أمير مكة: مشروع بوابة الملك سلمان يعكس اهتمام القيادة بالتنمية في المنطقة    طائرة وزير الحرب الأميركي تهبط اضطراريا في بريطانيا    السعودية توزع المساعدات لمخيمات النازحين في غزة    سالم الدوسري: إنجازات منتخبي وفريقي تهمني أكثر الجوائز الفردية    ضبط مليوني قرص إمفيتامين بالرياض    ألمانيا تنشر مقاتلات في بولندا لحماية الجناح الشرقي للناتو    أمير المدينة المنورة يزور محافظة الحناكية    رئيس الاتحاد الآسيوي يهنئ المنتخب السعودي بمناسبة تأهله إلى كأس العالم    11 شهيد فلسيطينا بغزة في سادس أيام وقف إطلاق النار    الصحة تؤكد مأمونية أدوية الستاتين وتلاحق المضللين    الذهب يتجاوز 4200 دولار مع آمال خفض الفائدة وتوترات تجارية    جازان.. تدشين مشاريع تعليمية بقيمة تتجاوز مليار ريال    إحالة قضية تبديل جثمان بمستشفى الرس إلى النيابة    الكلية التقنية بأبوعريش تنظم محاضرة توعوية بعنوان "تماسك"    أول ملتقى عن أئمة المسجد النبوي    فيفا يأمل أن تكون المدن المضيفة «جاهزة» لاستضافة مونديال 2026    نائب أمير تبوك يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة تأهل المنتخب السعودي لكأس العالم 2026    أمير تبوك يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة تأهل المنتخب لكأس العالم 2026    وكيل محافظة الطائف يطلق فعاليات المؤتمر الدولي السابع لجراحة الأطفال    أمير حائل يهنئ أمانة المنطقة بحصولها على شهادة أفضل بيئة عمل صحية أوروبياً    المسح الصناعي شرط لتسجيل المصانع والمنتجات الوطنية    مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق مرتفعًا عند مستوى (11682) نقطة    من مدارسنا تبدأ الحكاية.. ومن التميز تُكتب الريادة    نائب أمير القصيم يطلع على منجزات جمعية العناية بالمساجد برياض الخبراء    وزير البلديات والإسكان يبدأ جولة آسيوية لتعزيز الشراكات في القطاع العقاري والمدن الذكية    مخبأة في شحنة مكسّرات.. "مكافحة المخدرات" تضبط أكثر من مليوني قرص من مادة الإمفيتامين المخدر بمنطقة الرياض    فرع هيئة الصحفيين السعوديين بجازان ينفذ ورشة عمل "السرد القصصي في العمل الإعلامي"    القصيبي في كتارا.. رمز وجمع في سيرة فرد وشعروائية    نائب أمير جازان يهنئ القيادة بمناسبة تأهل المنتخب إلى كأس العالم 2026م    السديس يتفقد استعدادات الرئاسة لانطلاق ملتقى مآثر الشيخ عبدالعزيز بن صالح    نائب أمير حائل يزور مشروع "إرث" التراثي العائلي بعقدة    إسناد تشغيل وصيانة محطات تنقية «السدود» و«الجوفية» لهيئة المياه.. مجلس الوزراء: تعديل نظام مهنة المحاسبة وتنظيم صندوق التنمية الوطني    تحت رعاية أمير الرياض.. نادي الطيران يكشف تجارب مبهرة لمعرض 2025    الأمم المتحدة تطالب بفتح جميع المعابر الى غزة    السعودية مركز عالمي للخدمات اللوجستية    على مرحلتين في الرياض وجدة والخبر.. تعزيز قدرات الخريجين في مجال الأمن السيبراني    برشلونة يخوض الكلاسيكو بقميص المغني شيران    كيف ينظر العماني للقراءة؟    محلك «صفر»!    كود الطرق السعودي نقلة لتفعيل مواصفات السلامة    70 مليار دولار لانتشال غزة من تحت الركام    توقّع بتوهّجات شمسية الأيام المقبلة    ترأس اجتماع لجنة الحج والعمرة.. نائب أمير مكة: مضاعفة الجهود لتقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن    إعادة فتح برنامج فرص لشاغلي الوظائف التعليمية    إنقاذ عشريني من «فطريات أنفية» خطيرة    عبر نموذج ذكي يعزز دقة التشخيص وجودة الحياة.. «التخصصي» يرسخ ريادته في طب الأعصاب    وجبة «برغر» إسبانية بسعر سيارة    المنتخبات العربية المتأهلة إلى كأس العالم 2026    اللعب على المصطلحات: صراع اللغة في زمن الإبادة    حاضرون وداعمون    المملكة أوقفت الحرب في غزة وتسعى لدولة فلسطينية    بوصلة السلام    سالم الدوسري: تأهل يدل على قوة منتخب السعودية    مشاركة الجموع عطّلت العقول بالركض خلف الترندات    متعة الترفيه    أمين العاصمة المقدسة يرأس الاجتماع الثالث للجنة الأعمال البلدية والبيئية لتعزيز التكامل التنموي بمكة    إطلاق كائنات فطرية في محمية الوعول    المدينة تحتضن ملتقى علمياً لمآثر شيخ الحرم ابن صالح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حق الاختلاف ومحنة المعنى
نشر في الحياة يوم 23 - 07 - 2010

إذا كان الاختلاف حقاً، فإن إيماناً بحق الاختلاف يستدعي ثقافة من نوع خاص، تعلي توجهاً تعليمياً وتثقيفياً على الصعيد التاريخي، يتمثل الحرية كموضوع أثير، للنهوض من كبوات التصارع والمنازعات التي تولّدها الاختلافات في ما بيننا نحن بشر هذا الكون، وهي اختلافات طبيعية، ونتاج للممارسة؛ فهي إمّا أن تتحول إلى نوع من التراحم، وقبول اختلافاتنا كأمر لا ينبغي النفور منه، أو تحسّس جنباتنا بحثاً عن «جنبياتنا» أو مسدساتنا، مقدمة لاستبعاد او إقصاء الآخرين، وقبلاً لتكميم أفواههم ومنعهم من التعبير عن آرائهم ومواقفهم، إلاّ حين تكون منسجمة وآراء ومواقف معيارية في نطاقات الهيمنة السلطوية أو التسلطية، أو خاضعة لمنابع الاستبداد الأبوي ومراكز اقتسام السلطة؛ سياسية كانت أو دينية، أو ذات هيمنة اقتصادية أو اجتماعية، أو في نطاقات التراتب الوظيفي... إلخ من أنواع السلطات التي تعتبر كل اختلاف معها انشقاقاً، وخروجاً على «جنة» النظام والانتظام الأبوي. لهذا، فإن «ثقافة» تناهض حق الاختلاف وتزدريه، ليست أكثر من أيديولوجيا محكومة لهواجس الخوف والتخويف؛ الخوف من الرأي الآخر، والبقاء دوماً عند حد ترهيبه، ومحاولة خلق رهاب تخويفه والخوف منه كذلك، حتى باتت «مجتمعات الخوف» هي الأكثر تعبيراً عن واقع الخلاف، وامتهان حق الاختلاف بين مكوناتها، في ظل مطاردة واستبعاد وإقصاء وتحريم وتجريم وتخوين كل رأي مخالف، هذا عدا منع التعبير عن الرأي، حتى ولو لم يكن مخالفاً، أو يطاول قيماً معيارية أساسية؛ أخلاقية أو سياسية أو دينية.
هكذا تشابهت ظروف حادثة صرف الإعلامية أوكتافيا نصر من محطة «سي إن إن» الأميركية، بسبب إبدائها نوعاً من الإطراء في حق السيد محمد حسين فضل الله، ليس من على شاشة المحطة، بل على موقعها الخاص على «تويتر». ثم تضطر السفيرة البريطانية في لبنان فرانسيس غاي للاعتذار، والإعراب عن الأسف لأيّ إهانة ربما تكون قد سببتها إشادتها بفضل الله على مدونتها الرسمية، ومن ثم تُصرف الشاعرة والكاتبة الإماراتية ظبية خميس من عملها كسفيرة في جامعة الدول العربية، بعد نشرها مقالاً حول الجامعة، كإجراء عقابي اتخذ في حقها على انتقادها آلية عمل الجامعة ورئيسها السيد عمرو موسى. وأخيراً تأتي الإقالة التعسفية لرئيس تحرير صحيفة «الغد» الأردنية موسى برهومة، لتضع الرأي وحرية إبدائه في قفص سلطة المال وأصحاب رأس المال، في إحالة لحق الاختلاف إلى قيمة مرذولة يأتيه الباطل من كل الجهات، إذا أصرّ صاحب الرأي على اعتباره حقاً له وللآخر سواء بسواء.
فهل كان من المصادفة أن تجتمع هذه المسائل الأربع، التي تشكل كل واحدة منها بذاتها ولذاتها، محنة خاصة، ضمن مجموع المحن العامة، في وقت واحد وعلى حد سواء؛ لتشكل أحد مؤشرات محنة الحرية والتعبير وإبداء الرأي؛ ليس في بلادنا أو في محيطنا القريب فحسب، بل وفي محيطنا البعيد كذلك، ما يعني أن ما يصدر عن عقلية الإقصاء والاستبعاد هو في المحصلة العامة واحد، وذلك مهما اختلفت مصادر تلك العقلية ومرجعياتها التي لا ترى إلاّ من منظار مصالحها الضيق، أما المصالح الموضوعية العامة المتجادلة وواقع المجتمع والدولة وقيمهما، فهي تسبح في فلك آخر، لا فرق هنا بين شرقي وغربي إلاّ بالتفاصيل.
وبدل أن يتحول اختلافنا إلى رحمة، ذهبت الرحمة إلى حيث تقبع النقمة، مصوّبة سهامها نحو حق التعبير، وحريته، ونحو حق الاختلاف وطبيعته، ونحو نفي ثقافة القبول بالآخر وضرورة الدفاع عنه وعنها، وعن اختلافاتنا المتعدية نطاقات الأيديولوجيا ذات النفع الخاص، كتلك التي تنتمي إلى إطارات «الولاء والبراء» الأكثر استبدادية وإظلاماً، وإطلاقية في أحكامها المتراكبة على وهم ومزاعم «الفرقة الناجية»، وهي تغلق كل مزاريب الفكر وينابيعه، فاتحة كل الأبواب على شتى أنواع الطقوس القديمة والحديثة، في احتكامها الى قانون القتل، بما هو أشد عناصر الهوية تماسكاً وانسجاماً مع المطلقات الدينية؛ لدى الديني المؤدلج، والسياسية لدى السياسي على اختلاف منطلقاته العقيدية.
أيّ حرية هي تلك التي ندّعيها ويدّعيها غربنا «المشرقن» أو شرقنا «المغربن»، وهما يستبدان بمجتمعاتهما وبدولهما، على صورة ما سجلته آليات استبداد شرقنا بمجتمعاته، وبسلطاته التي لما تبلغ سوية الدولة بعد. هي البرجوازيات التسلطية الحاكمة، ورأسمالياتها المتضخمة والمتخمة من يمنع إكسير الحياة عن الحرية، حين تستبد برأيها، مختزلة ذوات الآخرين في ذاتها، كي يرطن الجميع برطانتها، التزاماً بمصالحها هي، وباستعارة معنى وجودها هي، والتسليم بآليات هيمنتها السلطوية، وإلاّ فإن كل خروج عن معايير ملكيتها وامتلاكها لكل آليات ووسائل إنتاجها لمعنى حياتها هي، حتى وهي تخون معنى حياتنا كبشر، سيعرّضنا لعقوبات الصرف والطرد والاستبعاد والإقصاء من جنان الحياة والمعنى الذي نشتهي ونرغب، ككائنات بشرية لم توجد إلاّ والمعنى ملازم لها، ومحايث لماهيتها في الأصل.
وإذا لم نتعلم كيف ندير آلية اختلافاتنا، ونعيش ونتعايش مع حقوقنا في الاختلاف الطبيعي والمكتسب، ونحترم حقنا في الدفاع المشروع عن حق الآخر في اختلافه معنا، وذلك ضمن شروط وجودنا ذاته، وفي اختلافنا معه؛ إذا لم نتعلم كل ذلك، فإن آليات السقوط في العدم وفي ابتداع اللامعنى الذي يجسده القتل المتداور عبر الأزمنة، ستبقى ملازمة لحركتنا التاريخية، تمنعنا من التقدم إلى الأمام، في حين أننا سنبقى نستنكف عن النهوض كلما واجهتنا كبوة هنا أو هناك. السقوط في آبار الاستبداد هو إحدى أكبر المحن التي تواجهنا حين لا نستطيع القيام بمهام وأعباء الدفاع عن حريتنا؛ حرية القول والعمل، حرية الرأي والتعبير، حرية القبول بالآخر أولاً وقبل أي اشتراط لقبوله رأينا، أو فرضه بالقسر والإكراه.
* كاتب فلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.