«خلينا نروح هناك يمكن فيه مشاهير» هذه العبارة سمعتها مصادفة من فتاة كانت تهمس لأخرى ترافقها، حينما مروا بجواري، وهما يتحدثان ويتنقلان بين أجنحة معرض الرياض الدولي للكتاب 2025 في يومه الأخير، والذي أقيم مؤخرًا من 2-10 أكتوبر، وهذه العبارة تزامنت مع وجود أحد مشاهير اليوتيوب لتوقيع كتابه الأول، وقبله بأيام أحد القصاص الجدد على تطبيق السناب شات، والذي كتابه الأول كذلك. الحقيقة بأن ظاهرة إصدار الكتب - من قبل بعض من اشتهروا على تطبيقات التواصل الاجتماعي أو الإعلام الاجتماعي الجديد- قد ازدادت في السنوات الأخيرة، وللأمانة ليست جميعها رديئة، وبالمناسبة أعجبني هذا المصطلح «الرداءة»، والذي اقترحه الدكتور عبدالله الغذامي، بدلاً من «التفاهة»، وذلك في لقائه الأخير المعنون ب«ثقافة التفاهة»، والذي استضافته دار مضامين للنشر والتوزيع ضمن مبادرة الشريك الأدبي في مطلع نسختها الخامسة، حيث يرى الغذامي أن «الرداءة» قابلة للتعليل وموضوعية ولها أصل علمي، وقابلة للقياس النقدي والبرهنة، بعكس لفظة «التفاهة»، والتي هي حكم عاطفي ووصمة استنقاص أخلاقية تُطلق جُزافًا من كل أحد، وليس لها أساس موضوعي أو علمي. البعض للأسف -وخصوصًا ممن هم محسوبين على الوسط الثقافي وينتمون له- يعتقد بأن الإقبال على مثل هذه المعارض أو أي نشاط معرفي ثقافي لمجرد الترفيه والمتعة أمر سلبي ويدعو للقلق، والبعض الآخر لا يمل من ترديد جمل وعبارات من كتاب «نظام التفاهة» للكاتب «آلان دونو»، حيث يصفون كل طرح لايعجبهم بالسطحية والتفاهة، وبأن هناك من هم دخلاء ومتطفلون على الثقافة، وتزدحم حولهم الجماهير وتصطف بسبب أنهم كُتاب جدد حققوا شهرة في منصاتهم الخاصة، وكأني بلسان حال أولئك المحسوبون على الثقافة: «لماذا لا يكتفي أولئك المشاهير بمنصاتهم الخاصة على تطبيقات التواصل؟ لماذا يزاحموننا في الثقافة ومعارض الكتب»!!، والحقيقة أن هذه النظرة قاصرة وأن هذا التعميم مُجحف وبعيد عن الصواب، فبعض أولئك المشاهير الذين برزوا في الإعلام الاجتماعي الجديد بتطبيقاته محتواهم جيد ونافع.. فلماذا نحجر واسعًا ونضيق ذرعًا بهم حينما يقررون تحويل محتواهم المرئي إلى مكتوب على الورق؟، فبما أنهم استطاعوا جذب بعض الشباب من فئات عمرية محددة لميدان القراءة والثقافة، هذا بحد ذاته أمر إيجابي ويدعو للتفاؤل والسرور؛ لجعل الأجيال الجديدة تقبل على القراءة وتصفح أوراق الكتب والتعود على رؤيتها؛ وقبلهم الكاتب، أسامة المسلم، الذي برز في كتابة الروايات من نوع «الفانتازيا» واستطاع بهذا الأسلوب الاقتراب من فكر واهتمامات نسبة لا يستهان بها من الأجيال الجديدة، والدفع بها وتقريبها لميدان القراءة؛ ولا بأس بأن تكون بداية القراءة لمن لم يتعود على القراءة «للمتعة والترفيه»، لأنه بمرور الأيام سيكون قد تعود عليها، وحينها يصل لمرحلة الوعي والنضج في القراءة لتكون قرائته «للفائدة» أكثر من أن تكون للمتعة وتبديد الفراغ والقضاء على الأوقات، وبالمناسبة وفي أثناء أيام المعرض قبل أيام سمعت أحد المتصلين على أحد البرامج الاذاعية -وكان عنوان الحلقة عن القراءة- يقول إنه لم يكن يعرف القراءة ولا يعرف طريق الكتب، ولكن ما حدث قبل عدة سنوات في المعرض أنه دخله فضولاً لا ليشتري، فقط قرر زيارته بسبب ماسمع عنه وعن الزحام المصاحب له وكانت النتيجة بأنه تأثر بالمعرض وبأجواء الثقافة وفعالياتها والنتيجة كما يقول «بأنه الآن أصبح قارئًا نهمًا وعاشقًا للكتب». بالمناسبة أحد مشاهير الإعلام الجديد في المعرض؛ اليوتيوبر «ثنيان خالد» كنت قد شاهدت بعض يومياته في الإبتعاث قبل سنوات أنا وأولادي من خلال قناته على منصة اليوتيوب، شاب طموح كان يصور مواقفه وأحداثه الجميلة، والتي لا تخلو من الكثير من الفوائد والإيجابيات، وبعد كل هذه السنوات قرر أن يجمعها ويوثقها في كتاب بعنوان «يوميات مبتعث»، ثم يأتي البعض، ويسخر من كتاباته هو وأمثاله من الطموحين والمتميزين، وبعض من يحتكر الثقافة لنفسه يصفهم بالتفاهة والتطفل والسطحية؛ لمجرد أن لهم جماهير! والحقيقة أن من يطلق مصطلح «التفاهة» هو الذي يفتقد هذه الجماهير، كما ذكر الدكتور الغذامي في أمسيته «ثقافة التفاهة».