«ستكون بلادنا بدءاً من الإثنين المقبل أكثر انقساماً، أو بالأحرى مشطورة إلى طرفين»، هذا ما أعلنه زعيم حركة «خمس نجوم» الكوميدي السابق بيبي غريلّو، مختصراً ما سيفيق عليه الإيطاليون غداً، بعدما تظهر نتائج الاستفتاء الذي طرحه رئيس الحكومة ماتّيو رينزي (41 سنة) بهدف إجراء إصلاح دستوري يُعيد صوغ مصادر التشريع في إيطاليا ومنابعه عبر تحجيم دور مجلس الشيوخ والحدّ من صلاحياته وتجريده حق التصويت على الثقة بالحكومة، وتحويله إلى «غرفة تمثيلية» للمقاطعات الإيطالية ب «سلطة» استشارية فحسب، سعياً إلى تأمين استقرار سياسي أكبر لبلد توالت عليه 60 حكومة منذ عام 1946. وما صرّح به غريلّو ليس نداء ل «الوحدة الوطنية» بل لتثبيت منطقه الرامي إلى هدم بنيان الطبقة السياسية التي قادت إيطاليا منذ منتصف القرن ال 20 إلى الغرق في الأزمات والمصاعب وتحت جبال من الدين العام. كما تضمّنت كلماته عرضاً للناخب الإيطالي لمنحه، وحركته الاحتجاجية، تفويضاً انتخابياً أوسع في جولة الاقتراع المقبلة التي قد تُعقد الربيع المقبل، فأياً كانت نتيجة الاستفتاء، وأياً كان الرابح أو الخاسر، فسيطالب بعودة الناخبين إلى صناديق التصويت قبل الموعد الأصلي المحدد في ربيع عام 2018. وإذا نجح رئيس الحكومة في مسعاه لتمرير الإصلاح الدستوري، سيستغله ليحصل أخيراً على تفويض انتخابي لا يملكه حتى الآن، كونه يجلس على كرسي رئيس الحكومة باعتباره زعيماً للحزب الديموقراطي، وليس باعتباره مالكاً للتفويض الانتخابي من جانب الشعب. وفي حال الهزيمة، فإن مشهداً «بريطانياً» يكون قابلاً للحدوث في روما أيضاً على غرار فشل رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كامرون بتمرير استفتائه الذي قاد في ما بعد إلى ما عُرف ب «بريكزيت»، واضعاً حداً لحضوره السياسي في المملكة المتحدة، تاركاً وراءه معضلة سياسية ودستورية ليس لبريطانيا وحدها بل للاتحاد الأوروبي. وراهن رينزي كثيراً على هذا الاستفتاء وعلى رغبة الإيطاليين في التجديد، إلاّ أنه، ربّما ارتكب خطأً إستراتيجياً بربط بقائه في الحكم بالنتيجة المرتقبة. وعلى رغم أنه خفّف في الأسابيع الأخيرة من نبرة «الوعيد» بالاستقالة في حال فشله، فقد تمكّن من تحقيق ما عجز عنه كثيرون، أي توليد جبهة عريضة من داعمي إسقاط الاستفتاء تضم قوى وشخصيات من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، تعمل جميعها على الإسراع في خروج هذا التوسكاني الشاب من المشهد العام، وجعل مروره في فضاء السياسة الإيطالية كشهاب سريع يختفي في الأفق. وتضم الجبهة المناهضة لرينزي، للمرة الأولى «فورزا إيطاليا» حزب رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلوسكوني واليمين المتطرّف والوسط المعارض، إلى جانب رابطة الشمال ومعارضين من داخل حزبه (الديموقراطي)، إضافة إلى اليسار الشيوعي. وما يزيد من ثِقل هذه الجبهة المناهضة هو وقوف حركة «الخمس نجوم» بزعامة غريلّو الذي يتربّص برينزي في أي منعطف، فما بالك في منعطف استفتائي قد يؤدّي إلى وادٍ سحيق؟ عموماً وأياً تكن النتيجة غداً، لن يكون الفارق بين عدد المقترعين ب «نعم» أو ب «لا» كبيراً، وقد نشهد سجالات حول عمليات تزوير فعلية أو مُفترضة. لكن ما هو مؤكّد بالفعل أنّ إيطاليا ستشهد انقساماً عميقاً لن يستفيد منه مستقبلها الأوروبي، لأن تلك النتيجة، وببساطة، ستزيد من تأثير القوى المناهضة للاتحاد الأوروبي في هذا البلد.