أحداث تاريخية في جيزان.. معركة قاع الثور    احتلال مدينة غزة جزء من خطة استراتيجية تنتهي بالتهجير    تراجع أسعار الذهب    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ أكثر من 1000 منشط دعوي خلال شهر محرم    إنهاء معاناة مقيمة عشرينية باستئصال ورم وعائي نادر من فكها في الخرج    أمير تبوك يستقبل المواطن ناصر البلوي الذي تنازل عن قاتل ابنه لوجه الله تعالى    أمير تبوك يدشّن ويضع حجر أساس 48 مشروعًا بيئيًا ومائيًا وزراعيًا بأكثر من 4.4 مليارات ريال    الهولندي "ManuBachoore" يحرز بطولة "EA Sport FC 25"    أوروبا تعلن استعدادها لمواصلة تقديم الدعم لأوكرانيا    استقبل المشاركين من «إخاء» في اللقاء الكشفي العالمي.. الراجحي: القيادة تدعم أبناء الوطن وتعزز تمكينهم بمختلف المجالات    سعود بن بندر يستقبل مدير فرع رئاسة الإفتاء في الشرقية    حسام بن سعود يطلع على برامج جامعة الباحة    أميركا ومحاربة الفقر    غزة تودّع عشرات الشهداء جلهم من المجوّعين    شدد الإجراءات الأمنية وسط توترات سياسية.. الجيش اللبناني يغلق مداخل الضاحية    مقتل واعتقال قيادات إرهابية بارزة في الصومال    مجهول يسرق طائرة مرتين ويصلحها ويعيدها    نسمة القمم    الرئيس الذهبي    السوبر.. وهج جماهيري وخفوت قانوني    النصر يسعى لضم لاعب إنتر ميلان    القادسية يعترض على مشاركة الأهلي في السوبر    ثنائي ريال مدريد على رادار دوري روشن    المملكة قاعدة خصبة لمواهب الذكاء الاصطناعي    النيابة العامة: رقابة وتفتيش على السجون ودور التوقيف    «منارة العلا» ترصد عجائب الفضاء    «الهلال الأحمر بجازان» يحقق المركز الأول في تجربة المستفيد    منى العجمي.. ثاني امرأة في منصب المتحدث باسم التعليم    تشغيل مركز الأطراف الصناعية في سيؤون.. مركز الملك سلمان يوزع سلالاً غذائية في درعا والبقاع    أداء قوي وتنوع الأنشطة.. 7.9% نمو الإنتاج الصناعي    والدة مشارك بالمسابقة: أن يُتلى القرآن بصوت ابني في المسجد الحرام.. أعظم من الفوز    البدير يشارك في حفل مسابقة ماليزيا للقرآن الكريم    260 طالبًا بجازان يواصلون المشاركة في «الإثراء الصيفي»    عبر 4 فرق من المرحلتين المتوسطة والثانوية.. طلاب السعودية ينافسون 40 فريقاً بأولمبياد المواصفات    رانيا منصور تصور مشاهدها في «وتر حساس 2»    كشف قواعد ترشيح السعودية لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم    إطلاق مبادرة نقل المتوفين من وإلى بريدة مجاناً    ثمن جهود المملكة في تعزيز قيم الوسطية.. البدير: القرآن الكريم سبيل النجاة للأمة    حساب المواطن: 3 مليارات ريال لدفعة شهر أغسطس    الإفراط في استخدام الشاشات .. تهديد لقلوب الأطفال والمراهقين    ضمادة ذكية تسرع التئام جروح مرضى السكري    185% نموا بجمعيات الملاك    ترامب يعلن خطة لخفض الجريمة في العاصمة الأمريكية    مجمع الملك عبدالله الطبي ينجح في استئصال ورم نادر عالي الخطورة أسفل قلب مريض بجدة    نائب أمير جازان يزور نادي منسوبي وزارة الداخلية في المنطقة    مصحف "مجمع الملك فهد" يقود شابًا من "توغو" لحفظ القرآن    رونالدو يتألق.. النصر ينهي ودياته بالخسارة أمام ألميريا    الأخضر الناشئ لكرة اليد بين أفضل 16 منتخبًا في العالم.. و"العبيدي" يتصدر هدافي العالم    42% من السعوديين لا يمارسون عناية ذاتية منتظمة و58% يشعرون بالإهمال العاطفي    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالمنطقة    جامعة الملك فيصل تفتح باب التسجيل في البرامج التعليمية إلكترونيا        جمعية "نبض العطاء بجليل" تطلق مبادرة أداء مناسك العمرة    الشمراني عريساً    القيادة تعزّي رئيس غانا في وفاة وزير الدفاع ووزير البيئة ومسؤولين إثر حادث تحطم مروحية عسكرية    ممرضة مزيفة تعالج 4000 مريض دون ترخيص    بمشاركة نخبة الرياضيين وحضور أمير عسير ومساعد وزير الرياضة:"حكايا الشباب"يختتم فعالياته في أبها    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأعيان الدرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انقسام داخلي وتحفظات دولية تربك خطوات بارزاني «المتسارعة» للانفصال
نشر في الحياة يوم 21 - 07 - 2017

مع بدء العد التنازلي لتوجه أكراد العراق نحو تنظيم استفتاء في شأن الاستقلال مطلع الخريف المقبل، يواجه البيت الكردي تحديات صعبة لدرء الانقسام الداخلي على الصعيدين السياسي والشعبي، والحصول على ضوء أخضر إقليمي ودولي رافض لتقسيم الدولة العراقية.
منذ أن حظي الأكراد بكيانهم شبه المستقل في أعقاب حرب الخليج الثانية، فإن طموحهم الى تقرير المصير كان يشكل لهم على الدوام نقطة إجماع لاعتبارات «المصلحة القومية العليا»، على رغم التقاطعات والتجاذبات بين القوى السياسية حول النفوذ والإدارة، وما أفرزه من اقتتال داخلي دام أربع سنوات في منتصف تسعينات القرن الماضي، لينقسم الإقليم إلى إدارتين ما زالت تلقي بظلالها إلى اليوم.
إلا أن شق الانقسام امتد ليصيب ذلك الإجماع حول «آلية تنظيم الاستفتاء وتوقيته»، على خلفية تفاقم الخلافات في شأن نظام الحكم، في أن يكون رئاسياً، وهو مطلب الحزب «الديموقراطي» بزعامة مسعود بارزاني وأحزاب صغيرة، أم التحول إلى نظام حكم برلماني، تبناه تحالف رباعي، «الاتحاد الوطني» بزعامة جلال طالباني وحركة «التغيير» المنشقة عنه و «الاتحاد الإسلامي» و «الجماعة الإسلامية»، ما أدى إلى تعطيل البرلمان، وطرد «الديموقراطي» رئيس البرلمان عن «التغيير» يوسف محمد ووزراء الحركة من الحكومة.
شروط داخلية
يصطدم تمسك حزب بارزاني المضي قدماً لإجراء الاستفتاء «في موعده من دون تأجيل» بإصرار القوى الأربع على تفعيل البرلمان أولاً، على رغم التباين في مواقف قيادة حزب طالباني المنقسمة إلى قطبين، والذي ما زال يرتبط بتفاهمات مع حزب بارزاني في إدارة الإقليم، إلا أن بعض المراقبين يرون في تحركات هذا الحزب أنها «تكتيك سياسي».
مشاورات «التغيير» مع الحزبين الإسلاميين أسفرت عن مشاركة مشروطة بتحسين الوضع المعيشي للمواطنين وإلغاء نظام ادخار الرواتب، وكذلك تفعيل مؤسسات الإقليم وعلى رأسها البرلمان، على أن يجري الاستفتاء بعد الانتخابات العامة، أو إجرائهما معاً، وأن لا يستغل من أي حزب كمكسب حصري أو لغرض المزايدة السياسية عبر فرض إرادة فردية، وتحقيق إجماع على أزمة قانون الرئاسة».
لكن المستشار في المكتب الإعلامي لرئيس الإقليم كفاح محمود قلل من وقع الخلاف، وقال ل «الحياة»، «لا يوجد انقسام بل هو اختلاف في وجهات النظر، ثم إن الخطوة لا يحددها حزب أو اثنان، لأن الأكثرية من الأحزاب المشاركة في الحكومة أو خارجها أيدتها في اتفاق شامل، وصدر مرسوم من ديوان رئاسة الإقليم»، وفي الموقف من شروط تفعيل البرلمان أوضح «لم يحدث أن تم الاستقلال على يد برلمان إقليم يتبع دولة، باستثناء حالة انفصال التشيك عن سلوفاكيا، بل حصل عبر زعيم وطني أو حزب أو مجلس للثوار، البرلمان مهم، لكننا في مرحلة انتقالية خطيرة».
ويتبنى زعيم الحزب «الاشتراكي الديموقراطي» محمد حاجي محمود المقرب من حزب بارزاني الموقف ذاته، ويقول «الاستفتاء يحمل أهمية اكبر من البرلمان، الذي ربما لا يكون ممثلاً لكل الشعب لأن هناك من لم يدلِ بصوته في الانتخابات، والشعب اليوم متفق على المواضيع المصيرية وصوته سيحكم بالنتيجة، وما يجري من خلافات لا تخرج عن كونها حزبية».
وتلف الضبابية مواقف قادة حزب طالباني على رغم إعلان مكتبه السياسي عن «ضرورة تفعيل البرلمان قبل إجراء الاستفتاء»، إذ يشارك نجل طالباني نائب رئيس الحكومة قباد طالباني برفقة محافظ كركوك نجم الدين كريم في اجتماعات المجلس الأعلى للاستفتاء، من دون تعيين ممثل عن الحزب، كما تباينت تصريحات قادته حول صفة كريم كمحافظ أم ممثل عن الحزب.
لكن مسؤول الهيئة العاملة في المكتب السياسي للاتحاد الوطني ملا بختيار، أبلغ نائب السفير الألماني في العراق أوليفر شناكينبرك «صعوبة المشاركة في الاستفتاء من دون تفعيل برلمان الإقليم»، وأقر بأن «هناك رأيين داخل قيادة الحزب، قسم يرى التمسك بمطلب التفعيل ومواصلة المشاركة في الاجتماعات واللجان المعنية لحين تنفيذه، والقسم الآخر يرى ضرورة تحقيق المطلب قبل أي خطوة أخرى، لوجود مخاوف من التنصل عن الوعود، التي قد تصبح معضلة كبرى».
في حين تدعو هيرو إبراهيم أحمد وهي عقيلة طالباني التي تقود «الأكثرية» في الحزب إلى «أهمية تفعيل المؤسسات الشرعية وتحقيق وحدة وطنية»، وذلك خلال لقائها القنصل البريطاني في الإقليم مارتن وور. واشترط الحزب خلال اجتماع لمكتبه السياسي «تفعيل البرلمان وإصدار قانون خاص، قبل تنظيم عملية الاستفتاء».
ويأتي ذلك في وقت اتفق حزب طالباني و «التغيير» على توحيد كتلتيهما في البرلمان العراقي ومجالس المحافظات، ومن شأن الخطوة توسيع الفجوة مع حزب بارزاني الذي صرح أحد قيادييه بعدم نية الحزب المشاركة في الانتخابات العامة في العراق بعد إجراء الاستفتاء.
وفي إقرار بالانقسام القائم، دعا رئيس الحكومة نيجيرفان بارزاني إلى «جعل الاستفتاء فرصة لتوحيد المواقف، ومن الخطأ أن يصبح نقطة خلل وسبباً في خلق الانقسامات، ولا يجوز للإعلام أن يحطم حماسة الشعب للمشاركة في التصويت، فلا يوجد خاسر أو رابح، المسألة هي أن نخسر أو نربح معاً».
وحض الممثل الأممي يان كوبيش في لقائه بنيجيرفان على «ضرورة البدء بحوار أكثر جدية مع بغداد واستثمار التنسيق العسكري الجيد بينهما لمحاربة داعش، وكذلك دخول الأطراف الكردية في حوار أكثر عمقاً في ما يتعلق بالاستفتاء».
عدوى الانقسامات تربك الرأي العام
على رغم أن حلم الدولة يشغل حيزاً كبيراً من رغبة الشارع الكردي في تحقيقه، إلا أن انعكاسات الانقسام السياسي كان لها وقعها السلبي، وهو ما يؤكده المحلل السياسي كامران منتك ل «الحياة» قائلاً إن «الاستفتاء قضية حساسة ومقلقة إذا لم يتم التعامل معها بحذر وحنكة على الصعيدين الداخلي والخارجي، ولم تعد الأحزاب السياسية وخصوصًا المتنفذة، أي الديموقراطي والاتحاد، تحظى بالثقة على مستوى الرأي العام في ظل هذا التذمر والاحتقان، ووعي الجمهور قد لا يكون في مستوى يمكّنه في تجنب الخلط بين الخيارات المتاحة سلباً وإيجاباً في هكذا مسألة مصيرية»، وأردف إن «الشارع يسأل بأي آلية يمكن الانتقال إلى مرحلة جديدة، في حين لا تتوافر رغبة حقيقية في ذلك، وكل الجهود المبذولة على صعيد الثقافي والسياسي وحتى النضالي تدور في مدار حلقة مفرغة وتشتت على ضوء تصرفات أحزاب تتصارع ولا تعرف ما تريد، سوى التحكم بالرأي العام وتضليله، ولا تملك الإرادة لحل صلب الخلاف، وقد شتتت الشارع، لعدم امتلاكها إستراتيجية واضحة وشفافة».
وقال الطالب الجامعي سامان طه ل «الحياة» إن «مواقع التواصل الاجتماعي وما ينشر من مقالات رأي في الصحف ووسائل الإعلام تظهر انقسامًا واضحاً ازدادت فيه الفجوة بين المؤيدين والمعترضين وبلغت حد التراشق بعبارات التخوين وغيرها. هذه اللحظة التاريخية كنا ننتظرها بفارغ الصبر، وأنا حزين من أن تتشوه على هذا النحو، والأحزاب تتحمل المسؤولية فيما لو أضعنا هذه الفرصة، إذا لم تحسم خلافاتها وأن تبادر الى تقديم التنازلات»، وقال إن «الأزمة الاقتصادية وتردي الخدمات تشكل عاملاً أساسيًا ومؤثرًا في توجهات المواطن البسيط وقد يصوت كرد فعل وليس عن قناعة وفهم».
فيما رأى ريبوار حمه وهو طالب جامعي أيضاً أن «الشعب الكردي نفد صبره، نريد الاستقلال وحتى إن كنا سنعيش بالخبز والماء، وإذا لم يكن التوقيت مناسبًا، فهل علينا الانتظار لقرن آخر؟ الفرصة متاحة وليعط الشعب قراره بغض النظر عن التبعات».
اعتراضات بغداد
تطالب الحكومة العراقية دعاة الاستفتاء في الإقليم ب «تقديم تفسير إذا لم يكن الهدف الانفصال؟»، وترى في الخطوة أنها «انفرادية» ومخالفة لدستور البلاد الذي صوّت عليه الأكراد وهو يخلو من أي مادة تمنحهم الحق في الانفصال.
وأكد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في أكثر من مناسبة أن «الانفصال لن يخدم الأكراد، وسيكون من الأفضل لهم البقاء في حضن العراق الاتحادي بموجب دستور صوّت عليه الجميع، على رغم احترامنا لحقوق أي جزء من البلاد»، وشدد على أن « توقيت الاستفتاء غير قانوني ونحن غير ملزمين نتائجه، وقد يفجّر مشاكل داخل الإقليم».
وصدرت مواقف مماثلة من قوى سياسية عراقية وأبرزها زعيم «التحالف الوطني» الشيعي عمار الحكيم الذي كان يرتبط بعلاقات متينة مع الأكراد، ويرى أن «العراق المجزأ لن يكون عراقًا قوياً، التقسيم هو مطلب أعداء الشعب العراقي، نحن لن نستسلم للضغوط الداخلية والخارجية في شأن تجزئة العراق، واستفتاء الإقليم سيشكل تسوماني سيجتاح البلاد بالتقسيمات».
فيما قال نائب رئيس الجمهورية زعيم حزب «الدعوة» نوري المالكي، الذي ساءت علاقته بأربيل عندما كان رئيساً للوزراء، خلال لقائه المبعوث الأممي للعراق يان كوبيش أن «الاستفتاء سيعقّد المشهد السياسي»، محذراً من «محاولات تمدد البعض على الأراضي المحرّرة تحت ذرائع مختلفة».
ويحذّر المحلل السياسي منتك من «تفاقم الأزمات في المنطقة على المستويات الثلاثة الداخلي والإقليمي والدولي، فالإقليم يقع وسط تجاذبات، وهناك مخاوف من نشوب صراعات وجولات جديدة من حروب على حدوده، في سنجار، التي وصلت إلى مشارفها قوات الحشد الشعبي، ومخاوف في ما يتعلق بحدود منطقة كرميان والحويجة واحتمال وجود محاولات إفساح ثغرة ل «داعش» بالتوغل إلى كركوك، ومنح الذريعة للحشد الشعبي للتوسع بذريعة محاربته، وقد تعاظمت هذه الاحتمالات في المرحلة الأخيرة بالمقارنة بالسنوات الماضية»، وأضاف «هناك سيناريو مقلق بين الدول المحيطة خصوصاً بين إيران وتركيا، والعراق وسورية كلاهما عاملان مهمان، وقد يتعرض الإقليم والمناطق الكردية في سورية إلى تهديد حقيقي، وستكون ربما المناطق المتنازع عليها مع بغداد والتي تسيطر عليها البيشمركة نقطة البداية».
وسبق أن دعا قادة في «الحشد الشعبي» الحكومة العراقية إلى «فرض سيطرتها على كامل أراضي البلاد بما فيها المناطق التي سيطرت عليها قوات البيشمركة خلال الحرب على داعش»، وهددوا «باستخدام القوة» لإعادتها.
وتفيد مصادر عسكرية كردية «بوجود خطة لدى فصائل من الحشد الشعبي» لدفع تنظيم داعش للتوغل في كركوك والمناطق المتنازع عليها في ديالى ومن ثم مهاجمته لمنع إجراء استفتاء في المحافظة وإحباط محاولات الأكراد ضمها إلى كردستان، كما يحذّر مراقبون من نشوب صراع في المناطق المتنازع عليها في نينوى، في أعقاب سيطرة القوات العراقية على مدينة الموصل.
وأقرّ وزير «المناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم» أي المتنازع عليها مع بغداد، نصر الدين سندي «بمواجهة عقبات لشمل هذه المناطق بعملية الاستفتاء، خصوصاً في قضاء سنجار غرب نينوى، وطوزخورماتو جنوب كركوك، وعلينا البدء بمعالجتها والوقت يمضي، بانتظار صدور الأوامر من حكومة الإقليم».
وفي خطوة مفاجئة أجرى وفد من الحكومة الاتحادية ضم وزراء الطاقة ومسؤولين في وزارة المالية أخيراً محادثات مع حكومة أربيل تم خلالها الاتفاق على «فتح صفحة جديدة واستمرار المحادثات لحل الخلافات وتشكيل لجنة مشتركة لإعادة التنسيق الثنائي في مجال النفط والكهرباء». وما زالت أربيل تقوم منذ عامين ببيع نفط الإقليم من طرف واحد، عقب فشل اتفاق سابق مع بغداد كان يقضي بسماح الأكراد لبغداد بالإشراف على عمليات التصدير بما فيها نفط كركوك مقابل دفعها 17 في المئة من الموازنة الاتحادية.
مخاوف إقليمية ورفض قوى عالمية
تواجه الخطوة الكردية رفضاً صريحاً من الجارتين، إيران من الجهة الشرقية، وتركيا من الجهة الشمالية، والعاصمتان تتخوفان من تعرض مصلحتهما القومية إلى «الخطر» بفعل إنعاش رغبة الأكراد في الدولتين لتبني مشروع مماثل.
وعلى رغم أن أربيل وأنقرة ارتبطتا بعلاقة سياسية واقتصادية قوية في أعقاب سقوط نظام صدام حسين عام 2003، إلا ان الأخيرة أعلنت رفضها الصريح رغبة بارزاني، وهدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صراحة في إحدى تصريحاته قائلاً «نحن أوقفنا مساعي إنشاء دولة في شمال سورية، وسنفعل الأمر ذاته مع الإقليم الكردي في العراق مستقبلاً الذي نرى ضرورة وحدة أراضيه فهي مهمة لنا للغاية»، وأضاف «إذا سمحنا للكرد بتقسيم العراق فإن العرب والتركمان سيطالبون بتقسيم البلاد أيضًا، أبلغنا بارزاني أن ضريبة ذلك القرار ستكون كبيرة، التقسيم سيكون خطوة مؤلمة نأمل منه بالتراجع عنها.»
وأبدت إيران موقفاً مشابهاً على لسان الناطق باسم وزارة خارجيتها بهرام قاسمي أن بلاده «موقفها واضح من وحدة الأراضي العراقية»، وحذر من أن «القرارات المنفردة والبعيدة عن المعايير والأطر الوطنية والشرعية، ستؤدي إلى المزيد من المشاكل وتفاقم الأوضاع الأمنية في العراق»، ولفت إلى أن «الأكراد يشكلون جزءًا مهماً من العراق، وفي إطار السيادة الوطنية وسلامة الأراضي ولديهم حقوق أدرجت في الدستور».
وردت الحكومة الكردية على الموقف الإيراني بأن «للكرد الحق في تحقيق تطلعاتهم، والاستفتاء قضية عراقية داخلية ولا يحق لأي دولة أخرى التدخل».
وقلل مسؤول في المكتب الإعلامي لرئاسة الإقليم من الهواجس إزاء اعتراض كل من طهران وأنقرة، قائلاً إن «الانفصال قد لا يريح الدولتين، لاعتبارات تخص القضية الكردية لديهما، لكنهما في الوقت ذاته لم تعاديا الإقليم ككيان قائم بناء على كونه أمراً واقعاً منذ عام 1992، وإلى اليوم أثبت أنه إيجابي بنجاحه في إقامة علاقات اقتصادية متطورة بلغت عشرات البلايين، ونتذكر أن إيران كانت السباقة حتى قبل واشنطن بإبداء الدعم لحكومة الإقليم لوقف زحف تنظيم داعش عندما وصل إلى مشارف مدينة أربيل».
اعتراض دولي على التوقيت
كشفت التصريحات والبيانات الصادرة عن المسؤولين والحكومات في الدول الكبرى والغربية، وفي مقدمها واشنطن، عن إجماع دولي رافض للاستفتاء في توقيت ما زالت الحرب فيه جارية على تنظيم «داعش».
وذكر المبعوث الرئاسي الأميركي للتحالف ضد التنظيم برت ماكغورك في أعقاب اجتماعات التحالف في واشنطن إن «داعش لم ينته بعد، ولايزال ينتشر في تلعفر جنوب إقليم كردستان وفي الحويجة جنوب كركوك، وإجراء الاستفتاء وفق الجدول الزمني السريع هذا، لاسيما في المناطق المتنازع عليها، سيؤدي الى زعزعة الاستقرار في شكل ملموس»، واعتبر أن «الدستور العراقي ينصّ على وجوب قيام حوار لحل هذه القضية، وواشنطن تدعم هذا الخيار».
وصدرت تصريحات مشابهة لكل من روسيا وبريطانيا والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وحضّ الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، يان كوبيش، في أعقاب استعادة مدينة الموصل، كلاً من بغداد والإقليم على «الاستفادة من تعاونهما العسكري المثالي في المعركة ضد «داعش»، وبدء العمل لحل القضايا العالقة، لا سيما قضية الاستفتاء، وتنفيذ المادة 140 من الدستور في ما يتعلق بالحدود والمناطق المتنازع عليها، وبخاصة وضع كركوك، من خلال الحوار والشراكة الحقيقية». وحذّر من أن «التحديات المقبلة ستكون محفوفة بالأخطار».
وفي ضوء هذا الرفض توجه بارزاني إلى بروكسيل لتقديم «توضيحات» وطمأنة الاتحاد الأوروبي من تبعات الخطوة، وقال في كلمة له أمام البرلمان الأوروبي إن «الاستفتاء سيتم بطريقة سلمية من دون إراقة للدماء، وأن النقاش مع بغداد سينحصر حول كيفية الانفصال، وسنكون عامل سلام للمنطقة»، وأوضح «لن ننتظر أن تأتي إحدى الدول لتعطينا استقلالنا، بل علينا أن نحصل عليه بأنفسنا، نتمنى من الاتحاد الأوروبي أن يشجعوا أربيل وبغداد على التفاوض حول الانفصال إذا لم يكن يوافق على التوقيت».
واستعرض بارزاني أسباب تداعيات الأزمة السياسية في الإقليم ملقياً اللوم على حركة «التغيير» التي اتهمها بتدبير «محاولتين انقلابيتين». وفي شأن الأزمة حول بقائه في منصبه على رغم انتهاء ولايته، شدد على أن «الأحزاب الكردية لم تتفق على بديل لتولي المنصب لذلك قررت الاستمرار بناء على مشورة مجلس الشورى». ولم يخفِ بارزاني قلقه من «مرحلة ما بعد القضاء على داعش».
لكن بارزاني تعرّض إلى انتقادات من القوى الكردية المعارضة في إفادته أمام الاتحاد الأوروبي، واعتبر القيادي في حزب طالباني محمود سنكاوى أن «أي شخص من حزبنا سيشارك في لجنة الاستفتاء سيكون ممثلاً عن نفسه فقط، لأن نجم الدين كريم (قيادي في الحزب) رافق بارزاني بصفته محافظاً لكركوك، ونحن لن نشارك في الاستفتاء إلا بعد تفعيل البرلمان، وكيف بالرئيس أن يذهب إلى البرلمان الأوروبي فيما برلمان الإقليم معطل».
وتزامنت زيارة بارزاني مع توجه طالباني إلى طهران ولقائه رئيس البرلمان علي لاريجاني، ووصف ممثل حكومة الإقليم في العاصمة الإيرانية ناظم دباغ الزيارة بأنها «ترفيهية» وأن «أغلب أعضاء الوفد المرافق هم أطباء»، إلا أن بعض المصادر لم تستبعد أن «تجرى محادثات في شأن الاستفتاء»، على رغم أن طالباني يعاني من تبعات جلطة دماغية تعرض لها عام 2012 عندما كان رئيساً للجمهورية، منعته من مواصلة مهماته ونشاطه السياسي.
والتحق بطالباني وفد رفيع من قيادات حزبه للبحث في الاستفتاء، على أن يتوجه لاحقًا إلى أنقرة لمناقشة الموقف التركي، وفي هذه الأثناء أثار ممثل حكومة الإقليم في طهران ناظم دباغ جدلاً عندما صرح إلى وكالة «فرانس بريس» بأن «الاستفتاء يعد تكتيكاً تفاوضيًا للضغط على بغداد للوفاء بوعودها حول ملفات الطاقة وتقاسم السلطة، حتى الآن، ليست لدينا نية الانفصال»، واعتبر أن ذلك يشكل رد فعل على موقف الدولة العراقية تجاه الكرد «الذين سيكونون مستعدين للتضحية»، وأبدى الخشية من «صدام بين «الجيش وقوات الحشد الشعبي من جهة، وقوات البيشمركة من جهة أخرى».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.