تعكس المواقف التي أعلنتها المملكة العربية السعودية حيال التطورات الأخيرة في محافظتي حضرموت والمهرة حجم القلق المتصاعد من مسار التحركات الميدانية، التي تشهدها تلك المناطق، وما تنطوي عليه من تداعيات مباشرة على أمن المملكة الوطني، وعلى مستقبل الاستقرار في الجمهورية اليمنية؛ إذ ترى المملكة أن ممارسة ضغوط لدفع قوات المجلس الانتقالي الجنوبي نحو تنفيذ عمليات عسكرية على امتداد حدودها الجنوبية تمثل تهديدًا مباشرًا لأمنها، وتتجاوز الإطار الذي أُسس عليه تحالف دعم الشرعية في اليمن، القائم على حماية الدولة اليمنية، ودعم مؤسساتها الشرعية؛ لا خلق بؤر توتر جديدة. ويبرز في هذا السياق تأكيد المملكة أن أي مساس بأمنها الوطني يُعد خطًا أحمر لا يقبل التهاون، وهو ما يعكس ثبات الموقف السعودي تجاه حماية حدودها وسيادتها، واستعدادها لاتخاذ جميع التدابير اللازمة لمواجهة أي تهديد محتمل. كما يأتي التشديد على ضرورة انسحاب القوات الإماراتية من الأراضي اليمنية خلال مهلة زمنية محددة، ووقف أي دعم عسكري أو مالي لأي طرف داخل اليمن، ليؤشر إلى قناعة سعودية بأن استمرار التدخلات غير المنسقة، يسهم في تعقيد المشهد اليمني ويقوض جهود التهدئة. وفي مقابل الموقف الحازم، تحرص المملكة على إبقاء الباب مفتوحًا أمام الحلول القائمة على الحكمة، وتغليب مبادئ الأخوة وحسن الجوار، انطلاقًا من العلاقات الوثيقة التي تجمع دول مجلس التعاون الخليجي، وبما يخدم مصلحة اليمن الشقيق. ويعكس هذا الطرح سعي الرياض إلى معالجة الخلافات، ضمن الأطر السياسية والدبلوماسية، دون الإضرار بالروابط الإستراتيجية القائمة. وعلى الصعيد الداخلي اليمني، تؤكد المملكة أن القضية الجنوبية تمثل أحد الملفات الجوهرية، التي لا يمكن تجاوزها في أي تسوية سياسية مقبلة؛ باعتبارها جزءًا أصيلًا من مخرجات الحوار الوطني اليمني، وعنصرًا رئيسيًا في أي عملية سياسية مستقبلية. غير أن المملكة تشدد في الوقت ذاته على أن معالجة هذه القضية، يجب أن تتم عبر التوافق والالتزام بالاتفاقات، وبناء الثقة بين مختلف المكونات اليمنية، بعيدًا عن فرض الوقائع بالقوة، أو توظيفها في صراعات عسكرية. وتشير الجهود التي بذلتها المملكة خلال الفترة الماضية، عبر التواصل المكثف مع قيادات الحكومة اليمنية، ومحافظ حضرموت، ومشايخ القبائل، وقيادات المحافظتين، إلى دور سعودي فاعل، يهدف إلى احتواء التوتر وتهدئة الأوضاع، وتعزيز الأمن والاستقرار في المناطق المتأثرة. وتؤكد هذه التحركات أن الرياض تنظر إلى الاستقرار المحلي في حضرموت والمهرة؛ باعتباره جزءًا لا يتجزأ من أمن اليمن ووحدته. وفي هذا الإطار، تستحضر المملكة اتفاق الرياض؛ بوصفه نموذجًا لإشراك أبناء الجنوب في السلطة وفتح مسارات واقعية نحو حل عادل لقضيتهم من خلال الحوار والتوافق. كما ترى في قرار نقل السلطة خطوة أسهمت في ترسيخ مبدأ الشراكة الوطنية، ومنحت الجنوبيين دورًا فاعلًا داخل مؤسسات الدولة، بما يقلل من احتمالات الإقصاء، أو فرض الأمر الواقع بالقوة. وفي المحصلة، تؤكد قيادة المملكة العربية السعودية أن مقاربتها تجاه اليمن تنطلق من هدف إستراتيجي، يتمثل في نقل البلاد من دائرة الصراعات والنزاعات إلى أفق الاستقرار والسلام والتنمية، مع التركيز على تلبية تطلعات الشعب اليمني نحو مستقبل يقوم على الأمن والازدهار والتكامل الاقتصادي، باعتبار ذلك المسار الوحيد الكفيل بإنهاء الأزمة، وتحقيق استقرار دائم في اليمن والمنطقة.