وزير الإسكان يشهد توقيع اتفاقية تطوير وإنشاء 589 وحدة سكنية في ضاحية الفرسان بقيمة تقارب مليار ريال    اليمن: عبوة ناسفة جرفتها السيول في مديرية بيحان بشبوة تصيب مدنيين أحدهما طفل    «الدفاع المدني»: أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة بدءاً من غدٍ وحتى الثلاثاء القادم    رئيس جامعة الملك خالد المكلف يرعى توقيع اتفاقية تعاون مع معهد الابتكار العالمي    خبراء: المساعدات تمكن أوكرانيا من تجنب الهزيمة    تقرير الأونروا يفضح مزاعم الاحتلال ويحصد الإشادات وانضمام ألمانيا    الهلال يعلن تعرض سالم الدوسري لإصابة في العضلة الخلفية    الأخضر تحت 23 عامًا يبدأ الاستعداد لمواجهة أوزباكستان في ربع نهائي كأس آسيا    معرض برنامج آمن يشهد في يومه الرابع حضوراً لافتاً من أهالي المنطقة الشرقية    وزير الصحة : اعتماد منظمة الصحة العالمية لتبوك كمدينة صحية ثمرة اهتمام القيادة ودعم أمير المنطقة    معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتفقد مبنى هيئة محافظة جزر فرسان ويستقبل المواطنين    يوكوهاما الياباني يواجه العين    محمد بن عبدالرحمن رئيسا فخريا لأصدقاء اللاعبين    وزارة الخارجية: المملكة ترحب بنتائج تقرير اللجنة المستقلة بشأن أداء «الأونروا»    الديوان الملكي: الملك سلمان غادر مستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة بعد أن استكمل الفحوصات الروتينية    أمير حائل يرفع الشكر والامتنان للقيادة على منح متضرري «طابة» تعويضات السكن    أمير عسير يواسي أسرة آل جفشر    انطلاق أعمال المؤتمر السادس عشر للمستجدات في طب الأطفال    حفل معايدة بجمعية الفصام    تحديد مواعيد واماكن مباريات الجولات الاربع الاخيرة من دوري روشن    كاسترو يعود لقيادة تدريبات النصر    جامعة جازان تزف 9 آلاف طالب وطالبة    «الأونروا» تطلق حملة لجمع 1.21 مليار دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية في غزة والضفة    تعليم جازان: إنهاء إجراءات المقابلات الشخصية والمطابقة ل567 مرشحاً ومرشحة    33 مليون مصل بالمسجد النبوي في رمضان    ضبط يمني في عسير لترويجه (20) كجم «حشيش»    في السعودية.. 99% نمو انتشار استخدام الإنترنت.. 44 جيجا بايت استهلاك الفرد في الشهر    مانشستر سيتي يفقد جهود هالاند أمام برايتون    سبعُ قضايا ملِحَّة على جدول أعمال الدورة ال46 للمجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي    أمير الشرقية: دعم القيادة الرشيدة كان له أكبر الأثر في اكتمال مشروع توسعة وتطوير مطار الأحساء الدولي    "تقييم الحوادث" يفند مزاعم استهداف (منزل مدني) في مديرية الجراحي بمحافظة (الحديدة)    جازان.. سلة فواكه السعودية    صندوق النقد يدشن مكتبه الإقليمي بالرياض    إتاحة رخص الأشياب غير الصالحة للشرب إلكترونياً    بمشاركة 65 متدرباً ومتدربة على مستوى المملكة: تدريب المعلمين والمعلمات على منهجية STEAM بتعليم عسير    مبادرة سعودية بريطانية لبناء شراكات تنموية    لجنة الصداقة البرلمانية السعودية الأمريكية في مجلس الشورى تلتقي بوفد من الكونجرس الأمريكي    تحت رعاية وزير الداخلية.. "أمن المنشآت" تحتفي بتخريج 1370 مجنداً    الشورى يطالب بتمكين موظفي الحكومة في ريادة الأعمال    أمير منطقة الرياض يستقبل أمين المنطقة    «الموارد»: 77% نسبة الصلح في الخلافات العمالية.. و4 محاور لمكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص    ترشيح "واحة الإعلام" للفوز بجائزة الأمم المتحدة لمشروعات منتدى القمة العالمية لمجتمع المعلومات "WSIS 2024"    النائب العام يُقرّ إنشاء مركز برنامج حماية المبلغين والشهود والخبراء والضحايا    فائدة جديدة لحقنة مونجارو    مبادرة 30x30 تجسد ريادة المملكة العالمية في تحقيق التنمية المستدامة    يوفنتوس يبلغ نهائي كأس إيطاليا بتجاوزه لاتسيو    وزير الدفاع ونظيره البريطاني يبحثان التعاون والتطورات    إشادة عالمية بإدارة الحشود ( 1 2 )    دورة حياة جديدة    أمير تبوك: عهد الملك سلمان زاهر بالنهضة الشاملة    أضغاث أحلام    الدرعية تكشف تفاصيل مشروع الزلال    طريقة عمل ديناميت شرمب    طريقة عمل مهلبية الكريمة بالمستكه وماء الورد    أتعبني فراقك يا محمد !    أمير الشرقية يرعى تخريج الدفعة 45 من طلبة جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل    سعود بن نايف يشدد على تعريف الأجيال بالمقومات التراثية للمملكة    محافظ الأحساء يكرم الفائزين بجوائز "قبس"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من قتل الفن السابع؟
نشر في الحياة يوم 06 - 10 - 2010

في أواخر ربيع 2007، الى مائدة في تولوز الفرنسية كان يجلس إليها ويأكل عدد من النقاد والروائيين بينهم جوناثان كو، اختبرت فكرة تراودني منذ بعض الوقت. فقلت لمؤاكليّ: السينما ماتت على رغم صناعة الأفلام المستمرة وتوافد المشاهدين الى صالات العرض، ولكن السينما ليست أو لم تعد المثال الروائي والسردي الغالب، وانتهت غلبتها غير المنازعة طوال قرن من السنين على مخيلة معظم سكان العالم. وردّ جوناثان كو، وهو يغالب قطعة لحم في صحنه، فقال: السنة المنصرمة، كنت عضواً في لجنة تحكيم مهرجان السينما بأدنبره، وتبارت في المهرجان عشرة أفلام بريطانية ولم يُعرض واحد منها في صالات العرض، وأقول لم يعرض فيلم واحد.
وقلت في نفسي: إذا ماتت السينما حقاً فينبغي أن يكون قاتل تولى قتلها. وحين زرت لوس أنجيليس، في الخريف التالي، التقيت وكيلتي الأدبية منذ زمن طويل، ستيفي روزينبلوم، في صالة استلهمت إطارها من لوحة موندريان «مقهى بينو»، غير بعيد من مكتبة لوس أنجيليس العامة وعمارتها التي تشبه عمارة بعثة إسبانية. وبدا لي الإطار أشبه بإطار «فيلم (بوليسي) أسود». فحملني الشبه على الإسرار الى ستيفي بأن أمراً، أو أحداً، قتل السينما. وانتظرت ردها السريع على ملاحظتي. فهي ولدت بلوس أنجيليس ونشأت فيها، وعملت في صناعتها السينمائية.
وبعد صمت طويل قالت: آمل في أن تشهد السينما نهاية على شاكلة نهاية المسرح، وتبقى صورة تعبير ثانوية وموقرة، وتحضن أعمالاً مبتكرة... ولكنني اليوم لا أعلم ما رأيي. فسالتها، معولاً على ما قالته: فمن قتل السينما، يا ترى؟
فقالت: قد يكون القاتل مايك أوفيتز وزبائنه وأنواتهم المنتفخة، أو قد يكون التأثيرات التقنية الخاصة والإفراط في استعمال مسدس اللايزر، أو هو أمر غير ظاهر مثل أثر التسويق الملحّ في روح السينما وبيع بضاعة تافهة الى أولاد فتيان لم يبلغوا سن الحلم. وتجاذبنا أطراف الحديث بينما كان كتاب السيناريو بهوليوود على أهبة إعلان إضرابهم. والداعي الى الإضراب هو احتساب الاستوديوات حصة كتاب السيناريو من عوائد مرافق البث وحوامله الجديدة (يوتيوب...). ولاحظت ستيفي روزينبلوم أن جنرالات المعسكرين يخوضون حرباً فائتة، تعود الى ثمانينات القرن الماضي، يوم خسر كتاب السيناريو معركة العائد من إيجار أشرطة الفيديو، واليوم لا يعلم أحد علامَ تدور المعركة.
ولم يغب عن بالنا نحن الاثنين أن مبيعات ألعاب الفيديو، في 2007، فاقت عوائد السينما. ومذ ذاك، بلغت عوائد أفلام عرضتها صالات كثيرة الشاشات، مثل «أفاتار» ومشتقاته، أرقاماً قياسية، وبعثت أعداداً كبيرة من المراهقين على القعود في مقاعد الصالات قبل العودة الى بيوتهم وأجهزة «إكس بوكس» (ألعاب الفيديو).
وحين سألتني محادثتي عمّا أنوي فعله، إذا صح أن ثمة من قتل السينما، وجدتني في حيرة من أمري. فأنا كاتب كتب، على ما يسمى أمثالي في الولايات المتحدة. وهذه الجماعة من الناس لطالما اتهمت السينما بقتل الأدب الروائي، ورمي الرواية في أزمة قاتلة. وعليه فرأيي في السينما وموتها مريب، والداعي إليه هو الثأر، على ما يحسب أهل السينما، أو الغيرة. وحصة السينما، على طريقة «مترو غولدوين ماير» وقصص الحب والمال والجنس والشهرة، كانت غالبة. ولا يحصى الروائيون الذين تبتلعهم رمال السينما المتحركة. وهؤلاء المغفلون لا يعرفون نصيحة مارتن أميس الحكيمة الى كتّاب الكتب: «لا تحسبوا أن أحد أعمالكم اقتبسَته السينما ما لم تتولوا إيجار الفيديو».
والأرجح أنني لست الشخص المناسب لتعقب قتلة السينما. وسألت نفسي عما إذا كنت أحببت السينما فعلاً في يوم من الأيام، قبل أن يذهب بي الفكر الى طفولتي ومراهقتي وسنوات رشدي الأولى، يوم كانت السينما أداة تناول العالم ووقائعه وحوادثه، ومعين اسلوب كثير الوجوه، وتسلية وتسرية عن النفس، ومصدر مراجع مشتركة، معاً وفي آن واحد. ولولا هذا الركام من المراجع السينمائية المشتركة - ونظيرها من المراجع الموسيقية - لما ربط بين زملاء جيلي رابط جامع ومتماسك، ولما كنا جيلاً واحداً ومعاصراً. فما يجمعنا هو ستيف ماكوين يقذف كرة بايز - بول على جدار زنزانة، ولورين باكال تقرِّب شفتيها الواحدة من الأخرى قبيل إخراج الصفير من فمها، وأنتوني هوبكينز يلتهم حبات فول غير مرئية... كانت السنيما ملابستنا العالم، والمرآة التي نتحقق فيها دائرة رأسنا وليس طرف قبعتنا.
وعلى رغم المداومة على صناعة أفلام جيدة، وبعضها ممتاز، خسرت السينما صدارتها الثقافية. وعندما أسترق السمع الى مناقشات أولادي، وهم في العشرين من العمر، مع أصحابهم وأصدقائهم، أرى أن السينما لا تتبوأ محلاً متصدراً من حياتهم. فهم في قلب دوامة من الصورة المتحركة مصادرها هي التلفزة والحواسيب وألعاب الفيديو والهواتف. وأما الشاشة الكبيرة فتطوف بعيداً، وتسبح شبحاً لا يوقظه إلا فيلم مشهدي كبير. وموجة الأفلام الجديدة بأبعادها الثلاثة مخرج يليق بأفول السينما المتجدد. والسينما كانت أول أمرها مشهداً خالصاً وبسيطاً. وتروي الأسطورة أن أوائل المتفرجين أرعبهم هجوم قطار سكة حديد على رؤوسهم. وتحاول هوليوود اليوم بعث مزيج الاحترام والخشية نفسه في نفوس المشاهدين. ويشاء طالع الاستوديوات التاعس أن الجمهور، ولو اقتصر على أولاد وأحداث، لا تأخذه هذه المشاعر.
ولم يتردَّ الإنتاج وحده، بل أصاب التردي التوزيع. فديفيد لينش، وهو «كاتب» أفلام حقيقي، قال لي إن ما دعاه الى تولي توزيع شريطه الأخير، «إينلاند أمبايَر»، بنفسه هو انهيار شبكة الصالات وصيغتها، وتقلُّص مبيع الأقراص المدمجة، ونزوح الصور الى الانترنت. ويدوم شريط لينش الأخير 3 ساعات، وهذا يثبط همة الموزعين.
ونعى لينش موت صالة العرض، وآلة الضوء المنيرة والجمهور الصامت والصوت الواضح. فهذه شروط مشاهدة تليق بالأعمال السينمائية. وما يتبدد مع موت الصالة هو تجربة مشتركة، على شاكلة اقتصار البث على ثلاث أقنية هيرتزية. فيشاهد الجمهور البرامج نفسها، ويتحادثون فيها. والى الثمانينات من القرن الماضي، كان الواحد على يقين تقريباً من أن الناس كلهم شاهدوا الأفلام نفسها في وقت واحد.
ويقر مايكيل لينتون، صاحب «سوني بيكتشيرز» والمقيم بكولفير سيتي في قلب هوليوود، بأن السينما فقدت وقعها على الجمهور وإدهاشها إياه ومفاجأته، على نحو ما خسرت بعض دلالتها الاجتماعية. فهو، شأني، شب على مشاهدة افلام السبعينات والثمانينات النقدية. وهي حقبة ابتكار كان ابتداؤها مع «شاينا تاون» وختامها مع «أبوكاليبس ناو». و لكن شاغل الباشا المعاصر هو مسجلات الفيديو الرقمية على شاكلة «تيفو». وهو يلاحظ أن 60 - 70 فيلماً كانت تنتج في السنة الواحدة. ويبلغ عددها اليوم 400 فيلم.
وخلف النقاد الثاقبون، من أمثال ديليس بوويل في «سانداي تايمز»، كتبة تعليقات تافهة. وسبق أن لاحظت الأمر حين كنت ناقداً في «إيفينينغ ستاندارد». وأذكر أنني حين كتبت مقالي تعليقاً على «ماتريكس ريلوديد»، الشريط الغبي والمضجر، أيقظني رئيس التحرير في السادسة صباحاً، وأصر عليّ أن أقسم على أنني شاهدت الفيلم الى آخره، ولم أغادر الصالة في منتصف العرض، على ما يزعم منتجوه الذين رأوني مغادراً. والحق أنني قصدت المرحاض دقائق قليلة، ولم يرني مندوب الدعاية لدى شركة الإنتاج حين عدت الى مقعدي.
* روائي، عن «تايمز» البريطانية، 25/9/2010، إعداد وضاح شرارة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.