في آخر حارتنا القديمة " أرض البشري " يوجد ملعبنا نحن الصغار آنذاك, وكان يحد برحة الملعب الترابي -من جهة الجنوب مزرعة العم " يوسف عينوسة " شكله يوحي بالذعر من صوته الجهوري والهيبة, ولكننا نحن الصغار كنّا نخافه جميعاً ونكرهه "وفي الحقيقة إن تقييمات الأطفال على سذاجتها أحياناً تكون مذهلة إذ أنه من النادر أن تخطئ", كانت مزرعته تلك تحتوي على شجر النخل الذي يغطى سعفها الغالبية من مساحة المزرعة, كما يوجد بها شجر ليمون أبو زهير, وشجرتان من الرمان والسدر, وبعض الشجيرات الصغيرة والورود, وكثيراً ما كانت تسقط الكرة في المزرعة, وعندها ينشأ سباق محموم بيننا وبين العم يوسف عينوسة صاحب المزرعة أو أي واحد من أفراد أسرته, فقد كنّا بحاجة إلى تسلق السور, ثم القفز إلى الداخل ورمي الكرة إلى الملعب ثم معاودة التسلق قبل أن ينزل العم " عينوسة " او احد أفراد عائلة العينوسة إلى المزرعة ويأخذ الكرة, ودائماً كنّا ننجح, وغالباً كنت أنا وصديقي " خالد حامد " رحمة الله عليه نقوم بهذه المهمة, والمرات القليلة جداً التي أخذوا فيها الكرة كانت تحدث عندما "نصادف" أحدهم في المزرعة منتظراً سقوط الكرة, وهكذا فقد نشأ صراع بطولي بيننا والعم عينوسة التي أسميناها فيما بعد "أرض العينوسة". لم نكن نقوم بشن غزواتنا على هذه " أرض العينوسة ", بعكس الأولاد الأكبر منا وهم يمتلكون ملعباً آخر من جهة الشرق للمزرعة,حيت كانت تتطبع الشقاوة على وجوههم ومن تلك الشقاوة والعفرتة, يتعمدون قذف الكرة داخل المزرعة، بقصد سرقة ما يقع تحت أيديهم من رطب الحلية والروثانة والرمان وحبات النبق, فكان كل واحد منًّهم يسرق أكبر عدد ممكن من الثمار المتوفرة, ثم يفر هاربا, حاملا في يده اليمنى غنائم المزرعة واليسرى الكرة, وهكذا تتكرر غزواتهم بحجة جلب الكرة وعينهم على ثمار المزرعة. وفي إحدى غزوات الأولاد الأشقياء في وقت ليس وقت اللعب بالكرة,تسلق ولد أشقاهم في حارتنا, وبينما كان جالساً على أحد فروع شجرة النبق وكان الوقت ليلاً, صاح أحدهم: العينوسة, العينوسة, ومن عجلته وارتباكاته سقطت فردة حذائه من على الشجرة ولكن لم يتركها هناك لأنها ستكون دليلاً فاضحاً ضده فنزل عن الشجرة وأخذ "يفتش" في الظلام بحثاً عنها وأخيراً, ومع دخول العينوسة إلى المزرعة وجدها ولكنها كانت مغموسة بشيء لزج قليلاً وساخن. فالتقطها, وبقفزة واحدة صار على السور ومنه إلى برحه الملعب خارج المزرعة,تلاحقه شتائم العم العينوسة ودعاؤه عليه بتكسر رجله,لو عادها مرة ثانية, وفجيعة أهله به, وتشكيلة أخرى من الأدعية التي يجيدها العم العينوسة وكل المتشابهين أمثاله في وقت الحاجة. وأثناء جريه تبين له أن فردة الحذاء لم تكن حذائه .. وعند وصوله إلى أصدقائه العفاريت راح يقصُّ عليهم ما حدث معه، وكيف وقعت فردة حذائه على "أرض العينوسة " وبمجرد ذكره باختلاف حذائه انفجر أحد أصدقائه بالضحك وهو يتمايل ويضغط على بطنه بكلتا يديه لان جسمه يشبه البالون المنتفخ, فقد كانت الحذاء لأحد أصدقائه الأشقياء أثناء انهماكهم بالسرقة في نهار ذلك اليوم .. وهذه من مواقفنا البريئة والمضحكة ايام الطفولة .