قرار تغيير رئيس تحرير صحيفة في البلاد العربية بخطورة قرار حرب. إقالة رئيس تحرير جريدة لا تختلف عن إقالة وزراء الخدمات التي تمس حياة المواطن. وإغلاق جريدة أصعب من إغلاق بنك. يرتبك بعض الأنظمة السياسية العربية إذا تعامل مع تعيين رؤساء التحرير، وإبعادهم. ما هو سر هذا الاهتمام والارتباك، رغم أن حرية الصحافة ليست في خير، وموقع الصحف في خريطة التأثير والانتشار تغير في شكل كبير؟ تدخل الحكومات العربية في تعيين رئيس التحرير وفصله دليل على ان الصحف في البلاد العربية ملكية رسمية. واستمرار الاهتمام على هذا النحو ليس مؤشراً الى تعاظم دور الصحف، بل هو دليل على بلادة البيروقراطية الحكومية. إذ ان الحكومات لا تزال تتصرف على اساس ان الصحف خارج ربقتها، ورئيس التحرير يتصرف في شكل مستقل، وتوجهاته تعبير موضوعي عن الناس، ولهذا لا بد من ضبط المسألة. البيروقراطية الحكومية لم تشعر بالتغيير، ولهذا تستنفر طاقاتها، وكأنها في صدد قرار حرب إذا أرادت طرد أو تعيين رئيس تحرير، متجاهلة أن رئيس التحرير مسؤول في الحكومة، أو يعمل في شركة تأتمر بأمرها. المثير هنا ان الحكومات والجهات الرسمية تعتقد بأن الصحف هي الأقوى في صناعة الاتصال الجماهيري والإعلام. ولهذا فهي لا تسأل عن تعيين رؤساء شركات الاتصالات والوسائط الإلكترونية، رغم أن تأثير هؤلاء لا يقارن برئيس تحرير تصل صحيفتة الى 30 ألف قارئ على أكثر تقدير، فدور رئيس شركة اتصالات بات أكثر أهمية من الصحف العربية مجتمعة، ورسالة نصية يمكن ان تصل الى ملايين البشر خلال ثوان، وتترك تأثيراً لم ولن تصله الصحف العربية. بل إن الصحافيين الذين تعتقد الحكومات بقدرتهم على تحريك الجماهير والتأثير في الرأي العام، اصبحوا كذلك لأن الوسائط الحديثة أصبحت تهتم بهم، وتنقل ما يكتبون. هذه ليست دعوة لسيطرة الحكومات على شركات الاتصالات، ومواقع الإنترنت. لكن من المثير للشفقة استمرار الدول العربية في صنع الأوهام وتصديقها. فضلاً عن أن الدولة التي تقلقها جريدة وتخشى رئيس تحرير، تعاني من أزمة حقيقية، مع الاحترام لكل رؤساء التحرير الكرام.