت أيضاً لغة العقل والروح، لغة الفرد والجماعة.
أما أن تذكر الكاتبة في روايتها الروائي الفرنسي مارسيل بانيول والروائية الإنكليزية أغاتا كريستي وأن تورد أسماء مونترلان وبول ايلوار وسواهما فهو دليل ساطع على انقطاعها عن الرواية العالمية التي صنّفتها اللجنة في إطارها. فمارسيل بانيول روائي مدرسيّ بامتياز وأغاتا كريستي روائية شعبيّة ولا مكانة لها في الحركة الروائية العالمية. وجهل أحلام مستغانمي لهذه الحركة تجلّى أكثر ما تجلّى في الطابع الإنشائي الذي يطغى على روايتها، وقد أعاق فعلاً تنامي الشخصيات وبناء علاقاتها وملامحها وأثقل السرد الذي تولاّه الرسام وأوقعه في الثرثرة واللغو والأطناب. أما الأحداث التي تشهدها الرواية فهي مصطنعة ومركّبة في معظمها ولا سيّما ما دار منها في باريس. ولعلّ المواقف التي أعلنتها بعض الشخصيات لم تخلُ من السطحية والخطابية المعلنة والمضمرة كموقف البطلة حياة مثلاً من الاتهام الذي يُوجّه الى أيّ كاتبة عربية تكتب قصّة حب أو موقف الشاعر زياد من النساء اللواتي يمارسن الأدب تعويضاً عن ممارسات أخرى.
مَن يقرأ "ذاكرة الجسد" يخيّل اليه أنّه يقرأ رواية كتبت في الأربعينات أي قبل صعود الرواية العربيّة الحديثة وثورتها على الأدب الروائي التقليدي الذي ساد فترة وقبل بروز كاتبة كغادة السمّان مثلاً وهي استطاعت أن تحرّر أدب المرأة من أزمته التاريخية مرتقية به الى مصاف الأدب الحقيقيّ. أمّا أن تجري أحداث رواية "ذاكرة الجسد" في الجزائر وفي عصرنا الراهن فهذا ما لم يكفِ لجعل الرواية حديثة ومعاصرة.
لعلّ أجمل وصف أطلق على الرواية الفائزة هو ما وصفته بها إحدى الصحف في أنّها تنتمي الى أدب المسلسلات "المكسيكية" الرائجة جماهيريّاً..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.