"المركز الوطني لإدارة الدين" يكمل ترتيب خامس عملية شراء مبكر محلية تقوم بها المملكة    أمير القصيم يكرم 7 فائزين بجائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز    استئصال ورم كبير ينهي معاناة ستيني من انسداد الأمعاء في القصيم    السفارة السعودية في مصر: باشرنا الاتصالات مع الجهات والرسمية والأمنية للبحث عن «هتان»    فيتوريا يتحدث عن رأيه في موسم كاسترو مع النصر    حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة تبوك    اليوم.. انطلاق (معرض الكيف للقهوة والشوكلاته) بمشاركة أبرز المتخصصين والعلامات لتقديم تجربة فريدة في موطن القهوة    قطاع القحمة الصحي يُقيم فعالية "اليوم العالمي للتدخين"    انتظام لاعبي الأخضر في معسكر الرياض    جوازات مطار الملك عبدالعزيز بجدة تستقبل رحلات ضيوف الرحمن القادمين من سوريا    سفارة السعودية في المجر تنبه المواطنين بضرورة الابتعاد عن مناطق المظاهرات في بودابست    هلال الباحة يشارك في اليوم العالمي للتمريض    الخريف يبحث في هولندا توطين الصناعات الطبية    الانضباط ترفض شكوى الاتحاد ضد مالكوم وسعود    تراجع أسعار الذهب للجلسة الثانية على التوالي    فرع الإفتاء بمكة المكرمة ينفذ سلسلة دروس علمية    سفير المملكة لدى المغرب: مبادرة طريق مكة أسهمت في تقديم خدمات متطورة ذات جودة عالية    "فلكية جدة": القمر في التربيع الأخير.. اليوم    تدشين فرع الصندوق الجديد بالهوية المعمارية المحدثة في جدة    وزير الخارجية يشارك في الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي الصيني    محافظ الدوادمي يترأس الاجتماع الثاني للمجلس المحلي    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم مدينة نابلس شمال الضفة الغربية    وزير الخارجية يصل الصين للمشاركة في منتدى التعاون الصيني العربي    رياح مثيرة للأتربة على منطقتي مكة والمدينة وارتفاع ملموس في درجات الحرارة العظمى بالشرقية    أمير حائل يدشن عدداً من المشروعات التنموية    مطالبة شورية بزيادة الرحلات الداخلية وإنشاء مطارات    عبدالعزيز بن سعود يلتقي مدير عام مكافحة المخدرات في منطقة جازان    إمارة منطقة مكة تشارك بمعرض ( لاحج بلا تصريح ) بمحافظة الطائف    حل طبي يمكّن المكفوف من «رؤية» الأجسام    أمير حائل يرعى التخرّج الموحد للتدريب التقني    حسام بن سعود يكرّم 29 فائزاً وفائزة بجائزة الباحة    صوت صفير البلبل.. التفكير خارج الصندوق    عبيد التفاهة.. وقاحة حمقى.. قباحة خرقى    وزير الداخلية يدشن عدداً من المشروعات في منطقة جازان    جانب الظل    بين الإيمان والثقة    حجاج بنغلاديش: «ضيوف خادم الحرمين» امتداد لعطاءات المملكة بخدمة الإسلام والمسلمين    سمو أمير منطقة الباحة يناقش في جلسته الأسبوعية المشروعات التنموية    وزارة الموارد البشرية والجمعيات الخيرية يطلعوا على تجربة منتجع اكرام الوطني    العلاج بالخلايا الجذعية إنجاز علمي للشفاء من السُّكري تماماً    هذا السبب يجعلك تنام وفمك مفتوح !    لا تستفزوا الهلال !    أهمية الطيران في الاقتصاد السعودي    محاولات فك الشراكة السعودية - الأمريكية !    بداية من الموسم الرياضي الجديد 2024-2025 .."حراس المرمى" في دوري "يلو" سعوديون    الأمير سلمان بن سلطان يرعى حفل تكريم الكفاءات المتميزة بتعليم المدينة    المدافع الإيطالي المخضرم ليوناردو بونوتشي يعلن اعتزاله    إطلاق جائزة الفريق التطوعي بالقصيم    ربط رقمي بين الصندوق الصناعي و«تنفيذ»    رونالدو يتسلم جائزة هداف دوري روشن    ضمن رؤية المملكة 2030 .. الهلال الأحمر يستعد لخدمة ضيوف الرحمن    اللجنة المشتركة بحثت مبادرات التقنية والابتكار.. تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية مع النمسا    تكثيف الحشد الدولي للاعتراف بدولة فلسطين    تعزيز التعاون القانوني مع كوريا    أمير الشرقية يتفقد خدمات المستفيدين بالإمارة    مايو زعيم التوعية الصحية عالميا    وزير الداخلية يلتقي القيادات الأمنية في منطقة جازان    6 أنشطة ابتكارية عالمية لسعوديين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«غربة الروح» أو سيرة الشاعر من خلال شعره
نشر في الحياة يوم 13 - 11 - 2010

هذا كتاب «غربة الروح: قراءة في شعر إبراهيم السامرائي» تأليف الدكتور أحمد مطلوب (منشورات المجمع العلمي العراقي)، يتتبع سيرة الشاعر من خلال ما يجعل منه موضوعاً لقراءته، وموضوعه هو «الغربة» التي يجدها المؤلف «غربة روحية» فضلاً عن كونها غربة مكانية، فيتخذ في قراءته لها سبيل «القراءة الوصفية»، لا النقدية، وذلك لأن غايته، كما تبدو من مسار الدراسة، هي أن يجلو صفحة حياة اتسمت بسمة المعاناة، فيتتبعها مسارات وتحولات أكثر مما ينحو منحى تقويم القول فيها تقويماً نقدياً.
وإذا كان «غريب الروح» هذا هو العالم اللغوي الكبير الدكتور إبراهيم السامرائي، الذي عُرف بدراساته اللغوية للشعر، قديمه وحديثه، وببحوثه الرائدة في فقه اللغة المقارن، فإن متتبع مسار غربته، بما وجد فيها من موضوعات شكلت فصول كتابه، هو الدكتور أحمد مطلوب: رجل الدراسات البلاغية والباحث في «المصطلح النقدي» بشقيه البلاغي والأدبي، وقد عُرف بما كتب: درساً للأدب والبلاغة، وبحثاً في معطياتهما، ونقداً لهذه المعطيات في ما كان منها من صور أدبية.
تتوزع فصول الكتاب بين «الرحلة» تتبعاً لسيرة السامرائي الحياتية والعلمية ما بين النشأة والدراسة والثقافة والتأليف، و «الغربة» التي يجدها وقد توزعت عنده بين الشعور بها والشكوى منها، وبين «الحنين» الذي يأخذ «غريب الروح» الى مجاليه الأولى، و «غريب الدار» الى موطنه الذي أُضطرته ظروف الحياة ومجافاتها له الى سلوك سبيلها، والتي ما تلبث أن تتحول الى «شجون» تتوزع بين الرثاء والعتاب والغزل، وله في هذا كله «استلهاماته» التي يحددها الباحث بين النثر والشعر في قديمه، والشعر في حديثه، ليخلص منها الى تعيين «الملامح» التي يتوقف فيها على ما يحدد شخصية الشاعر وموضوعات شعره، بما لهذه الموضوعات من خصائص.
فإذا كانت «الرحلة» قد ضمت من التفاصيل الحياتية والعلمية والمعرفية التي أخذت العالم - الشاعر في تحولاتها وتبدلاتها، أمكنة وأزمنة، فإنها جعلت من سعيه وراء العلم والاستزادة من المعرفة ما كان سبيله الى بناء الشخصية بناء متيناً هو الذي أنتج ما أنتج، وأعطى كل ما أعطى، لتكون البداية من هناك: كفاحاً من أجل العلم، وصبراً على «الآخرين» الذين أرادوا الحيلولة بينه وبين ما له من حقوق العالم، وهو الذي أمضى «سبعاً عجافاً»، على حد وصفه لها، منقطعاً للعلم، عازفاً عن طلب شيء مما كان لها من حياة، وقد كتب عنها في مذكراته يقول: «ما كنت أحسبني في باريس التي لها في تصور من لم يرها صور رسمها الخيال البديع. غير أني ما عرفت هذا، وإن كان فيها شيء منه، فليس لي ولا لجمهرة العاملين من طلاب وغيرهم» (ص16).
ويتابع شعره الذي كان، في معظمه، في حياته من بعد باريس وسنواتها، وقد أضناه احساس بالشقاء، وشعور بثقل الحياة عليه، فإذا هو يتساءل «عن الأيام والأوهام والربع الجديب» فلا يجد أمامه سوى «أضغاث أحلام». ويلاحق المؤلف حياته بتفاصيلها اليومية معتمداً في ذلك مرجعين: ما دوّنه السامرائي بنفسه من «حديث السنين»، وما ألمّت به ذاكرة المؤلف عنه، وهو الذي عايشه وزامله في شوط غير قصير من تلك الحياة، فإذا هو الشاهد على رجل علم كان «يتمنى أن يكون للصدق صوت» (ص25). وأما في الشعر فإن «الغربة» هي أولى الموضوعات التي يتناولها الكتاب، وهي بالنسبة للسامرائي، الإنسان والشاعر، غربة «روح سببها غربة المكان والغياب عن الأهل، معها «افتقد رغائبه»، كما قال في واحدة من قصائده.
ويكشف شعره، كما يجلو الكتاب ذلك، عن جذور الغربة عنده، وهي التي تكونت شعوراً، ونمت احساساً، لتلتقي وتعمق في غربة عن الدار، والأهل، والصحب.. وهو احساس، كما تكشف عنه سيرته وشعره، نمته عوامل عدة، وعمقته العزلة التي كان ينقطع فيها للعلم والدرس، وجذّرته الوحدة التي كان يسكن إليها في كثير مما يختار، أو يجد نفسه فيه، وهو الذي يقر بأنه «جرّب تجربة العيش وحيداً» منذ أيام دراسته في باريس (1948-1956) التي عاشها بخلاف زملائه، إذ لم يعرف من متع الحياة فيها شيئاً سوى الدرس، والكتاب، والمكتبة.
إلا أن المؤلف لا يجد في هذه «الوحدة» و «العزلة»، التي كانت من اختياره، أن نفسه كانت ترتاح إليها وتطمئن، وإنما كانت «تثير الوحشة والألم» (ص41)، فقد كان، كما قال في واحدة من قصائده، «أليف أحزان كئيب»، وإن تبدل به المكان واختلف.. «وكان هذا الحزن يسعّر شعوره بالغربة» (ص43) وقد داخلته في هذا مشاعر وأحاسيس غريبة، كمثل قوله: «أُحسّ أنيَ أُبعدت عن عمري/ وقد جهلت المكان والزمنا». فالدار عنده «أُنس وأهلُ». ويوم وجد نفسه يصرخ من أعماقه ويقول متسائلاً: «أنا لاجئ عفّ الضمير، فهل وعيتَ أسى اللجوء؟» كان أن وجد المصير قد ساء بعد أن لاقى «أسىً في موحشٍ حاضرِ» وقد أرته الغربة «رأي العين غول سباتها». أما حين وجد العصر قد ساءه فتساءل في وجهه سؤال تحدٍ: «أين العصر من فني ونظمي؟». ويصل المؤلف الباحث من استقصاء ما قال في هذه الغربة الى أنها «غربة روح» وإن كان مثال التعبير عنها «غربة الفكر»، مستدلاً على ما ذهب فيه بقول الشاعر: «هي غربة للفكر غيل/ بريقه واللمح خابي». وقد رأى أن مثل هذه الغربة إنما هي «محنة للأكرمين».
وينبثق «الحنين» عنده من هذه الغربة، حيث توقان النفس.. كما قد يعبر هذا الحنين عن حسرة ويأس، وقد يكون حنيناً الى ما يشغل فكر الإنسان ويتصل بحياته.
وكما أن لكل موضوع تتبعه المؤلف في شعر الشاعر جذوراً تمتد في حياته الأولى، ومنها راحت تنمو وتكبر لتؤلف، في الآخر، احساساً بالمأساة في بعديها: الفكري والوجودي.. يجده قد «عاد من أمسه بخيبة أورثته الشكوى المؤلمة» (ص68). وفي ما يورد له من نصوص شعرية نجده يضيق بالغربة «التي أورثته حزناً مقيماً» (ص70)، مشيراً الى ما تتخذه قصائده من عنوانات دالة، من قبيل: «حنين ونجوى» و «الحنين المر»، كما يجعل عنوان أحد أعماله الشعرية «حنين الى الكلم الضائع».
وتأخذه «الشجون» التي يفرد لها المؤلف فصلاً آخر يرى فيه أنه كما آلمته الغربة والبعاد عن الوطن «آلمه الخلف بين العرب وسيطرة الإقليمية والتنكر لكل عربي غير مواطن...» (ص93). كما آلمه «شبح الحدود» المفروض بين العرب في وطنهم الكبير وقد شقي بظله، كما يقول. ومن تمسكه هذا بعروبته جاء تمسكه بلغتها، وقد سيّر هواها في نفسه - على حد تعبيره.
على الضد من هذا الموقف جاء موقفه من عصره الذي وضع الإشادة به في عداد الغرائب، فقد أبغض فيه ما وجد من «بريق زخارف» ليس إلاّ، فضلاً عن إنكاره عليه «تناقض أهله». ومن سوئه عصراً أن تحكّم أراذل ناسه بأخيارها، وكأنه يذمّ الى هذا الزمان أهيله، كما فعل سلفه المتنبي قبل أكثر من ألف عام.
أما موقفه في الشعر فهو موقفه في الحياة: موقف قائم على أساس أخلاقي. لذلك لم يمدح سوى الأمة تاريخاً وحضارة ومجداً، واللغة العربية لساناً وآصرة، منكراً على الشعراء، سواه، «مدحهم للأرذلين وما اصطفوا».
فإذا ما بلغ المؤلف في قراءته هذه موضوع «الاستلهام»، ويعني به «ما يلقى في القلب من معان وأفكار» (ص115) تتداعى الى معاني الشاعر وأفكاره، وجد القرآن أكبرها أثراً في لغته ومعانيه، الى جانب «الموروث النثري»، وكذلك الشعر الذي يمتد استلهامه منه من امرئ القيس الى ميخائيل نعيمة ومحمود حسن إسماعيل. (ص127) وينتهي البحث بالمؤلف الى تعيين «الملامح»، ويعني بها السمات العامة لشعر الشاعر موضوع الدراسة، فيتتبع مسيرة شعره، والدوافع التي دفعته الى القول وحوافزه، ليجلو ما في شعره من خصائص ذاتية، وأخرى قومية، فيقول عن شعره إنه كان «ينبع من معاناته، ومن ثقافته التي كان طابعها العام التراث...» (ص153)، إذ «يبدو أثر التراث واضحاً في شعره» (ص154)، في الوقت الذي لم يكن فيه «بعيداً عن العصر، فقد عاش الثقافة الجديدة وعرفها (...) ولكنه لم يبهر بكل ما قرأ»، بعد أن وجد كثيراً «منه لا يرقى الى التفكير السليم» (ص155).
ويجد المؤلف أن ما ظهر من سمات وملامح في شعر الشاعر «كان من أثر ثقافته اللغوية، وتخصصه بعلوم اللغة العربية وتضلعه منها»، فتسرب «الى شعره اللفظ الغريب الذي قلّ استعماله في العصر الحديث» (ص170)، وهو الذي «التزم بأصول الشعر العربي القديم لغة وأسلوباً، ولم ينهج نهج دعاة الحداثة الذين كانت له عليهم كثير المؤاخذات» (ص179).
لقد جمع المؤلف في كتابه هذا بين الذكريات الشخصية عن الشاعر بما يجلو معالم شخصيته، وبين المتابعة لتطوره الشعري رؤية وموقفاً، لا فناً. وإذا كان قد اتبع في قراءته هذه «المنهج الوصفي»، كما قال وأشار من البداية محدداً طبيعة دراسته، فإن ما جاء به يمكن أن يشكل دليلاً حياً الى شخصية الشاعر وشعره، وقد يتخطى ذلك، في بعض الإشارات، الى مجاله الآخر: اللغة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.