عند النقطة الحدودية الفاصلة بين اليونان وجمهورية مقدونيا، تنتهي غالباً رحلة آلاف من الأطفال الأفغان الى أوروبا، وتتبخر عندها كل أحلامهم بمستقبل أفضل لهم فيها. مغامرة الوصول الى أوروبا، حاول الوثائقي التلفزيوني «نهاية حلم»، الاقتراب من تفاصيلها وعرضها كفصل من بين فصول تراجيديا تعيشها البشرية اليوم، عنوانها الأبرز: الهجرة الى أوروبا! يتقدم فريق العمل اليوناني من الخيام الكثيرة المتناثرة في منطقة إيدوميني، حيث تقف شرطة الحدود المقدونية وراء الأسلاك الشائكة التي وضعتها لفصل المهاجرين في القسم اليوناني عن أراضي بلدها الرافض دخولهم في شكل قاطع. داخل إحدى الخيام المهترئة، يقابل الوثائقي صبيين أفغانيين وصلا الى هناك منذ أشهر، ولم يسمح لهما بالعبور نحو ألمانيا. قال علي مسباه، البالغ من العمر 14 سنة: «أشعر بالجوع والبرد هنا منذ أشهر. لا أحد يهتم بنا، ولا نعرف الى متى ستظل الحدود مغلقة في وجهنا؟». يصف ابن عمه ميلاد جمال، لمعدي البرنامج الصعاب التي واجهها أثناء رحلته من كابول الى اليونان: «دخلنا الى إيران سراً، وتوجّهنا منها الى تركيا عبر طرق جبلية خطيرة أرشدنا إليها مهربون مقابل حصولهم على المال، ومن هناك ركبنا البحر في قوارب مطاطية نحو الشواطئ اليونانية». تحدثا عن رغبتهما في العودة الى أهلهما، لكنهما أكدا صعوبة ذلك، فقد كلفت رحلتهما كل ما تملكه عائلتيهما من مال، وأنهما لا يريدان إحباط آمال أسرتيهما بوصولهما الى أوروبا وبدء حياة جديدة بعيدة من الحرب و«طالبان». مشكلة الأطفال الأفغان في اليونان وغيرها، تتمثل في عدم اعتراف اليونان بهم كطالبي لجوء، لهذا تريد التخلّص منهم من طريق تسهيل انتقالهم الى بقية الدول الأوروبية. لكن مقدونيا ترفض السماح لهم بالدخول، وعليه فهم مجبرون على الانتظار والعيش مع آلاف من الأطفال الأفغان في ظروف مناخية صعبة وفي شروط حياة غير إنسانية، وفق وصف أحدهم. قبل توجّهه الى كابول، أكد أحد المتطوعين اليونانيين للبرنامح صحة ما يقوله الأطفال، وأن رحلتهم هي الأخطر بين بقية رحلات المهاجرين. من خلال مقابلته عدداً من الآباء الذين سَفروا أولادهم بهذه الطرق الخطرة، خرج الوثائقي بانطباع أن أكثر الأسباب التي تدفعهم الى تعريض حياة أولادهم للخطر هي انعدام الأمان بسبب الحرب المستمرة بين «طالبان» والحكومة ودخول «داعش» على خطها، الى جانب عدم توافر فرص العمل وصعوبة ذهاب الأطفال الى المدارس، وبالتالي فلا مستقبل لأولادهم في البلاد. أما عن الذي ينتظرهم في حالة اضطرارهم للعودة، فيلخّصه تيمور عبدالرحمن الذي أرسل ولده قبل أيام الى باكستان ليواصل منها رحلته الى أوروبا: «إما سوقهم الى الخدمة العسكرية أو الانضمام الى «داعش». لا يوجد أمامهم سوى هذين الخيارين!». أثناء وجوده في كابول، سمع أن أكثر من مليوني طفل أفغاني كلهم تقريباً من الذكور يعيشون في إيران، لهذا قرر التوجه الى طهران ومقابلة بعضهم. الأطفال، في غالبيتهم، يشتغلون في أعمال صعبة، لا يحصلون مقابلها على أجر يتناسب مع الجهد الذي يبذلونه. ينامون في الخرائب أو في مكان العمل كما يفعل عمر دوستم، عامل البناء. يقول: «أعمل ما بين 10 الى 12 ساعة يومياً، وأتقاضى أجراً بسيطاً، أرسل قسماً منه الى عائلتي وبعض منه أدخره لدفع ثمن تهريبي من هنا الى تركيا». يتقاسم سارغول مع أخيه عمر مشاعر الخوف ذاتها من الشرطة الإيرانية: «نخاف أن تلقي القبض علينا وترحلنا الى أفغانستان لدخولنا أراضيها بطرق غير شرعية». لهذه الأسباب وغيرها، يفضّل الأطفال الذهاب الى تركيا مع علمهم بصعوبة دخولهم الى أوروبا. ضغط الأهل في أفغانستان يجبر الأطفال الواصلين الى اليونان على الانتظار وتكرار محاولة الدخول كما يفصح كلام طفل لم يتجاوز عمره ال12 سنة: «سمعنا أن الحراس الصرب يسمحون بعبور اللاجئين مقابل رشاوى تدفع، وما دمنا نحصل على طعام قليل هنا، فإننا سنظل نكرر المحاولة الى أن يرجعونا بالقوة من حيث أتينا». ينهي الوثائقي عرض التراجيديا الأفغانية بمشهد واسع يظهر فيه الأطفال وقد تجمعوا في العراء حول صبي منهم بدأ يدندن بكلمات أغنية تذكرهم بتشرّدهم المُذل!