كان الكاتب والباحث ماجد شُبر حريصاً على استخدام مصطلح عربستان وليس الأحواز (الأهواز) في عرضه الوافي ل «دليل الخليج»؛ هذا العمل الضخم الذي قام به كوردون لويمر؛ الموظف لدى الحكومة البريطانية في الهند، بتكليف رسمي في الفترة بين 1903 - 1915. و «دليل الخليج» يُعد من أهم المراجع التي تناولت تاريخ الجزيرة العربية ومنطقة الخليج بسبب شموليته من الوجهة التاريخية والجغرافية والإحصائية. بعد وقت قصير من تأسيس البصرة عام 15 هجرية - 636 ميلادية قرب مدينة الأبلة السومرية القديمة - فتح المسلمون سوق الأهواز عام 17 هجرية ثم انتصروا في معركة نهاوند التي قُضيَ فيها تماماً على الدولة الساسانية وأصبحت خوزستان بعدها في منأى عن أي هجوم. خوزستان؛ هو الاسم الذي كان يطلق في العصور الوسطى على الأقليم الجنوبي الغربي من بلاد فارس وأصبح لاحقاً يسمى عربستان نتيجة تدفق كثير من العناصر العربية إليه منذ بداية الفتح الإسلامي وحتى بلغ ذروته في القرن الثالث الهجري، فباتوا يشكلون غالبية سكانه حتى الوقت الحاضر، على رغم التهجير القسري للسكان في القرن العشرين والعمل على جعل الإقليم فارسياً من حيث التركيب الديموغرافي. استخدمت الوثائق البريطانية اسم (عربستان)؛ وعندما يذكر لويمر في كتابه اسم الأحواز (الأهواز) فإنه يجعلها قسماً من منطقة واسعة هي عربستان التي تمتد في الشمال والشرق إلى أول جبال المرتفعات الإيرانية ويحيطها من الجنوب الخليج العربي ونهر زهرة، وتمتد في الغرب إلى سهوب وأهواز العراق، ويحدها من جهة البحر شط العرب. تعبر عربستان من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي سلسلة قليلة الارتفاع وتنتهي قبل الوصول إلى البحر. ويروي عربستان ثلاثة أنهار هي الكرخة - الكارون - الجراحي، وتنبع من مناطق متباعدة ولكن قبل وصولها إلى السهول تجبرها التشكيلات الجبلية على الاقتراب من بعضها بعضاً بحيث يصبح من الممكن الوصل بين مجاريها السفلى بواسطة القنوات. ومن الثابت أن الصورة التي تبدو عليها عربستان اليوم هي صورة حديثة، فحتى 1834م كان نهر الكرخة يصبّ في شط العرب تحت القرنة. تُقسم الوثائق البريطانية عربستان إلى قسمين - عربستان الشمالية وتتكون من مناطق دزفول وشتتر، أما عربستان الجنوبية فتشمل قرية بندقير وملتقى نهر كركر والشطيط ومدينة الحويرة كلها وتحيطها منطقة الأهواز. عاشت عربستان صراعاً بين الإمبراطوية العثمانية والفارسية لجهة الانتماء، فقد كانت مناطق عديدة من إقليم عربستان تخضع للسيطرة العثمانية حيناً أو الفارسية حيناً، وفي أحيانٍ أخرى يكون الإقليم مستقلاً أو شبه مستقل. وأخيراً تم تنظيم معاهدة أرضروم بين الدولتين العثمانية والفارسية عام 1847 م بضغطٍ من الحكومتين الروسية والبريطانية، تمّ خلالها استبدال مناطق عربية في مقابل مناطق كردية حيث تم إعطاء مدينة المحمرة والضفة اليسرى لشط العرب لإيران مقابل مدينة السليمانية. وغالبية قبائل عربستان باستثناء (بختاريا) و(اللّور)، تعتبر عربية، إلا أنها تزاوجت مع الفرس وحدثت مجاعة في عام 1872، ما ساهم في ازدياد حركة التزاوج بين العرب والفرس، واشترى الكثير من العرب فتيات من العجم لتصبحن زوجاتٍ لهم، وبعض قبائل عربستان تمكنوا من الاستقرار، وبعضهم لم يتمكن من ذلك، وبعضهم الآخر لا يمكن تصنيفه نظراً إلى أنه كان يعيش في أطوارٍ متغيرة بين الاستقرار وعدم الاستقرار. وكانت القبائل العربية المستقرة في إقليم عربستان تعيش على الزراعة، كما كانت القبائل الرُحل تعيش على المراعي وإن كانت تقوم بزراعة كميات محدودة من القمح في فصل الشتاء، وهذه القبائل كانت تتخذ من البيوت والأكواخ مساكن لها، ويتكون البيت المصنوع من الطين من سقوف خشبية ويسمى (بيت من الطين) أما الكوخ المفروش بالحصير فإنه يعتبر النموذج الصحيح للكوخ والذين يسكنون الأكواخ يسمون (الكواخة)، واستناداً إلى الكتب وما جرى عليه العرف، فإن القبائل العربية في إقليم عربستان، إن قلّت أو كثرت، تعتبر جميعها متجانسة وكان شيوخها ورؤساؤها ينتخبون من بين كبار القبيلة أو القطاع أو من بين أفراد عائلة تتوارث المنصب وكانوا يهتمون كثيراً عند التمييز بين المرشحين لناحية الحنكة والخبرة، وعندما يصبح كبار السن أقلية، تتفكك القبيلة أو القطاع، فإذا ما حدث نزاع بين رجال لا ينتمون إلى القبيلة نفسها أو القطاع نفسه، فإن الأمر يُعرض إن أمكن على كبار رؤساء القبيلة للشورى. ولم يخل إقليم عربستان من المنافسة بين مصالح الدول الكبرى آنذاك. رأت فرنسا أهمية أن تتواجد في هذا الإقليم الحيوي وفي عام 1881 نظّم خط مواصلات بين مرسيليا والبصرة ببواخر فرنسية ولكن هذا التواجد الفرنسي حاربته المفوضية البريطانية بضراوة معتبرة أن إنشاء جالية فرنسية في عربستان قد يؤثر في المصالح التجارية والسياسية لبريطانيا ما قد يزيد من حدة الاحتكاكات بين بريطانياوفرنسا خصوصاً أن روسيا أبدت دعماً لفرنسا رغبةً منها في تحجيم الدور البريطاني. لكن المساعي البريطانية كُللت بالنجاح ففي عام 1885 توقفت حركة المشاريع الفرنسية وكذلك حركة التجارة في عموم الإقليم كما أوقفت حركة البواخر الفرنسية من أوروبا، فالخط الذي كان يعتمد على إعانات كبيرة من الحكومة الفرنسية كان في الأساس ينقل بضائع بريطانية. كانت المصالح الأجنبية في إقليم عربستان في الفترة بين (1600م- 1900م) في الغالب مصالح بريطانية. وتتمثل بصفةٍ أساسية في شركة ملاحة بواخر وشركة (لينج) التي تمتلك الشركة التجارية الرئيسية في عربستان، وكان عدد الرعايا البريطانيين - آنذاك - 50 نسمة تقريباً باستثناء الحرس القنصلي الهندي الحربي، والاحتكار الوحيد الذي يتمتع به الأوروبيون في عربستان في ما عدا البريطانيين؛ هو البحث عن الآثار؛ وتتولاه الحكومة الفرنسية والذي بمقتضاه قامت بعثة فرنسية بالتنقيب عن الآثار في منطقة (شوش) في الإقليم، والمؤسسات التجارية الرئيسية غير البريطانية في عربستان هي شركة الملاحة والتجارة الروسية. أما عن أهم المدن والمناطق في إقليم عربستان فنذكر على سبيل المثال مدينة طاهري وترجع أهمية هذه المدينة إلى ما تمتلكه من أطلال وآثار سابقة على العصر الإسلامي إضافة إلى الآثار الإسلامية، كما تحتوي على قبور يرجع تاريخها إلى عام 1857م، وعلى السهل القريب من الشاطئ الواقع في غرب مدينة طاهري توجد المدينة الإسلامية المعروفة باسم سيراف، وما يوجد الآن مجرد أكوام حجرية قديمة، ولكن آثار المباني والمنازل والآبار وخزانات المياه بأشكالها لا تزال على الساحل والمبنى الوحيد الذي يتمتع بحالة مقبولة من الآثار الإسلامية هو مسجد بحجارته المقطوعة في شكل هندسي وتصميم فني رائع بأبوابه ونوافذه، وتوجد بعض بلاطات الأضرحة الحجرية المزخرفة بنقش كوفي، وإحدى هذه البلاطات المزخرفة توجد الآن في المتحف البريطاني وتحمل تاريخاً موافقاً لعام 991 بعد الميلاد. يقدم البحث عرضاً وافياً لمدن وقرى إقليم عربستان مبيناً ما تتميز به كل مدينة من طبيعة جغرافية وتركيبة سكانية، ولم يخلُ البحث من الإطلالة على حركة التجارة في الإقليم وأيضاً استعراض أسماء وأنواع المحاصيل الزراعية التي تميز بعض مدن الإقليم الزاخر بكثير من مظاهر الحياة في شتى مجالاتها.