"صيدي ما يلوث".. حملة بيئية شاملة تكشف كارثة صادمة في سواحل دارين    أكثر من 7 آلاف زيارة منزلية خلال 6 أشهر بمستشفى الظهران    أمازون السعودية تُطلق 7 أيام متواصلة من عروض "يوم برايم 2025" الحصرية لأعضاء برايم من 25 – 31 يوليو    موجز    ختام اجتماعات الأونسيترال    "الداخلية" تعلن فتح تحقيق في انتهاكات السويداء.. لا إعدامات جماعية في سوريا    بين ضغوط ترمب ومواقف متصلبة.. محادثات بين موسكو وكييف في إسطنبول    وسط تحذيرات دولية وركود في مفاوضات الهدنة.. غزة على شفا مجاعة جماعية    فرنبخشة يتغلب على الاتحاد برباعية في أولى وديات معسكر البرتغال    انطلاق بطولة الهيئات المفتوحة لرفع الأثقال في الرياض بمشاركة 94 لاعباً ولاعبة    تصفيات ومواجهات ومتأهلين في عدد من الألعاب في الأسبوع الثالث    أمير المنطقة الشرقية يرعى حفل ختام موسم فروسية الجبيل    بكر يحتفي بحفيده الأول    عبدالعزيزالذبياني يحتفل بعقد قرانه    الحفل السنوي لتكريم أمهات الكشافين.. منديل كشافة شباب مكة لعفاف الحربي    الشهري ينال الماجستير بامتياز    تعاون سعودي – سريلانكي في مجالات الإعلام    المفتي يطلع على أعمال "حياة"    واست رئيس بنغلاديش في ضحايا سقوط الطائرة.. القيادة تهنئ الرئيس المصري بذكرى اليوم الوطني لبلاده    المبعوث الأميركي: المطلوب قرار من حكومة لبنان لحصر السلاح    7.9% نموا بالأجور الدنيا    اختيار سلمان: هكذا أطلق صقره ليحلق بالوطن    «سلمان للإغاثة» يوزّع (840) حقيبة إيوائية في منطقتين بإقليم جامو وكشمير في باكستان    تأهيل 31 شركة للمنافسة على الرخص التعدينية    توثيق 1810 عقارات يوميا    أواصر راسخة    ابن فرحان يتلقى رسالة من لافروف واتصالاً من وزير الخارجية البريطاني    القيادة تعزي رئيس بنغلاديش    تركي آل الشيخ يعلن فعاليات رياضية عالمية ضخمة في موسم الرياض المقبل    إطلاق النسخة الثانية من مبادرة «تفعيل مجتمع الأفلام المحلي»    السياحة الريفية    "الشعفي" يُرزق بمولودته الأولى "سما"    «سوار الأمان».. حلول ذكية في المسجد الحرام    تمديد الحصول على رُخص مياه الآبار    بكين تحتج على عقوبات أوروبية تستهدف موسكو    ترمب يتعهد بخفض الرسوم عن الدول التي تفتح أسواقها أمام منتجات بلاده    عسير.. حين يتحوّل الفن إلى تراث حي    القبض على إثيوبي في عسير لتهريبه (66) كجم "حشيش"    جمعية "واثق" بتبوك تحتفي بتخريج الدفعة العاشرة من برنامج "منزل منتصف الطريق"    420 موهوبًا وموهوبة يختتمون الرحلة الإثرائية بجازان    تتحدث عن شرح حديث " إنما الأعمال بالنيات " محاضرة تنفذها إسلامية جازان غداً بالمسارحة والحُرّث    أمير جازان ونائبه يتفقدان مشروعات فيفاء    مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: إسرائيل دمرت قطاع غزة بالكامل    هيئة مدينة مكة تُطلق أعمال المسح الاجتماعي الاقتصادي    155 ألف مستفيد من خدمات مستشفى ينبع    مجسات ذكية لراحة مرضى السكري دون ألم    أسباب وعواقب إدمان الحلويات    مفوض إفتاء جازان يستقبل منسوبي إدارة جمعية سقيا الماء    عزز صفوفه بالخيبري.. الأهلي يشارك في السوبر بديلاً للهلال    وزير الداخلية يلتقي منسوبي الوزارة المبتعثين في بريطانيا    سبعة آلاف طفلٍ في مركز ضيافة المسجد النبوي    حكمي.. قصة تحدٍ ملهمة في عالم التوحد وحفظ القرآن    "هلال مكة" يفعل مساراته الطبية الإسعافية القلبية والدماغية    أمير جازان ونائبه يتفقدان عددًا من المشروعات التنموية والسياحية بمحافظة فيفاء    الجامعة العربية تدعو المجتمع الدولي لكسر حصار غزة    الأمير محمد بن عبدالعزيز يستقبل رئيس ووكلاء جامعة جازان    السعودية ترحب بمطالبة دولية لإنهاء حرب غزة    تقنية تحسن عمى الألوان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثانوية العامة رعب يضرب 600 ألف أسرة مصرية وحالات إغماء وانتحار!
نشر في الحياة يوم 19 - 06 - 2017

يصفونها ب «كارثة كل بيت». ينعتونها ب «البعبع» تارة وب «الغول» تارة وب «العو» تارة أخرى. صفحات «فايسبوك» لا تخلو هذه الأيام من مناشدات الآباء والأمهات بأن يدعو الأصدقاء والصديقات لابنهم فلان وابنتهم فلانة اللذين ابتليا بالثانوية العامة. أجواء الفجر والصباح مليئة بالدعاء والتوسل والتمني، وأجواء المساء والسهرة تختلط فيها المكالمات الهاتفية من الجدات والأجداد والأهل والأصدقاء للاطمئنان إلى الابن الغالي في يوم من أيام الثانوية العامة.
الثانوية العامة يقولون عنها إنها شر لا بد منه و «بعبع» لا بد من أن تمر به غالبية البيوت المصرية مرة على الأقل، بل وصل الأمر إلى درجة تشبيهها بالموت الذي هو حق على الجميع تدور رحاها هذه الأيام. وعلى رغم التغيير الإيجابي الذي يلقى بظلاله على نحو 600 ألف بيت مصري هذا العام، إلا أن الثقافة السائدة جعلت من الثانوية العامة مناسبة للندب والإغماء والصراخ وخلق أجواء من الطوارئ في الداخلية (وأحياناً الجيش) والإعلام ومراكز الدروس الخصوصية وغرف المذاكرة وبالطبع في وزارة التربية والتعليم.
وزارة التربية والتعليم من خلال وزيرها الجديد طارق شوقي نجحت في إنجاز التغيير الكبير الذي واجه مقاومة عنيفة إذ بات الطلاب يتلقون «البوكليت» بديلاً من أوراق الأسئلة والإجابة التقليدية، ما سيطر على التسريب وتفوق على «تشاو مينغ» (ملك التسريب)، وقلص ظاهرة الغش الجماعي (وإن ظلت فكرة الغش نفسها قائمة نظراً إلى تقبلها شبه الكامل في المجتمع). يبقى أن الثقافة المتوارثة تأبى أن تتوارى.
تقبع نهى سليم (18 سنة) في أبعد ركن في البيت كلما حان موعد نشرة الأخبار. السرد اليومي لنتائج عينات تصحيح مادة اليوم السابق، والتقارير المذاعة عن حال الطلاب النفسية بعد امتحان اليوم، والإحصاء الدوري عن عدد حالات الغش ومحاولات الهروب بورقة الامتحان ثم المداخلة الهاتفية مع المتحدث باسم وزارة الصحة، تصيبها بتوتر وقلق مضاعفين. تقول: «الموضوع أشبه بحصر ضحايا الحوادث والكوارث. لا أريد أن أعرف عدد حالات الغش، كما أن مجرد الإشارة إلى نسب النجاح يعني أن هناك نسب رسوب وهذا يجعلني أفقد القدرة على التركيز في المذاكرة لفرط التوتر. لكن «كله كوم» وتقرير وزارة الصحة «كوم» آخر تماماً». تقول نهى والدموع تترقرق في عينيها: «هل سأل أحدهم نفسه عن شعوره وهو يستعد لامتحان في اليوم التالي وهو يتابع توصيف حالات الإغماء والحمى ومحاولات القفز من نوافذ اللجان ووفاة ناج عن محاولة انتحار؟!»
انتحر طالب ثانوية عامة شنقاً قبل أيام تاركاً ورقة تشير إلى صعوبة امتحان اللغة الإنكليزية وطلب من والدته ألا تحزن عليه. وقبله انتحرت طالبة ثانوية عامة أيضاً بإلقاء نفسها في النيل، وأخرى من الطبقة الثانية في المدرسة التي أدت فيها الامتحان.
ومن أجواء إقبال طالب على التخلص من حياته لصعوبة امتحان أو لشعوره أن حلمه بالالتحاق بكلية بعينها لن يتحقق أو لخوفه من توبيخ الأهل أو حتى بسبب ضغوط المذاكرة والتحصيل الدراسي الشديدة على مدى عامين إلى الأجواء التي يمعن الإعلام في نقلها وتساهم في ترسيخ ثقافة الضغط والندب المهيمنة على الثانوية العامة. فلا تخلو جريدة أو برنامج تلفزيوني من تقارير مصورة وصور فوتوغرافية لمجموعات الطلاب وهم يستعدون لدخول لجان الامتحان، أو مجموعات الأهالي التي تفترش الأرصفة لساعات أمام اللجان انتظاراً لخروج الابن أو الابنة، أو الطالبات المصابات بانهيار عصبي بعد الخروج من اللجنة. صور البكاء واللطم والإغماء تتكرر في كل يوم من أيام الثانوية العامة حتى لو أجمعت الآراء على أن الامتحان جاء سهلاً وفي مستوى الطالب المتوسط.
متوسط عدد الصور التي تبث صوراً لطلاب سعداء أو تبدو عليهم علامات الاطمئنان عقب الامتحان أقل بكثير من عدد الصور التي تحمل بكاء وعويلاً. ويشير زميل صحافي مسؤول عن ملف التعليم في صحيفة يومية إلى أنه جرى العرف باستخدام صور جاذبة وتحوي عنصر دراما لجذب القارئ، «لذلك أحياناً نختار صورة لطالبات يبكين أمام اللجنة- على رغم أن الموضوع يكون عن سهولة الامتحان، لكنها ثقافة الثانوية العامة المرتبطة بالأكشن والإثارة».
«الأكشن» والإثارة وترسخ ثقافة سلبية قوامها الخوف ومكونها الأساسي التوتر وموروثها يحمل هذا العام الدراسي مسؤولية تحديد مصير الطلاب والطالبات أدت إلى زيادة ضربات القلب وتصبب عرق التوتر كلما ذُكِرت الثانوية العامة بخير أو بشر. صحيح أن الغالبية المطلقة من خبراء التعليم واختصاصيي علم النفس وجهابذة التعليم يؤكدون في مثل هذا الوقت من كل عام أن الثانوية العامة سنة مثلها مثل بقية سنوات الدراسة، إلا أن كل ما يحيط بالطلاب والطالبات وأسرهم سلسلة متصلة تشير إلى أن أنها سنة ليست كغيرها.
تبدأ السلسلة في البيت حيث آمال الأهل وأحلامهم معلقة على التحاق الابن بالهندسة والابنة بالطب، وتعليق الأمنية في رقابهم. لكن الرقاب تتحمل كذلك مسؤولية أخرى ألا وهي تحقيق نتيجة تناسب الاستثمار المالي الذي قصم ظهر الأب والأم مادياً بدءاً بمصروفات المدرسة، مروراً بطلبات الابن، وانتهاء بالدروس الخصوصية العميقة التي تستنزف الموازنة. حلقة أخرى من حلقات الثانوية العامة تقبع في أسلوب التدريس (أو ما تبقى منه) في المدرسة حيث تأكيد لفكرة أن سنوات الدراسة كلها ما هي إلا تمهيد للحدث الأكبر ألا وهو الثانوية العامة. والحلقة الثالثة تكمن في مراكز الدروس الخصوصية التي صارت أمراً واقعاً بعد ما قتلت المدارس في مقتل والتدريس في مقتلين. فالمراكز– بالإضافة إلى التحفيظ والتلقين المؤهلين لليوم الكبير- تغذي أكثر فكرة السنة المفصلية في حياة الطالب. وتتشابك حلقات مسلسل تهويل الثانوية العامة وتجذير ثقافتها الموترة والمثيرة للرعب، حيث خطباء المساجد يذيلون دعاء الفجر بالدعاء لأبنائنا في الثانوية العامة وكأنهم مقدمون على حرب تحرير الوطن، وفقرات الصحة النفسية تعمر بأسئلة عن التعامل مع الابن طالب الثانوية العامة، وهلم جرا.
تقول مي عمران وهي والدة طالبة في الثانوية العامة: «من السهل تحديث نظام الثانوية العامة وتغيير أسلوب الامتحانات، وهو ما حدث بالفعل. لكن كيف نغير الثقافة والطقوس التي ارتبطت بهذا العام، علماً إن الجميع يساهم من دون أن يدري أو يقصد في نشر الخوف وبث الذعر وتأكيد إبقاء الثانوية العامة على مكانتها ك «غول» وليس كسنة دراسية مثلها مثل بقية السنوات»؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.