على أن «الكلام بحرية» يأتي أولاً في قائمة «أعداء» أي وزير إعلامٍ عربي كما يقال، إلا أن وزير الثقافة والإعلام السعودي عبدالعزيز خوجة حاول أن يبرهن ضد ذلك أمس، وهو يُوزّع فرص الحديث على ضيوف «الجنادرية» بسخاء، تجاوزه إلى التحريض على «الكلام بحرية»! لكن الضيوف الذين جاؤوا من كل حدب عربي لمناقشة «الإعلام السياسي بين الحرية والمسؤولية»، بدلاً من التشكيك في جدية الوزير الديبلوماسي حاولوا امتحانه على خشبة المسرح نفسها، فهجا رئيس مركز أسبار فهد العرابي الإعلام الخليجي عبر دراسة امتطاها وأثارت انتقادات عدة. فيما جاءت مشاركة النائب اللبناني عقاب صقر على وقع هاتيك البيانات المشهورة عن 14 آذار، مرسلةً قذائف في صدور الجهة المستهدفة نفسها، وإن ظلت طوال الخطاب ضميراً مستتراً، تقديره بادياً للكل. وسريعاً ما التحق بالركب رئيس تحرير نسخة «ليموند» العربية أدموند غريب، فصب تحليله في كبد الإعلام العربي، السياسي منه والأهلي، وقضى في خاتمة مفزعة بأنه «غير شريك في مستقبل العالم، الذي يشارك الإعلام في رسمه»، وإن أقرّ بأن وسائل إعلام عربية تمكّنت في بادئ الأمر من كسر احتكار هيمنة الإعلام الأميركي على القضايا العربية. عندما فرغ المتحدثون الرئيسيون، هطلت المداخلات، كل واحدة أسخن من أختها، لكنها لم تشف جميعاً، فيما بدا شغف الوزير الذي ظل يشكر على الصراحة، ويحرض على «الحرية» التي «خلع سقفها ولا نقول رفعه»، كما تهامس الإعلاميون. الصحافيون الذين طالبوا الوزير بسهم من غنائم «الحرية»، التي وزّعها بسخاء في القاعة نالوا هم الآخرون قسطاً، فجاء سؤال من وحي الندوة مجروراً «هل سينعكس التحريض أيضاً على الإعلام السعودي؟»، فيرد الوزير بمستوى النشوة السابق نفسه «نهج الشفافية لست أنا من وضعه، إنما هو من صنع قائد هذا البلد، ولكن بصدق وجرأة ومهنية، الصدق في ما نطرحه والجرأة في ما نخبر به، والمهنية في معالجتنا، فهناك شعرة ما بين الحرية والفوضى، وبين المهنية ونقيضها، وأنا محام عن أي إعلامي التزم المهنية والصدق في طرحه». أما إذا تعلقت الحرية بمؤسسات إعلامية تفصّلها وتحد منها، فإن الوزير يجيب «هذه مشكلة وسائل الإعلام. أنا لم أمنع أحداً. نحن في التلفاز بكل قنواته نعالج قضايا المجتمع وغيرها بلا تردد، المهم المهنية في طرح الخبر». وقبل أن يقذفه زميل آخر بشرر سؤال عما وراء منع كتّاب إن لم يكن جهاز الوزير المانع، عاد خوجة إلى القاعة لاستكمال يوم «التحريض على الحرية». باحثون يتوقّعون صراعاً «محموماً» بين الإعلاميين والسياسيين لكسب الجمهور