وجّه خبراء تعليميون انتقادات لاذعة لوزارة التربية والتعليم على خلفية مشاركتها الأخيرة في أولمبياد الرياضيات واحتفالها بالحصول على المرتبة 67 من أصل 97 دولة مشاركة، مجمعين على أن النتيجة هزيلة ولا تتوازى مع التكاليف الكبيرة والاستعدادات المبكرة التي سبقت هذه المشاركة. وفي حين وصف أستاذ التربية في جامعة الملك سعود رئيس الجمعية السعودية للعلوم التربوية الدكتور راشد العبدالكريم، ل«الحياة» مشاركة الوزارة ب«الفقاعة»، اعتبر عضو اللجنة التعليمية في مجلس الشورى الدكتور أحمد آل مفرح ترتيب السعودية «إخفاقاً واضحاً ونتيجة مؤلمة» لا يوازيان ما يلقاه قطاع التعليم من دعم من الحكومة، فيما اتهم خبير تعليمي ثالث (فضّل عدم ذكر اسمه) وزارة التربية بتعتيم الحقائق حين تحدثت في وسائل الإعلام المختلفة عن المشاركة في سياق إنجاز وطني وهنأت المجتمع السعودي قيادة وشعباً بحصول اثنين من طلابها على ميداليتين برونزيتين على رغم أن لون البرونز يمنح للحاصلين على 14 درجة فقط من أصل 42 درجة هي مجموع درجات الاختبار. وأبدى الدكتور عبدالكريم الراشد امتعاضه من ترتيب السعودية في هذا الأولمبياد وقال: «أرجو ألا يكون هذا هو طموحنا، فرقم 67 من 97 ليس موقعاً يليق بالمملكة أبداً»، مستغرباً ضعف نتيجة الفريق السعودي، خصوصاً أن وزارة التربية استعدت لهذه المشاركة منذ عامين وبإشراف خبراء أجانب وثلاث جامعات سعودية بجانب مؤسسة «موهبة»، ومركز قياس، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وشركة أرامكو، وتساءل: «ما حصلنا عليه بعد سنتين وبمساعدة كل هذه الجهات... فكيف لو كان الإعداد بشكل طبيعي!؟». وانتقد رئيس الجمعية السعودية للعلوم التربوية انشغال وزارة التربية والتعليم بمثل هذه المشاركات عما هو أهم، «أرجو ألا تشغلنا مثل هذه المناسبات والفقاعات، فالتعليم لدينا يعاني من مشكلات ميدانية كبيرة، ولن يفيدها شيء إذا تقدمنا في مسابقة يشترك فيها خمسة أو ستة طلاب تحت إشراف خبراء أجانب وبإعداد خاص»، مضيفاً: «شخصياً لا أعتبر هذا إنجازاً يستحق الإشادة». وفي السياق ذاته، وجّه عضو اللجنة التعليمية في مجلس الشورى الدكتور أحمد آل مفرح، في تصريح إلى «الحياة» سياط نقده لنتيجة مشاركة فريق وزارة التربية والتعليم في أولمبياد الرياضيات. وقال: «النتيجة متدنية ولا تعكس مكانة السعودية ولا الدعم الذي يلقاه التعليم، ولا أستطيع أن أجد مبرراً واحداً حول هذا الإخفاق الواضح، نعم تقدمنا مركزين عن مشاركتنا السابقة، ولكن كم تقدمت الدول الأخرى التي تقل عنا خبرة، ودعماً للتعليم؟ الإجابة مؤلمة». وعلى رغم أن آل مفرح أعترف بأن هذا الأولمبياد سبقه إعداد لم يسبق المشاركات الماضية، وهذا يحسب للقائمين على «موهبة»، غير أنه شدد على أن «العبرة بالنتائج». وأشار عضو اللجنة التعليمية في مجلس الشورى إلى أن مثل هذه المشاركات تحتاج أن تخضع إلى التقويم والنقد البناء من جهات متخصصة، وأضاف: «نحن بحاجة لتغيير استراتيجيتنا لإدارة مشاركتنا الدولية، والأمر لا يأتي بأن نستقدم خبيراً من الشرق أو الغرب، بل لا بد من بناء واستنبات الخبرة الوطنية التي تقود العمل كاملاً، والاستثمار في الكوادر البشرية السعودية وتأهيلهم خارجياً، وتسهيل إجراءات احتكاكهم لمدد طويلة بالخبرات الدولية في مواقعها، خصوصاً الدول التي تحصد المراكز الأولى، نحن بحاجة إلى دعم مادي سخي للصرف على هذه الكوادر وتطوير أساليب إدارتها للمشاركة في الأولمبياد وفي الدراسات الدولية الأخرى، وهي أي تلك الكوادر هي من يضع استراتيجية وطنية لمثل هذه المشاركة و تكون مسؤولة عنها كماً وكيفاً». وشدّد آل مفرح على أهمية دور المعلم في هذا السياق وعلى الحاجة إلى إسناد الأمور لأهل الاختصاص بعيداً عن بريق الانطباعات الشخصية وزيف المصالح الفردية، وقال: «المشاركة في هذا الأولمبياد تحتاج إلى دراسة علمية متأنية وعاجلة تقف على المعوقات، وتستفيد من الخبرات التراكمية لدى وزارة التربية والتعليم وموهبة والجامعات، والإفادة من تجارب الآخرين، وأعتقد أنه من أهم تصحيح المسار هو رفع تأهيل المعلمين والمعلمات ودعمهم في هذا الاتجاه فهم من يستطيعون اكتشاف المواهب، وهم كذلك من ينبغي أن يملك أدوات صقل المواهب وحفزها»، مضيفاً «يمكن لنا أن نشارك بفئة منتقاة محددة إذا ما خرجت من بيئة تعليمية محفزة للإبداع والتميز، المعلم لا غيره هو من يصنع الفرق فلنجرب». يذكر أن السعودية لم تشارك في أولمبياد 2009 باعتبار أن النتائج غير مشرفة في المشاركات الخمس السابقة والتي بدأت من عام 2004م، لذا فضلت أن تعد الفريق المشارك لعام 2010 للحصول على مراكز متقدمة، وتم تنفيذ عدد من البرامج التدريبية على مدار العام، حتى تم اختيار 12 طالباً خلال الفصل الدراسي الثاني، وتلقوا تدريبات مكثفة، وأشرف على تدريب الفريق السعودي الدكتور الأميركي تيتو أندريسكو، أحد أشهر المدربين المعروفين في العالم في مجال الأولمبياد، كما قام بالتدريب أيضاً الدكتور دورين أندريكا من رومانيا، والدكتور فوزي الذكير والدكتور عبدالله الجوعي من جامعة الملك سعود.