كوريا الشمالية تعتزم بناء مدمرة تزن 5 آلاف طن    رئيس بلدية المندق يستقبل وفدًا إعلاميًا للاطلاع على المقومات السياحية للمحافظة    حرارة مرتفعة في الرياض والشرقية و رياح على معظم المناطق    المسرح ورهانات المستقبل".. أمسية ثقافية بجمعية الثقافة والفنون بجدة    الجمعية للثقافة والفنون بالشمالية تنظم مسرحية 'الراعي' بعرعر يوم الأربعاء    أمير نجران يثمّن جهود الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر    المنتخبات السعودية الجامعية تواصل مشاركتها في الألعاب العالمية بألمانيا    أمير القصيم يدشن مشاريع تنموية وصحية وخيرية وبلدية في البكيرية    تراجع أسعار النفط    أمير القصيم يدشن مشروعين خيريين في البكيرية بتكلفة 10.5 ملايين ريال    أمير القصيم يطّلع على مشاريع تطوير البلدة القديمة    أمير القصيم يزور مقصورة السويلم التراثية في البكيرية    مطل حاتم الطائي في حائل ..دلائل ومكارم    اليابان تستعيد ريادتها في الروبوتات    تقنية تحسن عمى الألوان    لا علاقة بين يوم الميلاد وشخصية الإنسان    الوحدة ليست وباء بل تجربة إنسانية    تصعيد متبادل بين الطرفين.. غارات إسرائيلية تستهدف مواقع الحوثيين بالحديدة    حذر من مفترق طرق خطير.. المبعوث الأمريكي ينتقد تدخل إسرائيل في سوريا    166.023 بلاغا يوميا على المتاجر الإلكترونية    الأسواق السعودية تتماسك والعالم يعيد الحسابات    الأمير عبدالعزيز بن سعود يلتقي وزير الدولة لشؤون الأمن بوزارة الداخلية البريطانية ويزور ثكنات ويلينجتون العسكرية    انطلاق منافسات بطولة العالم للبلياردو 2025 في جدة    الأخضر الأولمبي يفتتح مشواره في الدورة الدولية بمواجهة أوزبكستان    النصر يقلد الهلال    في كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025.. فريق Gen.G Esports الكوري يحصد بطولة League of Legends    "الأمن العام" يكشف حيل المتسولين وأساليبهم المتنوعة    أكدت أن أمانات المناطق ترصد المخالفات.. "البلديات والإسكان": 200 ألف ريال غرامة تقسيم الوحدات السكنية ل»الاستثمار»    بدء التقديم على مقاعد دراسة التمريض في البحرين    مركز الملك سلمان يوزّع 100 سلة غذائية بأفغانستان    101 مليون عملية لتوصيل الطلبات خلال الربع الثاني    رئيس باكستان يمنح رئيس أركان القوات البحرية وسام "نيشان الامتياز" العسكري    دعونا نتحدث قليلًا عن تمكين المرأة    أكاديمية الإعلام السعودية تقيم اللقاء الافتتاحي لمسار "قادة الإعلام"    10 ملايين زائر للمواقع والفعاليات الثقافية في 2024    فيلم «الشاطر» يتجاوز ال 15 مليون جنيه خلال 4 أيام    المغنية الفرنسية Ghostly Kisses تشدو في موسم جدة    انطلاق موسم صيد الروبيان بالشرقية ب710 تصاريح    المفتي يطلع على أعمال جمعية البر    "واتساب" يدخل الإعلانات لحسابات المستخدمين    محامية تعتدي على زملائها ب" الأسنان"    مليون ريال غرامات بحق 8 صيدليات مخالفة    أكد رفع التنفس الاصطناعي خلال 4 أيام.. الربيعة: استقرار حالة التوأم "يارا ولارا" بعد عملية الفصل    «تطوير المدينة» تُنفّذ 16 مبادرة لخدمة ضيوف الرحمن    "السينما.. فن المكان" شعار مؤتمر النقد السينمائي الثالث..    ناشئو أخضر اليد يبدأون معسكرهم في سلوفينيا استعداداً لمونديال مصر 2025    دول «الخليجي» تدعو المجتمع الدولي للتحرك لفك الحصار عن غزة    1.9 مليون مصلٍ في روضة المسجد النبوي    استقرار حالة التوءم الملتصق السعودي يارا ولارا    أمير نجران يسلّم شاباً وسام الملك عبدالعزيز لتبرعه بإحدى كليتيه لشقيقه    تقرير المجاهدين على طاولة أمير جازان    "البلديات" ترصد مخالفات تقسيم السكن للاستثمار وتفرض غرامات مشددة    القبض على (12) مخالفًا لنظام الحدود لتهريبهم (216) كيلوجرامًا من "القات"    (49877) ساعة عمل تطوعية نفذها الهلال الأحمر بالمنطقة الشرقية    نائب أمير جازان يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل سفير دولة الإمارات لدى المملكة    جمعية "واعي جازان " ومركز مسارات يسلطان الضوء على ظاهرة الطلاق العاطفي    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الوليد بن خالد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التدمير الذي يسكن النفوس المكلومة
نشر في الحياة يوم 31 - 12 - 2015

إن النبذ هو احدى العلات التي تؤدي إلى الكسر، لكنّ انهزام المثقف الطليعي والليبرالي أمام جبروت النسق الثقافي الذي ينتمي إليه، هو مما يزيد من الألم ويعمقه، وكان هذا حال والد كوثر، الرجل المثقف والليبرالي المتخرج من الجامعة الأميركية في بيروت، والذي دافع في شبابه عن زواج أخته الشيعية من زميلها الشاب السني أمام رفض والده حتى نجح في ذلك». وبعد ثلاثين سنة حين فاتحت أبي في مطلع 2010 أن رجلاً ينوي التقدم إليّ: «يا مرحب». عبر شيء من البشر وجهه، وسألني: «من الذي سيأخذ حبيبة قلبي؟»، ولكي لا أطيل عليه، أفصحت قائلة: «رجل سني»، فجأة تكدر ماء وجه أبي. شعرت به يتحاشى النظر إليّ» (ص57). إن الحوار الذي دار بين كوثر ووالدها يكشف الأثر الذي يمارسه النسق الثقافي على الأفكار المتحررة، فهو، أي النسق، راسخ وله سدنة كثر، وهو محميّ بأعراف وتواضعات ظاهرة ومضمرة، وفوق ذلك يتسلح بسلطته الممتدة في الزمن الذي يحرك مياهاً كثيرة ويراهن على ضعف المواقف المرتبطة بالضعف الإنساني المقرون بإخفاقات أحلام التغيير التي تضيق حتى تختفي، فيصبح مناهضو النسق الثقافي المعيب أكثر الناس دفاعاً عنه، وطبعاً لا بد من أن يوجدوا التبريرات الملائمة لتبدل المبادئ والأحلام، وفي الحقيقة لتبرير الفشل.
إن كوثر الراغبة في الاستقلال وفي ممارسة حق الاختيار تتحرش بمؤسسة ثقافية راسخة ومتجبرة. وهي تعي بذلك، ورغم ذلك تتحداها على رغم ما يعتريها من خوف ضروري من الفشل في هذه المواجهة غير المتكافئة. ولكي نفهم مصدر هذا التحدّي، فإننا، لزاماً، ينبغي أن نعود إلى طفولتها التي ارتبطت بالكتاب حين كانت قريبة جداً من والدها المثقف المتنور وصديق الكتّاب الذين كانت تناقشهم. ولعل اختلاطها بهم جعل كثيراً من صفات «الذكورية» تترسب في شخصيتها. والذكورية، هنا، هي الصفة السحرية التي تمنح الفرد في المجتمعات العربية حرية كبيرة ومساحة محترمة للاختيار بل حتى التحكم في مصائر من يعايشهم. لكن الأب الذي كان سبباً في هذا الفكر المتحرر نسبياً أراد، بعد فوات، أن يجعلها تلعب، كما أخواتها، دور الأنثى المرسوم في النسق الثقافي.
وعلى رغم ما قد يمس بعض القراء من تعاطف مع كوثر في معركتها ضد المؤسسة في جانبها التحكمي، فإنه قد يلمس بعض الأنانية التي هي نسق ثقافي ناسخ، يسحق ما دون الأنا ولا يعترف به، ومنه إصرارها على الزواج من رجل مرتبط بزوجة وأبناء في إطار مؤسسة هادئة ومسالمة، ولكأنها تسعى إلى تفكيك هذه المؤسسة وخلق شرخ فيها إرضاء لشهوة الأنا في التملك والاستفراد بشخص ما. وكوثر لا تنكر أنها كانت البادئة في إغراء مشاري، وأنها من حاول أن يكدر جلسته العائلية مع زوجته حينما التقتهما صدفة في أحد المطاعم الشهيرة، وأنها اشترطت عليه تطليق زوجته للزواج بها مع تعليقات تشي بتلذذها الغريزي بما تفعل. ولكأن ممارستها حريتها واختيارها لن تمر إلا على حساب أشخاص أبرياء.
وإنه إذا كان تحرش كوثر بالمؤسسة الثقافية، في جزء، منه يعد محموداً ومطلوباً لتحقيق بعض الإنصاف، فإنها هي نفسها مارست شكلاً من استبداد الذات حينما جعلت اختيارها مقروناً بتفكيك مؤسسة زواج أخرى، لم يكن لها أي دور في انكسارها. ولكنها عقيدة التدمير التي تسكن النفوس المكلومة حين تظفر بإمكان فعل ذلك، ولعله لهذا السبب يسكن كوثر الكثير من خوف الارتماء في أتون هذا الزواج، ربما إحساساً مضمراً بالكسر الأكبر المقبلة على فعله في حق مشاري وزوجته الأولى. ومنه نفهم لِم توقف الزمن عند لحظة الصباح التي سبقت موعد زواجهما الذي من المفترض أن يتم بعدها بساعات قليلات، وهو الزمن الذي استرجعت فيه تفاصيل كثيرة من حياتها الملأى بالخوف والألم والخيبات، قبل أن تحاول ترميم كسرها بإحداث كسور أخطر في أمكنة أخرى. والمثير أن السارد الناظم المركزي الذي من المفترض أنه طالب الرفاعي يسترجع سلطته السردية ويجعل قصة مشاري وكوثر مفتوحة على إمكانات مختلفة قد يكون التراجع عن إحداث الكسور هنا وهناك إحداها.
إن رواية «في الهنا» تجربة سردية مفعمة بمتعة التلقي التي تخلقها شعرية اللغة والالتباس المقصود بين السيري والتخييلي، لكنها أيضاً رواية بقصديات ثقافية مختلفة، ومنها نكؤها جرح تراجع الاعتبار الإنساني في العلاقات بين الناس، وبين الإشارة إلى تجبر المؤسسة الثقافية في استعبادها الأفراد وحظر حقهم في الاختيار، وبين علو مستوى الأنا إلى درجة تبدل ظلم بظلم وألم بآلام. إن الرواية محاولة للوقوف على أشكال الكسر التي تسببها الذوات والمؤسسات من دون أدنى شعور بحجم الخسارة المحدق بالجميع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.