محمد بن عبدالرحمن يُشرّف حفل سفارة الفلبين لدى المملكة    ولي العهد يتلقى اتصالًا هاتفيًا من مستشار ألمانيا    منتخب التشيك يجهز الأخضر لملحق المونديال    أمير حائل يضع حجر الأساس لإحدى الشركات الوطنية للمواشي    ضبط (6) مخالفين في عسير لتهريبهم (100) كجم "قات"    حرس الحدود بجدة ينقذ مواطنًا تعطلت واسطته البحرية في عرض البحر    يورغن كلوب مصدوم من وفاة ديوجو جوتا    نائب أمير منطقة الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة أبناء عبدالعزيز السالم    إنقاذ طفل ابتلع حبة بقوليات استقرت في مجرى التنفس 9 أيام    رئيس مجلس الشورى يلتقي رئيس وزراء مملكة كمبودي    حمد الله يشارك في تدريبات الهلال    فرع هيئة الأمر بالمعروف بالشرقية ينظم ندوة للتوعية بخطر المخدرات    لجنة الصداقة السعودية التركية في مجلس الشورى تعقد اجتماعًا مع نظيرتها التركية    مدير شرطة عسير يقلد عايض القحطاني رتبة «رائد»    المملكة تقود مبادرات خليجية لتعزيز الأمن السيبراني المشترك    استقرار أسعار الذهب مع ترقب المستثمرين توجهات خفض أسعار الفائدة    "ملتقى خريجي الجامعات السعودية يجسّد جسور التواصل العلمي والثقافي مع دول البلقان"    توقيع اتفاقيات بنحو 27 مليار دولار بين القطاع الخاص في السعودية وإندونيسيا    تأشيرة سياحية موحدة لدول مجلس التعاون.. قريباً    استشهاد 22 فلسطينيًا في قصف على قطاع غزة    رئيس جمهورية إندونيسيا يغادر جدة    أبانمي ترعى برنامج عطاء الصيفي بمشاركة ٢٥٠ يتيم    الأهلي يكشف شعاره الجديد ويدشّن تطبيقه ومنتجاته    صراع قوي في ربع نهائي مونديال الأندية.. نهائي مبكر بين بايرن وباريس.. وريال مدريد يواجه دورتموند    أطلقت مشروع (تحسين الأداء المالي للأندية).. "الرياضة" تنقل أعمال لجنة الاستدامة المالية إلى رابطة المحترفين    شدد على أهمية الانخراط في تسوية سياسية عادلة.. المبعوث الأممي يدعو اليمنيين لإنهاء الحرب    وسط توترات إقليمية متصاعدة.. إيران تعلق التعاون مع وكالة الطاقة الذرية    روسيا: فرصة لتسريع نهاية الحرب.. أوكرانيا تحذر من تبعات تأخير الأسلحة الأمريكية    911 يستقبل 2.8 مليون اتصال في يونيو    غندورة يحتفل بقران «حسام» و«حنين»    جامعة الملك سعود تحذر من خدمات القبول المزيفة    أمطار على جنوب وغرب المملكة الأسبوع المقبل    أنغام: لست مسؤولة عما يحدث للفنانة شيرين عبد الوهاب    التعليم: 500 مليون ريال مبادرات وشراكات لدعم التدريب    49.4 مليار ريال إنفاق الزوار في الربع الأول    القبول في الكليات العسكرية للجامعيين.. الأحد المقبل    "الغذاء والدواء": جميع المنتجات تخضع للرقابة    «الكتابات العربية القديمة».. أحدث إصدارات مركز الملك فيصل    باب البنط بجدة التاريخية.. ذاكرة الأصالة والتراث    تكريم عائلة المشجع المكمل ل«المليونين» في المونديال    المخدرات الموت البطيء    الإنجاز والمشككون فيه    الجامعات السعودية تنظم ملتقى خريجيها من البلقان    أخضر السيدات يخسر أمام هونغ كونغ في التصفيات الآسيوية    اللقاءات الثقافية في المملكة.. جسور وعيٍ مستدام    «تسكيائي» اليابانية.. وحوار الأجيال    الشكوى هدية    الأمير جلوي بن عبدالعزيز يرعى حفل انطلاق فعاليات صيف نجران    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ عدة مناشط دعوية في الجوامع والمساجد    أمير منطقة جازان يشهد توقيع اتفاقيات انضمام مدينة جيزان وثلاث محافظات لبرنامج المدن الصحية    الأمير ناصر بن محمد يستقبل رئيس غرفة جازان    ترامب يهدد بترحيل ماسك إلى جنوب إفريقيا    بلدية المذنب تطلق مهرجان صيف المذنب 1447ه بفعاليات متنوعة في منتزه خرطم    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية بالمنطقة    تأهيل الطلاب السعوديين لأولمبياد المواصفات    انطلاق النسخة الثامنة لتأهيل الشباب للتواصل الحضاري.. تعزيز تطلعات السعودية لبناء جسور مع العالم والشعوب    المفتي يتسلم تقرير العلاقات العامة بالإفتاء    العثمان.. الرحيل المر..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الذكرى ال 140 لولادة صفوت باشاغيتش رائد البحث الحديث في التراث الشرقي للبوسنة
نشر في الحياة يوم 01 - 01 - 2011

بسبب تراكمات الماضي اليوغوسلافي (1918-1991) الذي كانت البوسنة ضحيته على الدوام، نتيجة للتنافس الصربي الكرواتي عليها وتغييب الشعب المسلم صاحب الغالبية فيها، ظلمت شخصيات بوسنوية كثيرة كانت تتمتع بريادة في الحياة الفكرية والسياسية للمسلمين في البوسنة ولم تأخذ حقها سوى بعد إعلان الاستقلال من خلال إعادة نشر مؤلفاتها وإصدار دراسات عنها لمناسبة مئوية ولادتها أو موتها الخ. ومن هذه الشخصيات على سبيل المثال محمد بك قبطانوفيتش (1839-1902)، ورئيس العلماء المسلمين جمال الدين تشاؤوتشفيتش ( 1870-1938 ) والعالم البوسنوي المعروف محمد خانجيتش( 1906-1944)، الذي عرف في العالم العربي الاسلامي باسم محمد الخانجي، والعالم البوسنوي المعروف في العالم العربي الاسلامي حسين جوزو(1912-1982) الخ.
وفي هذه السنة تمرّ الذكرى ال 140 لولادة العالم البوسنوي الرائد في مجالات معرفية عديدة صفوت بك باشأغيتش، الذي ولد في أسرة معروفة غنية في نهاية الحكم العثماني وبرز في الحياة الثقافية والسياسية للبوسنة ولكنه غبن في العهد اليوغوسلافي الى حد أنه اضطر الى بيع مكتبته الغنية بالمخطوطات الشرقية الى جامعة براتيسلافا، التي أعلنتها «يونسكو» أخيراً من التراث الانساني، ولم يعاد الاعتبار إليه إلا بعد الاستقلال. وهكذا فقد أخذت تصدر طبعات جديدة من مؤلفاته الرائدة وونوقشت حوله رسائل أكاديمية كما صدرت عنه دراسات جديدة مثل كتاب د. محيي الدين جانكو «صفوت بك باشأغيتش» (سراييفو 2006)، كما ينتظر أن يصدر كتاب الباحثة المخضرمة ليلى غازيتش «الاعمال العلمي ل د. صفوت بك باشأغيتش» الذي هو في الاصل رسالتها للدتوراة التي ناقشتها في جامعة سراييفو خلال 2008.
ولد صفوت باشأغيتش،الذي اشتهر لاحقاً مع لقبه صفوت بك، في 6/5/1870 في مدينة نفسينه بالبوسنة، في عائلة معروفة ذات تقاليد ثقافية حيث كان والده مهتماً بالتراث الشرقي للبوسنة وجمع المخطوطات باللغات المختلفة، وهو ما ورثه الابن صفوت وتجلى فيه لاحقاً. وفي مثل هذا البيت ولد اهتمامه باللغات الشرقية (العربية والتركية والفارسية) التي ألفت فيها المؤلفات العديدة المتعلقة بالتاريخ والادب في البوسنة خلال الحكم العثماني الذي انتهى في طفولة صفوت (1878 ) مع الاحتلال النمسوي للبوسنة الذي جاء بتوصية من مؤتمر برلين آنذاك. ولكن هذا الواقع الجديد فتح باباً جديداً أمام الشاب صفوت حيث توجه الى جامعة فيينا في 1895 ليدرس في قسم اللغات الشرقية، وبهذا كان أول مسلم بوسنوي يدرس اللغات الشرقية في جامعة أوروبية بحسب المناهج الحديثة.
بعد عودته الى سراييفو في 1900 اشتغل أولا في المدرسة الثانوية الكبرى كأستاذ للغة العربية، وبدأ اهتمامه بالصحافة والكتابة في الامور الفكرية والتاريخية والدينية والادبية الى أن قرر في 1906 العودة الى جامعة فيينا للتسجيل في برنامج الدكتوراة، حيث ناقش في 1910 رسالته للدكتوراه بالالمانية «إسهام البشانقة والهراسكة في الادب الشرقي»، التي نشرها في سراييفو بالبوسنوية في 1912 تحت عنوان «البشانقة والهراسكة في الادب الاسلامي: إسهام في التاريخ الثقافي للبوسنة والهرسك». وتجدر الاشارة هنا الى أن مصطلح «أدب» كان يقصد به كل ما كتب باللغات الشرقية في الادب أو في اللغة والتاريخ والجغرافيا والرحلات والعلوم الدينية الخ.
وقبل نشر أطروحته هذه، التي فتحت الباب لحقل معرفي سيتواصل البحث فيه طيلة القرن العشرين، كان صفوت باشأغيتش قد أصبح اسماً معروفاً بسبب مؤلفاته التي نشرها خلال 1900- 1910 وأفكاره الرائدة في مختلف المجالات التي كتب فيها. ففي 1900 نشر كتابه «تاريخ موجز للبوسنة والهرسك 1463-1850» ومسرحيته «عبد الله باشا» التي استلهم فيها تاريخ البوسنة خلال الحكم العثماني، بينما نشر في 1905 أول مجموعة شعرية له بعنوان « أفكار وأحاسيس «، وأصدر في 1907 كتابه عن الوالي البوسنوي المعروف خسرو بك الخ. وفي غضون ذلك كان ينشر في الصحافة المحلية (بهار) خلال 1903- 1904 مقالاته المتعلقة بالاسلام، وبالتحديد التي سعى فيها الى تفسير عصري للأحاديث النبوية، وهي ما لقيت ترحيباً من الاوساط المتنورة وتحفظاً من الاوساط المحافظة.
ومع هذا النتاج المتنوع الذي تتوج في 1910 بعودته من جامعة فيينا بشهادة الدكتوراه تلقى د. باشأغيتش عرضاً من جامعة زغرب لكي يرأس الفرع الجديد للغات الشرقية. ولكن باشأغيتش حينها استهوته السياسة حيث انتخب في 1910 عضواً في البرلمان البوسنوي الجديد الذي تأسس بعد ضم البوسنة لامبراطورية هابسبرغ في 1908. وقد صعد باشأغيتش في هذا المجال حيث أصبح نائب رئيس البرلمان ثم رئيساً له.
ولكن هذا الصعود السريع في المجال السياسي تبعه هبوط سريع مع هزيمة فيينا في الحرب العالمية الاولى وتفكك الامبراطورية وضم البوسنة الى الدولة الجديدة التي تشكلت على أنقاضها (يوغوسلافيا). ففي الدولة الجديدة طال الاصلاح الزراعي بشكل متعمد كبار الملاكين المسلمين في البوسنة، حيث وجّه هذا ضربة قوية لأسرة باشأغيتش. ومن ناحية أخرى فقد انكمش باشأغيتش في الدولة الجديدة التي لم ترحب بوجود المسلمين فيها، واقتصر نشاطه على العمل في متحف المدينة خلال 1919-1927، حين أثرت الظروف الصعبة عليه وأصبحت الفاقة تلاحقه في مرضه ما اضطره الى بيع مكتبته الغنية بالمخطوطات الشرقية الى جامعة براتيسلافا، التي خصصت لها ركناً مميزاً. وفي هذه الظروف توفي في 9/4/1934 وأقيمت له جنازة لم تشهد لها سراييفو مثيلاً حتى ذلك الوقت، حيث كان على رأس المشيعيين رئيس العلماء المسلمين في يوغوسلافيا سالم مفتيتش وزعيم المسلمين في البوسنة د. محمد سباهو وكبار الشخصيات الدينية والثقافية في البوسنة.
وبعد الحرب العالمية الثانية وتشكل يوغوسلافيا الفيدرالية تحت حكم الحزب الشيوعي الجديد لم تكن المعايير الجديدة لكتابة تاريخ الادب وتاريخ البوسنة تعطي المرحوم صفوت باشأغيتش المكانة التي يستحقها في تاريخ وأدب البوسنة. فقد كان باشأغيتش من الادباء الرواد في الشعروالقصة والمسرحية كما كان من الباحثين الرواد في التراث الشرقي للبوسنة خلال الحكم العثماني، وأول مسلم في البوسنة يحصل على دكتوراة في اللغات والاداب الشرقية، ولكن النظرة الاديولوجية له باعتباره «ممثلا للطبقة الرجعية» منعت أن يكون له حضوره حتى في الدراسات التي تتناول أدب وثقافة البوسنة في ذلك الوقت.
ومع أن باشأغيتش بدأ يستعيد مكانته بتواضع في سبعينات القرن العشرين، بعد أن حصل المسلمون في البوسنة على الاعتراف بقوميتهم في احصاء 1971، حيث صدرت له «الاعمال المختارة» في 1971 كما وأعيدت طباعة كتابه «البشانقة والهراسكة في الادب الاسلامي» في 1986، إلا أن باشأغيتش لم يسترد اعتباره إلا بعد استقلال البوسنة في 1992 حيث صدرت عدة طبعات من أعماله ودراسات متنوعة أشملها دراسة د.محي الدين جينكو أستاذ الادب في جامعة سراييفو.
وفي انتظار صدور كتاب الباحثة المخضرمة في معهد الدراسات الشرقية بسراييفو د. ليلى غازيتش عن صفوت باشأغيتش خلال هذه الأيام التي تتزامن مع الذكرى ال 140 لولادته قد يُعاد الاعتبار إليه كشخصية علمية وأدبية رائدة خلال المرحلة الانتقالية للبوسنة من الحكم العثماني الى الحكم النمسوي (1878-1918).
* أستاذ التاريخ الحديث في جامعة آل البيت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.