منذ ابتعاد دلوعة الشاشة العربية شادية عن الساحة الفنية في فترة الثمانينيات ومنذ إنقطاع أخبارها عن جمهورها بسبب العزلة الاختيارية التي فرضتها على نفسها والتي اعتبرها البعض إعتزالاً، منذ ذلك الحين والناس تتساءل أين ذهبت النجمة المحبوبة وماذا تفعل في حياتها الخاصة حالياً ومنذ الاعتزال؟ ومازال جمهورها يتعلق بصوتها الاصيل الذي ساهم على مدى عقود عديدة في تكوين وجدان الجماهير المصرية والعربية على السواء. "الحياة" قفزت خلف أسوار هذه العزلة لتقدم لقارئها التفاصيل الهادئة لحياة الفنانة الغائبة الحاضرة. شادية هي الابنة الصغرى لرجل تركي كان يعمل ناظر زراعة بالخاصة الملكية في انشاص، ووالدتها سيدة تركية حضرت الى مصر بعد موت زوجها الأول... وكان ضابطاً بالجيش التركي وترك لها طفلتين هما عفاف وسعاد الشقيقتان الكبريان لفاطمة شادية، ثم بعد حضور الأم الى مصر تزوجت من والد شادية وأنجبت منه محمد وطاهر وفاطمة ولم يقع أي طلاق بين والدي شادية طوال حياتهما معا. فنانة في المطبخ شادية الآن تعيش وحيدة في عمارة سكنية ضخمة في شارع مراد أمام حديقة الحيوان في الجيزة في شقة واسعة جداً تطل على النيل مكونة من 8 حجرات موزعة بين حجرات للنوم وحجرتي صالون وحجرة سفرة وحجرة للخادمة تقع بجوار باب الشقة، هذا غير مطبخ كبير جدا تقضي فيه شادية معظم وقتها، حيث إنها مغرمة جداً بفن الطهو، فهي تجيد عمل الاكلات المصرية الشهيرة والاكلات التركية ايضاً كالمصقعة التركي الشهيرة وإمام بيالصن وهو الضلمة التركية. وفي المطبخ تتوزع على الأرفف برطمانات المخلل والمربى من كل الأصناف والأنواع وكلها من صنع يدي شادية التي تتقن صناعة المخللات والمربات لدرجة لا تصدق. ورغم إجادة شادية للطهو وبراعتها فيه إلا أنها نادراً ما تدعو أحداً لتناول الطعام معها حتى عائلتها التي تتجمع عندها يوم الأحد من كل اسبوع غالباً، فهذا الاجتماع لا يتضمن دعوة طعام بل يكون دعوة لتناول المشروبات الساخنة والباردة وبعض الحلوى كالجاتوه والكيك والفواكة النادرة مثل الكريز والكيوي والافوكادو، فشادية تحب الاحتفاظ بهذه الاشياء في ثلاجتها الخاصة التي تضعها في حجرتها الكبيرة جدا. ولكن في يوم 8 شباط فبراير من كل عام تدعو عدداً من أفراد اسرتها كشقيقتها السيدة سعاد شاكر واولادها وزوجاتهم مع اولاد شقيقيها وبعض اطفال العائلة على عشاء فاخر من صنع يديها، والسبب أن هذا اليوم هو عيد ميلادها وتبدو شادية في هذه المناسبة متألقة للغاية ترتدي ثيابا جديدة جميلة وتخلع الحجاب فكل الحضور من اولاد اشقائها ولا يوجد غريب بينهم. وتتفنن شادية في هذا اليوم في صنع طعام عشاء شهي وفاخر وتفرح جداً عندما تسمع كلمات الإطراء على براعتها في الطهو وتنسيق المائدة وتشارك الجميع بالضحك والكلام وتكون في حالة معنوية مرتفعة جداً. وقد تضع شادية بعض مساحيق التجميل على وجهها الجميل في هذه المناسبة بالذات. وشادية انسانة حساسة جداً تحب الهدوء بطبعها ولكنها تتخلى عن حبها للهدوء فقط في وجود أطفال العائلة حيث تلعب معهم وتوزع عليهم الحلوى والهدايا الفاخرة كالملابس أو اللعب خصوصا قبل الاعياد. وتحب ان تغني لهم بعض أغاني الاطفال باللغة التركية التي تجيدها وتستخدمها غالباً في منزلها خصوصا مع شقيقتيها وأولادهن الذين يتكلمون التركية بطلاقة. وتعتبر شادية امرأة ثرية فكان والدها يهتم جدا بأموالها ويشتري لها العقارات والمجوهرات حتى لا تبدد ما تكسبه، وبعد وفاته أكمل اخوها طاهر ما بدأه والده فعمل معها كمدير لأعمالها وكان يشتري لها الشقق والاراضي، لذلك تعتبر شادية نفسها محظوظة جداً خصوصا ان قصة دخولها الفن تؤكد هذا. فكانت تذهب الى مواقع التصوير مع شقيقتها الكبرى عفاف شاكر التي دخلت مجال التمثيل والغناء قبل شادية بسنوات طويلة، واشتركت في عدد من الافلام منها "أحمر شفايف" و"القط الاسود" وكانت ترافقها شادية في البداية ثم اكتشف المخرجون ان هذه الاخيرة تتمتع بصوت جميل وحضور وانها بارعة في التمثيل اكثر من اختها الكبيرة. وبعد ان دخلت شادية مجال الفن اختفت اختها عفاف وابتعدت عن الأضواء ثم تزوجت من طبيب وسافرت معه الى اميركا حيث تعيش هناك منذ سنوات عديدة. وتحكى شادية هذه القصة للتدليل على مدى حظها ودائماً ما تختم الحكاية بقولها عمري ما كنت فنانة. كنت أؤدي عملي وما يطلب مني فقط وبحياد دون حب او كره لما افعله. التمثيل كان عملي الذي اكسب منه واعيش!!وتفضل شادية دائماً آن تقضي معظم أوقاتها في حجرتها الخاصة وهي أوسع حجرة في الشقة كلها وفيها ركن صغير تسميه شادية الخلوة وهو ركن مفروش بسجادة صلاة فاخرة وفيه مصحف كبير وعدد من كتب التفسير وبعض الكتب الدينية التي تحرص على شرائها والقراءة فيها. وفي هذا الركن تؤدي شادية فروض الصلاة وتقرأ القرآن بصوتها الجميل وتستمتع بوحدتها في هذا المكان الذي تعتبره خاصاً بها وحدها. وتمنع أي كائن من دخول الخلوة إلا شقيقتها سعاد إذا تصادف وجودها في اوقات الصلاة فتدخلان الخلوة معاً لتأدية الصلاة ثم تجلسان تسبّحان وتقرأن في الكتب الدينية الكثيرة الموجودة. وفي الحجرة نفسها الواسعة تستقر في الحائط "خزانة" كبيرة تحتوي على مئات الفساتين التي ارتدتها شادية في أفلامها فهذا فستانها الابيض الشهير الذي رقصت به في فيلم "الهاربة" عندما غنت اغنية "شباكنا ستايره حرير" وهذا طقم النوم الدانتيل الاسود الذي ظهرت به في فيلم "الزوجة رقم 13" واحيانا تهدي شادية بعض هذه الملابس التي تعتز بها الى بعض قريباتها المقربات من الشابات صغيرات السن أو المقدمات على الزواج. وتهتم شادية جدا بأناقتها حتى الآن وتشتري ملابسها غالبا من اسطنبول أو من السعودية التي تزورها مرة على الأقل كل عام لأداء فريضة الحج أو لأداء العمرة وقد ترسل في طلب بعض الملابس من اختها عفاف المقيمة في اميركا مثلما حدث مع الفستان الذي أدت به اغنية خذ بإيدي والتي اعتزلت الاضواء بعدها مباشرة. وشادية كأغلب السيدات التركيات تهتم جدا بنظافة منزلها وتساعدها سيدة كبيرة في السن واخرى شابة تقيمان معها إقامة كاملة. وفي هذه الحجرة نفسها يستقر تلفزيون كبير جدا تشاهد فيه شادية المسلسلات والبرامج الدينية فقط، حيث انها لا تهتم كثيرا بأفلامها القديمة ولا اغنياتها المسجلة ولا تحتفظ بأي تسجيلات فيديو لأعمالها. ولا تستقبل شادية أحداً من الضيوف أو الزوار دون موعد مسبق حتى لو كانت شقيقتها نفسها، لذلك قامت بتركيب كاميرا موصلة بدائرة تلفزيونية حتى تعرف من خارج الباب ولا تفتح الباب مطلقا إلا للزوار المتوقعين. وهي قليلة الخروج جدا ولا تخرج الا للضروريات كواجب عزاء أو زيارة مريض، أما في رمضان فإنها تجمع عائلتها واسرتها يوميا بعد الافطار لكي يذهبوا جميعاً الى مسجدها في الهرم لاداء صلاة التراويح وقراءة القرآن. وهذا المسجد أقامته شادية منذ حوالي تسع سنوات ولا يضايق شادية سوى الشائعات التي تنطلق حولها سنويا ما يجعلها تصاب بالاكتئاب. وتستيقظ شادية مبكرا يوميا لتصلي الفجر ثم تجلس لقراءة القرآن ثم تنام مرة اخرى، كما تحب السؤال عن صديقاتها وقريباتها بالهاتف في فترة بعد الظهر. هذه هي الحياة الخاصة للفنانة الكبيرة قد يجدها البعض مملة ويرى آخرون انها لا تليق بنجمة كبيرة عاشت حياة زاخرة بالأحداث والاصدقاء والناس ولكنها الحياة التي اختارتها الفنانة الكبيرة بمحض ارادتها وتحياها بسعادة وتنعم بقرب عائلتها التي حرمت منها طويلا بسبب انشغالها الدائم بالعمل.