قبل إغلاق فترة الانتقالات الصيفية مساء غد الأربعاء، تكون الأندية السعودية قد أنهت جولة جديدة من سباق التعاقدات، وسط جدل متجدد حول جدوى ما يُنفق من أموال ضخمة، وما يُقدّم فعلياً داخل الملعب، وقد اعتمد الاتحاد السعودي لكرة القدم بالتنسيق مع رابطة الدوري السعودي للمحترفين موعد الفترة الصيفية منذ الثالث من يوليو، حتى العاشر من سبتمبر 2025، وهي مدة شهدت زخماً إعلامياً وصفقات متلاحقة. وإذا كان من الطبيعي أن تسعى الأندية لتعزيز صفوفها، فإن اللافت أن بعض الفرق، وتحديداً النصر والاتحاد والأهلي، لذين يشكلون واجهة استثمار الصندوق السيادي في الرياضة، قد كانوا الأكثر حركة وتغييراً؛ رغم أنهم حصدوا نصيب الأسد من التعاقدات في الفترات الماضية، هذه الأندية لم تكتفِ بما لديها، بل واصلت التدوير، حتى امتلأت قوائمها بالنجوم، ثم وجدت نفسها مضطرة لتصريف بعض الأسماء نحو الدوري التركي، أو غيره من الوجهات، في مشهد يثير التساؤل: أين التخطيط؟ إن كرة القدم الحديثة لا تُبنى على تراكم الأسماء، بقدر ما تُصنع بالانسجام والاختيار المثالي؛ فالقيمة لا تكمن في كمّ اللاعبين ولا في شهرتهم، بل في مدى حاجة الفريق لهم، وكيفية توظيفهم في المنظومة الفنية. المؤسف أن بعض التعاقدات الضخمة بدت وكأنها مجرد استعراض، لا إضافة فنية حقيقية، والدليل أن عناصر كلّفت ملايين اليوروهات، سرعان ما غادرت، أو جرى تهميشها. وليس المقصود هنا أن الصفقات الكبرى أمر سلبي في حد ذاته، بل العكس، فوجود نجوم عالميين يرفع من قيمة الدوري، ويمنح الجماهير متعة مضاعفة. لكن الإشكال يكمن في غياب الرؤية الطويلة الأمد، حيث يتم جلب لاعبين بلا دراسة كافية، ثم تُكتشف الفجوة بعد أشهر قليلة. فهل من المنطق أن تذهب هذه الأموال الهائلة بلا عائد يتناسب معها؟ لو أمعنّا النظر في تجارب الأندية الأوروبية العريقة، لوجدنا أن نجاحها قائم على فلسفة الاستدامة، لاعب يُستقطب وفق حاجة واضحة، ضمن منظومة تخدم خطط النادي لسنوات، وليس مجرد صفقة لالتقاط الصور أمام الكاميرات. هذا ما ينقص بعض أنديتنا اليوم، أن تتحول التعاقدات من ردود أفعال إلى قرارات مدروسة. الأمر الآخر أن وجود تخمة في العناصر قد يضر أكثر مما ينفع. فالمدرب أمامه أسماء كثيرة لا يستطيع إشراكها جميعاً، والنتيجة.. نجوم على الدكة، وتوترات داخلية، وصعوبة في ضبط الانسجام. في المقابل، كان بالإمكان أن تُستثمر هذه الأموال في جلب لاعبين في مراكز محددة يعاني منها الفريق، أو في تطوير المواهب المحلية، أو حتى في إنشاء بنية تحتية تدعم الأجيال القادمة. إن المشهد الحالي يفرض على الإدارات أن تعيد النظر، لا سيما أن الجمهور أصبح واعياً أكثر من ذي قبل، وصوته في المنصات يعكس حالة إحباط؛ حين يرى نجوماً يُستقطبون بأرقام فلكية، ثم يُستغنى عنهم سريعاً. النجاح الحقيقي ليس في كمية الصفقات، بل في نوعيتها، ومدى قدرتها على صناعة الفارق داخل الملعب. لقد آن الأوان لتبني عقلية جديدة، تجعل من كل تعاقد مشروعاً متكاملاً، يخضع لمعايير فنية وإدارية دقيقة، تضمن أن كل ريال يُصرف يأتي بثماره. بذلك فقط يمكن أن يتحول الدوري السعودي إلى نموذج في الكفاءة، لا مجرد ساحة للإنفاق غير المحسوب.