"هيديو كوجيما" يكشف الأسرار والرؤى الحصرية لتطوير لعبة Death Stranding 2 خلال مؤتمر الرياضة العالمية الجديدة 2025    السعودية توزّع 847 قسيمة غذائية في عدة محافظات بالأردن    فيصل بن فرحان ووزير خارجية ألمانيا يبحثان التطورات الأخيرة في قطاع غزة    صقارون دوليون يثمنون تسهيلات نادي الصقور في نقل واستضافة الصقور    تير شتيغن: الأشهر القليلة الماضية كانت صعبة للغاية علي جسدياً ونفسياً    كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025 .. ختام ربع نهائي بطولة Rainbow Six Siege X    اتحاد البلياردو والسنوكر يدشّن شعاره الرسمي الجديد استعدادًا لانطلاق بطولة الماسترز العالمية    البرازيل «تستنكر» ضغوط أميركا على القاضي المكلف بقضية بولسونارو    النصر يتحرك لضم جناح منتخب فرنسا    الرئيس اللبناني يؤكد ضرورة إعادة ربط لبنان بدور إقليمي فاعل    حرس الحدود يقبض على (13) يمنيا في جازان لتهريبهم (320) كجم "قات"    مواهب الذكاء الصناعي تضع المملكة ضمن أفضل 20 دولة    رونالدو: الدوري السعودي تنافسي للغاية    البرلمان العربي يستنكر قرار كنيست كيان الاحتلال بإعادة احتلال غزة ويدعو لتحرك دولي عاجل    رونالدو يُعدد ميزات جواو فيليكس    "القرني" يختتم دورة تدريب المدربين    أمير جازان يرعى ملتقى أبحاث السرطان 2025 بجامعة جازان    الشيخ أسامة خياط: يدعو لغرس قيم البر والتقوى في الأسرة والمجتمع    الشيخ عبدالباري الثبيتي: سورة قريش تُجسّد أعظم النعم .. الطعام والأمان    المصالح الوطنية السعودية    "ورث" يختتم برنامجًا لتأهيل كوادر وطنية في توثيق التراث    النفط يتكبد خسارة أسبوعية حادة    سفير جمهورية مالطا لدي المملكة يزور قرية جازان التراثية    الربيعة: تطبيق "نسك" متاح مجانًا دون استهلاك بيانات الإنترنت    أنواع فيتامين D وجرعاته الصحيحة    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على انخفاض    %83 من القراء هجروا المجلات    ضبط مواطن لارتكابه مخالفة رعي في "محمية الإمام تركي الملكية"    بمشاركة نخبة الرياضيين وحضور أمير عسير ومساعد وزير الرياضة:"حكايا الشباب"يختتم فعالياته في أبها    «المساحة الجيولوجية»: رصد زلزال في الإمارات بقوة 3.4 درجات    (عشان نصور،،،،،،!)    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأعيان الدرب    سبعة آلاف خطوة تعزز الصحة    بهدف تطوير الخدمات الرقمية وتعزيز جودة الحياة.. أمانة منطقة عسير توقّع مذكرة تفاهم مع "بلدي" بحضور وزير البلديات والإسكان    جمعية التوفيق للأيتام تنظم حفل تعارف للأيتام    نائب وزير الحرس الوطني يطلع على برامج الإرشاد والتوجيه لتعزيز الوعي الديني والفكري    رئيس وزراء موريتانيا يغادر المدينة المنورة    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي محافظة الدرب    أمير جازان يستقبل سفير جمهورية مالطا لدى المملكة    العطش يلتحق بالجوع في غزة وتحذيرات من توسيع إسرائيل عملياتها    موسكو تدرس تقديم تنازلات لترمب بشأن أوكرانيا    قوى و مساند تحققان نتائج متقدمة في مؤشر نضج التجربة الرقمية لعام 2025    ديوان المظالم يفتح باب التقديم على التدريب التعاوني لطلبة الجامعات والمعاهد السعودية    المجلس الاستشاري لمركز صحي المرابي يناقش احتياجات الأهالي مع تجمع جازان الصحي لتعزيز الخدمات الطبية    2 مليون دولار لتأمين «ابتسامة» نجمة هوليود    طهران تعدم متهماً بالتجسس لصالح إسرائيل    استهداف (أبو سلة) بطائرات مسيّرة.. اشتباكات بين الجيش اللبناني ومطلوبين في بعلبك    احتفال الفرا وعمران    البدير في ماليزيا لتعزيز رسالة التسامح والاعتدال    الأرصاد: أمطار متفرقة حتى منتصف أغسطس    أم ومعلمة تقتحمان مدرسة لسرقة «امتحانات»    فتح باب التقديم لدعم المشاريع السينمائية    إنجاز طبي في الأحساء.. زراعة منظم ضربات قلب لاسلكي لمريض    فريق سفراء الإعلام والتطوع" يزور مركز هيئة التراث بجازان    الأمير فهد بن سلطان يطلع على نتائج القبول بجامعة تبوك.    مركزي جازان ينجح في إزالة ثلاث عقد في الغدة الدرقية الحميدة بالتردد الحراري دون تدخل جراحي    محافظ تيماء يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة تبوك    نائب أمير الرياض يؤدي الصلاة على والدة جواهر بنت مساعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفكك «حلف الممانعة» المؤيد لسورية في مجلس الأمن
نشر في الحياة يوم 05 - 08 - 2011

أخيراً، اتحد أعضاء مجلس الأمن الدولي في إدانة الخرق الواسع لحقوق الإنسان واستخدام القوة ضد المدنيين من قِبَل السلطات السورية، وأصدروا موقفاًَ وضع النظام في دمشق تحت المراقبة والمحاسبة. تفكَّكَ حلف «الممانعة»، الذي عارض قطعاً طرح الأزمة السورية في مجلس الأمن، والتحق أعضاؤه «بالإجماع» على ضرورة قطع الصمت القاتل، فيما مئات المدنيين السوريين يسقطون ضحايا البطش الحكومي. أعضاء هذا الحلف الذي يسمى بحسب أحرفه الأولى «بركس» Brics، يضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. هذه الدول قاومت بشدة تناول مجلس الأمن للمسألة السورية، متذرِّعة ب «العقدة» الليبية، نتيجة ما تعتبره «تمادياً» للدول الغربية وحلف شمال الأطلسي (ناتو) في تفسير قراري مجلس الأمن، عملياً، وترجمتهما بقصف وبعمليات عسكرية لم تكن في بال «بركس» عندما وافقوا على القرارين 1970 و1973.
تغلّبت هذه الدول على عقدتها، وتمكّن مجلس الأمن من اتخاذ موقف واضح نحو دمشق. أما جامعة الدول العربية ومعظم الدول العربية، فإنها تبدو كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال، وهي تمتنع عن اتخاذ موقف نحو سورية كالذي اتخذته نحو ليبيا. وسواء كان ذلك ازدواجيةً أو بحجة البُعد الاستراتيجي المختلف بين البلدين، فإن في فحوى الموقف العربي الرسمي خذلاناً للشعب السوري، وموقف جامعة الدول العربية –كما فضحه الأمين العام الجديد نبيل العربي– يقزّمها الى مؤسسة الأنظمة والحكومات وليس جامعة الشعب العربي لحماية حقوقه وتطلعاته الى الديموقراطية والحرية. الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أثبت جرأة أكبر في دفاعه عن الشعوب العربية ورفضه الصمت على قمعها والبطش بها على أيدي الأنظمة الحاكمة، فرَفَعَ راية حقوق الإنسان أولاً وأعلن ولاءه القاطع لمبدأ إنهاء الإفلات من العقاب، واستمر في اتصالاته مع القيادات، ولم يتوقف عن المحاولة حتى عندما رفض الرئيس السوري بشار الأسد تلقّي مخابرته الهاتفية احتجاجاً على انتقاداته له. وهذا الأسبوع، عندما صعّدت السلطات العسكرية عمليات القتل وسقط في يوم واحد 140 قتيلاً في حماة، لم يتردد بان كي مون في القول ان بشار الأسد «فقد حس إنسانيته». قال هذا فيما الصمت القاتل لوّث أكثر فأكثر سمعة جامعة الدول العربية وكذلك سمعة منظمة المؤتمر الإسلامي، التي ارتفع صوتها عالياً في المسألة الليبية وانخفض كثيراً عندما تعلق الأمر بالمسألة السورية.
ما حدث هذا الأسبوع على صعيد مجلس الأمن كان ملفتاً أيضاً من ناحية موقف لبنان، وهو العضو العربي الوحيد في المجلس، فهو أيضاً أمسك بزمام المبادرة في ملف ليبيا وحمل سفيره نواف سلام «ورقة» موقف جامعة الدول العربية ليحشد الدعم للمواقف التي صدرت عن المجلس وسجّلت أكثر من سابقة، من بينها تكليف المحكمة الجنائية الدولية التحقيق في جرائم ضد الإنسانية وإصدارها لاحقاً مذكرات اعتقال في حق القائد الليبي معمر القذافي وابنه، ولكن عندما تعلَّق الأمر بالتجاوزات السورية المماثلة، تراجع الدور اللبناني في مجلس الأمن من الإمساك بزمام المبادرة الى التملص والصمت والهروب من المسؤولية. وتفهّم أعضاء مجلس الأمن ذلك، نظراً «لخصوصية» العلاقة اللبنانية –السورية، بمعنى خضوع الحكومة اللبنانية لما تلميه عليها الحكومة السورية.
الجديد الذي طرأ في موقف لبنان تمثل في أنه «نأى» بنفسه Disassociate عن البيان الرئاسي الذي أصدره مجلس الأمن وطالب فيه السلطات السورية «بالاحترام الكامل لحقوق الإنسان والتصرف بموجب واجباتها وفق القانون الدولي»، مؤكداً على أن «أولئك المسؤولين عن العنف يجب أن يخضعوا للمحاسبة».
نادراً ما يصدر بيان عن مجلس الأمن لا يلقى موافقة جميع أعضائه ال 15 عليه، إنما هناك ربما سابقة أو سابقتان نادرتان حدثتا في السبعينات. دول ال «بركس»، وبالذات روسيا، حاولت الاختباء وراء لبنان وعجزه عن الالتحاق بالإجماع على بيان رئاسي، إنما تدهور الأوضاع على الساحة السورية أجبرها على الالتزام بصدور موقف ما عن مجلس الأمن فضّلت ان يكون بياناً رئاسياً وليس قراراً رسمياً.
الحكومة اللبنانية فضّلت عدم الالتحاق بالإجماع، كي لا تغضب دمشق وخوفاً من انهيار الحكومة اللبنانية، لكنها لم ترغب في أن تتحمل مسؤولية إفشال إصدار البيان الرئاسي أو اختباء أحد خلفها، ولذلك تلقت فكرة ان «ينأى لبنان بنفسه» عن البيان الرئاسي، كما قالت نائبة السفير كارولين زيادة في مجلس الأمن، حيث ان لبنان يعتبر ان البيان «لا يساعد على معالجة الوضع الحالي في سورية».
هكذا أخرجت الحكومة اللبنانية نفسها من الورطة ومن المسؤولية معاً، لم تقف في طريق وحدة مجلس الأمن وإجماعه على بيان قاسٍ وقوي لغته حازمة مع دمشق، وكما قال أحدهم، «رفع لبنان إبطه» ليمرر الإجماع بدلاً من الانحناء أمام الضغوط لرفض أي إدانة لدمشق أو إفشال البيان الرئاسي، مما كان سيؤدي، على الأرجح، الى إصدار قرار. إنما في نهاية المطاف، وسواء كان بياناً رئاسياً أو قراراً مرقماً، لقد صدر موقف بالإجماع دان قمع السلطات السورية للمدنيين ولم تتمكن الحكومة اللبنانية من الالتحاق به، نظراً «لخصوصية» لا تقترن باستقلالية حقيقية بل تقرنها بتبعية. وهذا بالطبع موضع انتقاد لها وإحراج للبنان.
ففي نهاية المطاف تصرفت كل دولة من أعضاء مجلس الأمن بموجب مسؤولياتها بعدما أكثر بعضها التردد والممانعة وتعطيل المحاسبة، فيما استمرت السلطات السورية في إراقة الدماء، فبدت مواقف دول «بركس» كأنها مصدر تشجيع لدمشق للتمادي في التجاوزات، إحساساً من النظام بأنه فوق المحاسبة وتحت حماية حلف الممانعة في مجلس الأمن. وهكذا، أساءت هذه الدول الى الشعب السوري، كما ساهمت في تضليل النظام السوري للتوهم بأنه لن يُحاسَب.
لكن شبح المحاسبة والمحاكمة سيبقى يُلازم الأنظمة العربية، التي خرجت شعوبها الى الشارع مطالبة اياها بالرحيل والتنحي، مع اختلاف نسبة الخوف من المحاسبة الدولية مقارنة بالمحاكمة المحلية، فمشهد الرئيس المصري السابق حسني مبارك مستلقياً على سرير المرض في قفص الاتهام ليخضع للمحاكمة لا شك مشهد مرعب لأي رئيس يراقب انتفاضة شعبه ضده. ولربما، كما يقول البعض، تزيد محاكمة حسني مبارك ونجليه علاء وجمال معه في القفص بالثوب الأبيض الإلزامي للمتهمين، من تمسك رجال الحكم في الدول العربية الأخرى بالسلطة ورفضهم التنحي، خوفاً من المحاكمة الشعبية أو المحاكمة الوطنية لهم.
ولربما أيضاً قد يساهم هذا المشهد المرعب في تفكير رجال الحكم في ليبيا واليمن وسورية بصورة أكثر إيجابية بفكرة التنحي مع المغادرة، وقد يؤدي الى نسف مقولة «لن أغادر»، لأن البقاء في البلاد يغامر باحتمال قتلهم أو محاكمتهم وطنياً، فيما المغادرة بكفالات قد تضمن لهم قدراً أقل من المحاسبة.
وجود الرئيس اليمني علي عبدالله صالح في المملكة العربية السعودية يحميه، عملياً، من مواجهة احتمال المحاكمة أو المحاسبة داخل اليمن، فلقد عرضت عليه المبادرة الخليجية فكرة التنحي مع كفالة عدم محاسبته أو محاكمته، وبعدما أطال المماطلة بالمبادرة، أدت الأحداث على الساحة الى إصابته ثم توجهه الى السعودية للمعالجة، فبات عملياً خارج المحاسبة طالما هو عملياً في صدد التنحي عن السلطة.
العقيد معمر القذافي رفض الاستماع الى النصائح وعروض التنحي والمغادرة قبل إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة باعتقاله ونجله سيف الإسلام القذافي بتهمة ارتكاب جرائم حرب. قلّص بذلك إمكانيات تأمين مغادرة آمنة له، وحتى عندما عرضت عليه دول ليست طرفاً في المحكمة الجنائية الدولية فكرة التنحي واستعدادها لاستقباله بعيداً من الملاحقة، خُيّل إليه انه حتى ولو أصبح كما هو الآن مطارداً من قِبَل العدالة الدولية، فإنه فوق المحاسبة. خيّل إليه انه سيطبق نموذج الرئيس السوداني عمر البشير، الذي تمكن من البقاء في السلطة، بل واستقبل مسؤولين غربيين ودوليين بالرغم من مذكرة اعتقاله التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية. لقد غامر بذلك بإمكانية محاكمته وطنياً الى جانب محاسبته دولياً. ربما يدفع مشهد حسني مبارك في قفص الاتهام معمر القذافي الى إعادة النظر ليتنحى ويغادر الى زاوية في أفريقيا، وربما العكس.
أما بشار الأسد، فإنه لا يبدو في وارد الإقرار بأن تصدّع نظامه بات حتمياً، ومازال يعتقد ان الذي سيحاسَب ويحاكَم هم الذين تجرأوا على تحدي نظامه والتظاهر في المدن السورية. قد يؤدي به مشهد حسني مبارك في قفص الاتهام الى إعادة النظر وإعادة جرد الحسابات، ليقرر انه لن يعرّض نفسه لأي محاكمة محلية أو محاسبة دولية، بل انه سيكون أكثر ذكاءً من قيادات تونس ومصر وليبيا واليمن، وسيتنحى بتنظيم وباحترام، وربما العكس.
إنما الواضح تماماً، ان تحوّلاً جذرياً طرأ على الموقف الدولي وعلى موقف دول مهمة وفاعلة في مجلس الأمن وخارجه، فالإدارة الأميركية حسمت أمرها وأكدت عزمها عل تشديد الخناق على النظام في دمشق وقطع حبال الإنقاذ له، بلا عودة. أوروبا واضحة وحازمة في تخليها عن النظام في دمشق، بلا إعادة نظر، روسيا بدأت تعيد النظر في صلب مواقفها، وكذلك الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، وربما ما قاله الأمين العام بان كي مون يعكس الأجواء العامة، عندما قال متوسلاً بشار الأسد: «أرجوك الاستماع بانتباه»، وإن «الوضع الراهن لا يمكن استمراره»، و «لا يجوز له ولهم المضي هكذا بقتل شعبهم».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.