باتت الحياة اليوميّة المعاصرة مملوءة بالآلام! أليس ذلك ما تردّده الألسن طوال الوقت، شاكية من أوجاع الجلوس فترات طويلة أثناء العمل المكتبي وشاشاته وحواسيبه؟ ألا تصدر الشكاوى عينها ممن يمارسون مهناً وحرفاً تتطلب مجهوداً بدنيّاً؟ ألا تتشارك شرائح واسعة الشكوى من وجع الرأس الذي يرافق البعض حتى أثناء الاسترخاء على أريكة المنزل أو الهجوع إلى فراش وثير للنوم؟ ليس خافياً أيضاً أنّ الأوقات الحاضرة تشهد ميلاً للجوء إلى العلاج الفيزيائي للتخلص من تلك الأوجاع. إذ يعتبره البعض وسيلة لطيفة وطبيعيّة، خصوصاً أنّه يتماشى مع طريقة عمل أعضاء الجسم. وصار أيضاً جزءاً أساسيّاً في علاج أمراض وأعراض، أو تجنّبها والوقاية منها. وتقدّم أوجاع الظهر نموذجاً عن تلك الأمور. وتحدث غالباً نتيجة وضعيّات خاطئة للعمود الفقري أثناء الجلوس أو الوقوف أو رفع أشياء ثقيلة. وعلى رغم أنها لا تمثّل تهديداً خطيراً للحياة، إلا أنها مشكلة أساسيّة لكثير من الناس، وهي تتأتى من أسباب متنوّعة تشمل: 1- تعرضّ أعصاب في العمود الفقري لنوع من الضغط يؤدي إلى ردّ فعلٍ عكسي من العضلات لحماية تلك الأعصاب، ويسمّى ذلك «التشنّج العضلي». 2- القيام بحركات المفاجئة قبل تهيئة الجسم لها، فيحدث توتر عضلي مؤلم. وإذا وُجِدَ فتق في بعض فقرات العمود الفقري، يؤدّي تحرّك إحداها إلى الضغط على الأعصاب المتصلة بها، مع آلام في أسفل الظهر تمتد إلى الوركين والفخذين. ويسمّى البعض ذلك «عرق النساء». 3- مشكلات في بنية العمود الفقري كتمزّق أحد الأربطة المحيطة بالفقرات، أو حدوث خلل في الغضروف اللين الموجود بين فقرات الظهر، ما يخل بالتوازن في تلك النقطة يضغط على الأعصاب القريبة منها. 4- عيوب خلقيّة في العمود الفقري كالتقوّس أو التحدّب. 5- في هشاشة العظم المتصل بنقص الكالسيوم، يحدث تناقص في الكتلة العظميّة، ما يؤدي لوجود عظام ضعيفة يسهل تعرضها للكسر، إضافة إلى تسبّبها في آلام متنوّعة. 6- بعض أنواع التهابات المفاصل التي تترافق مع زيادة الضغط حول فقرات في الظهر. 7- تساهم زيادة الوزن في اشتداد الضغط على العمود الفقري والعضلات، وكذلك الحال بالنسبة لحمل أشياء ثقيلة بصورة متكررة. 8- يؤدي الحمل إلى حدوث آلام في أسفل الظهر، يتزايد مع اقتراب الحمل من نهايته. 9- يعتبر الجلوس المستمر لساعات طويلة، من دون النهوض وتحريك الجسم. 10- أمراض مزمنة كتليّف العضلات. 11- ممارسة الرياضة في شكل خاطئٍ وقاسٍ على الجسم وعضلاته. 12- بعض أمراض الجهاز الهضمي، كقرحة الإثنى عشر والتهاب المرارة. 13- الضغط النفسي كالاكتئاب والتوتر. الوقاية بوصفها علاجاً أيضاً تكمن المفاتيح الأساسيّة للوقاية من آلام الظهر، في تغيير العادات اليومية الخاطئة، كطرق الجلوس وطريقة النوم ووضعية الجسم سواء أثناء الوقوف أو عند القيام بالأعمال المنزلية وحمل الأشياء الثقيلة. وتشمل ما يلي: - ليست هناك طريقة واحدة للنوم، والمهم أن نحرص على استقامة العمود الفقري أثنائه، كوضع وسادة تحت الركبتين لمن اعتاد النوم على ظهره. - عند رفع الأوزان الثقيلة من الأرض تجب مراعاة وضعية الجسم كي يكون العمود الفقري مستقيماً. ويُنصَح بثنيّ الركبتين بدل إحناء الظهر، وتقريب المسافة بين الجسم والوزن المحمول. - هناك تفاصيل ربما تغاضى عنها البعض أثناء جلوسه أمام شاشة الكومبيوتر لكنها فعّالة كالجلوس على مقعد مريح وضبط ارتفاع المقعد بما يمكن القدمان من الانبساط، مع ضبط الركبتين في وضعية متوازية، إضافة إلى ضبط ظهر الكرسي بزاوية تتراوح بين 100 و111 درجة، وكذلك ضبط شاشة الحاسوب لتكون في وسط المساحة التي أمامك. - الخروج من وضعية الجلوس كل ساعة مع تحريك الجسم، تجنّباً لحدوث الشد العضلي، والانتقال إلى الوقوف أو التحرك لدقائق قليلة. - ممارسة تمارين التمدّد التي لا تتطلب مجهوداً كبيراً أو وقتاً طويلاً. ويعتبر ذلك من أهم تقنيات الحماية من آلام الظهر المتّصلة بالجلوس لفترات طويلة. - يجب الانتباه إلى حقيبة الطفل المدرسيّة ووزنها. ويضّل أن تكون متينة وخفيفة الوزن أيضاً، كذلك ينصح بحملها على الكتفين كليهما كي يتوزّع وزنها عليهما. - يجدر بربّة المنزل التنبّه إلى استقامة ظهرها أثناء إنجازها الأعمال المنزليّة، وتجنّب الانحناء إلى الأمام أو ضمّ الكتفين. وعند الاضطرار للوقوف لفترة طويلة. وكذلك يُنصَحْ باستعمال «عتبة» صغيرة يتراوح ارتفاعها بين 20 و30 سنتيمتراً، فتضع إحدى القدمين عليها بين الفينة والفينة، والتبادل بين القدمين أيضاً.