لم يجد طفل أتمّ التاسعة من عمره في مدينة الزرقاء شمال عمّان أخيراً، إلا أن ينهي حياته للتخلّص من سخرية أصدقائه الذين أعيوه منذ أن تفتّح وعيه على الدنيا، من يده المشوهة. اختار طريقة طالما شاهدها على قنوات ال»أكشن»، مستخدماً أدوات بسيطة من البيئة المحيطة به، والتي كانت شاهداً أيام وعيه القليلة على دموعه. فقد أحضر حزاماً جلدياً وربط طرفه بخزانة ملابسه ولفّ طرفه الآخر حول عنقه وتدلّى به حتى فارق الحياة. يقول والد الطفل إن ابنه عاد في يوم الحادث من المدرسة وكان يبكي، مشيراً إلى أن شقيقه سأله عن سبب بكائه فأخبره أن زملاءه يسخرون منه وينادونه «أبو يد مقطوعة» بسبب التشوّه الخلقي في يده. لكن شقيقه وأمه اللذين اعتادا على شكواه هذه لم يأخذان بكاءه هذه المرة على محمل الجدّ، فبدأت أمه تدريسه استعداداً لامتحان مادة التربية الإسلامية. ويضيف الوالد إن زوجته «كانت تتردد أثناء ذلك إلى المطبخ لمراقبة الطعام الذي تطهوه على نار هادئة، ريثما أحضر من العمل، فاستغل غيابها وأبلغ شقيقه أنه يريد الانتحار وأحضر حزاماً وعلّقه في الغرفة. وتزامناً، قرع جرس المنزل فخرج شقيقه الذي لم يكن يصدّق أنه سينفذ ما عزم عليه من الغرفة ليرى من بالباب، فغافله ونفّذ «تهديده». قصة هذا الطفل أصبحت تتكرر في شكل شبه يومي وملحوظ في الأردن سواء من قبل أطفال أو شبان. وتظهر الإحصاءات الرسمية ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الانتحار في الأردن، إذ تشير الأرقام الرسمية إلى وقوع 57 حالة انتحار في عام 2012، بحسب تقرير نشره المجلس الاقتصادي والاجتماعي. وهو رقم يزيد بنحو أقل من النصف (46 في المئة)، عن عدد حالات الانتحار المسجلة في عام 2011، البالغة 39 حالة، بحسب إحصاءات إدارة المعلومات الجنائية في مديرية الأمن العام. ويتصدّر الأجانب قائمة المنتحرين وفق أرقام عام 2011، إذ ينفذون نحو ربع الحالات (23 في المئة)، والأطفال نحو 18 في المئة منها. كما تظهر الأرقام أن حوالى 7 في المئة فقط من المنتحرين من دون عمل، ويرتكب من هم على مقاعد الدراسة 8 في المئة من الحالات. ويتركّز ثلث محاولات الانتحار في محافظة عمّان، وتليها محافظات إربد والبلقاء والزرقاء. الفرد والجماعة من جانبه، يحمّل الخبير في علم الاجتماع في الجامعة الأردنية الدكتور مجدي الدين خمش مسؤولية ارتفاع حالات الانتحار أخيراً إلى «الربيع العربي»، باعتبار أن الحالات بدأت بحالة في تونس (الشاب محمد بوعزيزي الذي حرق نفسه)، أعطاها الإعلام صورة براقة، فأوحى للمظلومين أو من يعتقدون بأنهم مظلومون، أن الانتحار وسيلة فعالة للتعبير عن شعورهم بالاحتجاج. ويضيف أن العلاقات الأسرية غير السليمة من الأسباب القوية المؤدية إلى الانتحار، مؤكداً أنها أهم من الفقر والبطالة في الدفع نحو تبنّي هذا السلوك العنيف. ويوضح خمش أن موقف الأسرة من الفرد عامل مهم، كذلك موقف الجماعات المرجعية للفرد كأصدقائه. فإذا كانت العلاقات الأسرية متينة تدفع بالفرد لتحمّل الظروف، أما إذا كانت العلاقة متوترة فتدفع إلى الانتحار أو إلى محاولة الانتحار وذلك لمعاقبة الأسرة. ويعتبر الأستاذ في علم النفس في الجامعة الأردنية يوسف قطامي، أن الطفل يميل إلى اكتشاف الأمور التي سمع عنها أو التي شاهدها عبر التلفاز، فيريد أن يعرف إذا كانت حقيقية أم لا، من دون إدراك عواقبها، مشيراً إلى سبب آخر يدفع بالأطفال إلى الانتحار وهو إهمال الأسرة، والعدد الكبير للأطفال في العائلة الواحدة، فضلاً عن صعوبات يعاني منها الوالدان كالمشاكل الأسرية. كما يؤكد قطامي أن هناك أسباباً تتعلّق بالطفل شخصياً كشعوره بالعجز عن القيام بأمر معيّن يستطيعه أقرانه عادة، وإحساسه بأنه شخص غير مرغوب به أما في أسرته أو بين أصدقائه، ولأن فقدان الشعبية بين الأصدقاء يُعد عاملاً مهماً. لذا، تتولّد لدى الأطفال درجة عالية من الإحباط بسبب وجود معوقات كثيرة لديهم ما يؤدي إلى محاولتهم الانتحار. في المقابل، يؤكد الخبير التربوي حسني عياش أن حالة الاضطهاد التي يعيشها الطفل والشباب أيضاً من قبل الأسرة والمدرسة والأصدقاء، تجعلهم يبلغون حالة من عدم التحمّل تؤدي بهم إلى الانتحار.