"مدفوع بعزم لا يلين على مواصلة القتال وإقامة دولة إسلامية تطبق الشريعة بحذافيرها"، هكذا يصف المقاتلون زعيم تنظيم "القاعدة" أبو بكر البغدادي الذي أصبح نجم "القاعدة" الصاعد. وعلى رغم أنه يسيطر الآن على أجزاء كبيرة من شرق سورية وغرب العراق وهي منطقة واسعة تمثل ملاذا للمقاتلين عبر الحدود في الشرق الأوسط، إلا أن أحداً لا يعرف عن أبو بكر البغدادي الكثير على رغم ما يملكه من نفوذ. فهو يتجنب الأضواء حفاظا على سلامته، لكن المقاتلين يعتبرونه مخططا استراتيجيا نجح في استغلال الاضطرابات في سورية وضعف السلطة المركزية في العراق بعد انسحاب القوات الاميركية ليقتطع أرضا جعل منها "قاعدة" له. وأثبتت الأحداث الأخيرة شدة أبو بكر البغدادي في القضاء على خصومه فهو لم يبد أي تردد في الانقلاب على حلفاء سابقين لتعزيز طموحه من أجل اقامة الدولة الإسلامية، فخاض معارك مع أعدائه وهزمهم، حتى مع الذين ينتمون لجماعات متشددة منافسة ويشاطرون تنظيم الدولة الاسلامية نهجه العقائدي، أما من يسقط أسيرا من مقاتلي المعارضة أو غير المقاتلين فعادة ما يقتل رميا بالرصاص أو بقطع الرأس. التوسع السوري وفقا للإعلان الأميركي الذي يرصد مكافأة لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على أبو بكر البغدادي يبدو الأخير رجلا بني العينين بوجه مستدير ولحية مشذبة وشعر قصير. وولد البغدادي في مدينة سامراء العراقية عام 1971، وتقول المواقع الجهادية إنه حصل على شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من جامعة بغداد. وبعد أعوام من القتال مع الجماعات التي تستلهم نهج تنظيم القاعدة أصبح زعيما لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق عام 2010 . وبعد ذلك بعام أرسل البغدادي أحد مساعديه إلى سورية حتى يكون للقاعدة موطئ قدم هناك، وشكل مساعده أبو محمد الجولاني "جبهة النصرة" التي تستلهم نهج "القاعدة" والتي أعلنت عن نفسها سريعا بسلسلة من تفجيرات السيارات الملغومة، وأصبحت تعرف أيضا بالأكثر تأثيرا بين مختلف القوى التي تقاتل نظام الرئيس السوري بشار الأسد. لكن مع تزايد نفوذ الجولاني في سورية ورفضه فتوى بدمج قواته تحت قيادة البغدادي، شن البغدادي حربا على جبهة النصرة ما أدى إلى انفصاله عن تنظيم القاعدة بقيادة أيمن الظواهري. وبالنسبة لكثيرين من أنصار البغدادي فان هذا الانقسام لم يكن مفاجئا، فقال المقاتل غير السوري من تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام "داعش" إن البغدادي هو الشخص الوحيد الذي لم يبايع الظواهري بعد مقتل أسامة بن لادن، مضيفاً: "كلفه الشيخ أسامة بتأسيس الدولة، كانت هذه خطته قبل أن يقتل (بن لادن)." تنامي القوة تجاهل البغدادي نداءات الظواهري لترك سورية ل"جبهة النصرة" ووسع عملياته في شمال وشرق سورية عامي 2012 و2013 وفي بعض الأحيان اشتبكت جماعته مع قوات الأسد، لكنها في معظم الأوقات كانت تركز على طرد جماعات المعارضة الأخرى. ونتيجة لتعامل تنظيم الدولة الإسلامية القاسي مع المواطنين السوريين، أصبح له الكثير من الأعداء وبحلول نهاية العام الماضي شكلت جبهة النصرة تحالفا مع كتائب إسلامية أخرى للرد على الدولة الإسلامية ونجح هذا التحالف في إجبارها على التقهقر الى معقلها على نهر الفرات في المنطقة المنتجة للنفط شرق سورية. لكن تنظيم الدولة الإسلامية ازداد قوة ولم يضعف، إذ يسيطر مقاتلو البغدادي على مدينة الرقة وهي العاصمة الإقليمية السورية الوحيدة التي لا يسيطر الاسد على أي أجزاء منها، وتطبق فيها الشريعة الإسلامية. ويقول مقاتلون معارضون إن مبيعات النفط في السوق السوداء تدر عائدات بملايين الدولارات، وفي ظل وجود المقاتلين العراقيين والعتاد العسكري الذي تم الاستيلاء عليه بعد سيطرته على مدينة الموصل العراقية، فإن البغدادي يملك الآن مجموعة كبيرة من الموارد. منافس للظواهري وتتناقض قوة البغدادي الحقيقية الواضحة للعيان تناقضا صارخا مع الظواهري المختبئ منذ أكثر من عقد والذي يحاول أن يؤثر على الحركة الجهادية الدولية التي تنشط في معظمها بعيدا عن مخبئه، فحتى خصوم البغدادي يقولون إن نجمه في صعود وإن نفوذه يتجاوز سورية والعراق. وقال أحد مقاتلي جبهة النصرة في مدينة حلب السورية "انه يتمتع بشعبية بالغة بين الجهاديين، إذ يرون فيه شخصا يخوض حرب الإسلام" مضيفا بمرارة أن أنصاره "لا يرون مدى الضرر الذي يسببه"، مضيفا أن البغدادي " تلقى كذلك رسائل مبايعة من أفغانستان وباكستان، الشيخ الظواهري يحاول لكن أعتقد أن الآوان فات". ويمثل البغدادي لأتباعه جيلا جديدا من المقاتلين الذين يعملون على تنفيذ المرحلة المقبلة من حلم بن لادن وهو الانتقال من القاعدة إلى إقامة الدولة المتشددة. وقال مقاتل سوري من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "الشيخ البغدادي والشيخ أسامة يشبهان بعضهما، كلاهما يتطلع للأمام. كلاهما يريد دولة إسلامية". ويذهب آخرون إلى أبعد من ذلك إذ يقولون أن تشكيل البغدادي لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام يجعل دور الظواهري في عملية القاعدة غير ذي قيمة. وقال مقاتل أجنبي من الجماعة "تنظيم القاعدة لم يعد موجودا. تم تشكيله ككقاعدة للدولة الإسلامية والآن أصبح لدينا ذلك. ينبغي على الظواهري أن يبايع الشيخ البغدادي." وذكر جهادي آخر قال انه مقرب من البغدادي إن الظواهري يتابع بلا حيلة ليرى إن كان البغدادي سيقترف خطأ. وقال "إنه ينتظر ليرى إن كان البغدادي سينتصر أم سيسقط لكن في جميع الأحوال هو لم يعد قائدا". ومن بين الاستراتيجيات التي ينتهجها البغدادي فتح الباب للمقاتلين الأجانب ولا سيما الأوروبيين والأميركيين حيث يوفر لهم التدريب والشعور بأن لهم هدفا. وبينما يكون هؤلاء مفيدين في ساحة القتال السورية فانهم قد يعودون لبلادهم في يوم من الأيام، وقد اكتسبوا خبرة القتال ليجندوا آخرين لتنفيذ هجمات لحساب البغدادي خارج الشرق الأوسط. ويتدرب هؤلاء بحيث لا يعرفون الخوف ولا الرحمة. ويقول نشطاء في عدد من المناطق داخل سورية إن رجال البغدادي يتجولون وهم يرتدون أحزمة ناسفة. وفي علامة على وحشيتهم أظهر مقطع فيديو نشر على الانترنت مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق والشام بعضهم لا يتحدثون العربية فيما يبدو وهم يعدمون عددا من الرجال. وكان رجلان يتلوان الشهادة أثناء إعدامهما. ويقول بعض رجال الدين ان قتل أي شخص أثناء تلاوته الشهادة من المحرمات لكن رجال البغدادي يتعاملون بقاعدة بسيطة وهي أن من يقف في طريقهم يجب أن يباد بغض النظر عن دينه أو طائفته. وعندما سئل عن مدى جدية البغدادي، أجاب أحد أنصاره "عندما يكون لديك جيشه وعزيمته وإيمانه فينبغي على العالم أن يخشاك." وأضاف: "إذا لم يخشى العالم البغدادي فهم حمقى. ولا يدرون ماذا سيحل بهم في المستقبل".