لا يعد التعثر الدراسي أو الرسوب مجرد رقم في كشف الدرجات، بل هو حالة مركبة تتجاوز حدود القاعة الدراسية لتلامس نفسية الطالب، وتؤثر في أسرته، وتترك أثرًا اقتصاديًا على مستقبله وعلى المؤسسة التعليمية والمجتمع. فالطالب الذي يتعثر لا يخسر درجات فقط، بل يفقد جزءًا من ثقته بنفسه، ويبدأ في التشكيك بقدراته، وقد يدخل في دائرة من العجز المكتسب تجعله مقتنعًا بعدم جدوى المحاولة من جديد، فينعكس ذلك على دافعيته واستعداده للتعلم. أما في المحيط الأسري، فقد يتحول الرسوب إلى مصدر ضغط وتوتر، حيث يتعرض الطالب للمقارنة أو اللوم، وقد يشعر بالعزلة أو الاغتراب عن بيئته الاجتماعية، بينما تجد الأسرة نفسها في مواجهة أعباء نفسية ومالية إضافية، سواء من حيث الرسوم أو الوقت أو التكاليف المعيشية. ولا يقف الأمر عند البعد النفسي والاجتماعي، فالرسوب له كلفة اقتصادية واضحة على الطالب وأسرته، وعلى الجامعة التي تعيد استهلاك مواردها لتكرار تقديم المقرر نفسه دون أن يتحقق مردود أكاديمي حقيقي، فضلًا عن تأخر دخول الطالب إلى سوق العمل وما يترتب على ذلك من فقدان جزء من طاقته الإنتاجية. والأسوأ أن استمرار هذه الممارسات لا ينسجم مع مفهوم كفاءة الإنفاق الذي تشدد عليه رؤية المملكة 2030، حيث تُعد الاستفادة القصوى من الموارد المالية والبشرية ركيزة أساسية لتحقيق أهداف التنمية. ورغم ذلك، ما زال الحل التقليدي الذي تلجأ إليه بعض المؤسسات التعليمية هو إعادة السنة أو المقرر، وكأن تكرار التجربة بالأسلوب نفسه وفي الظروف نفسها سيؤدي إلى نتائج مختلفة، في حين تؤكد الدراسات أن مهارات الذكاء المعرفي الأساسية شبه ثابتة، وأن هذه الإعادة غالبًا ما تعيد إنتاج التعثر نفسه، وربما بجرعة أكبر من الإحباط. وتزداد الصورة تعقيدًا حين نرى بعض أعضاء هيئة التدريس يحتكرون تدريس مقررات معينة لسنوات طويلة، رغم ارتفاع معدلات الرسوب لديهم بشكل ملفت. هذه الظاهرة تثير تساؤلات حول أساليب التدريس وطرق التقييم، خاصة حين تتحول بعض المقررات إلى عقبة مزمنة في طريق الطالب نحو التخرج. وبدون مراجعة وتطوير، تظل هذه الحلقة المغلقة تحاصر الطالب عامًا بعد عام. أتذكر أنه خلال عملي بمركز الإرشاد الطلابي بالجامعة، فقد قدمت مع زملائي مبادرة لمعالجة هذه الإشكالية بعد دراسة بيانات الرسوب وتشخيص أسبابه، وتضمنت الحلول المقترحة عدم إسناد تدريس المقرر لعضو هيئة التدريس الذي ترتفع لديه معدلات الرسوب إلا بعد مراجعة منهجه التدريسي، وإعادة توزيع المقررات، وتوفير برامج دعم أكاديمي موازية تركز على مهارات التعلم الفعّال، إلى جانب تحليل دوري لبيانات الأداء الأكاديمي للتدخل المبكر. وقد لاقت هذه المبادرة دعمًا وقبولًا من إدارة الجامعة ومسؤوليها، وشكلت نموذجًا عمليًا يمكن البناء عليه وتطويره مستقبلًا. إن مواجهة التعثر الدراسي قد تتطلب تغييرًا في الفلسفة التعليمية نفسها، من عقلية العقاب وإعادة السنة، إلى عقلية التدخل المبكر والدعم المخصص، مع دمج الإرشاد النفسي والأكاديمي، وتحفيز أعضاء هيئة التدريس على تجديد طرقهم التعليمية وتبني استراتيجيات أكثر شمولية وعدلًا. فالتعليم الناجح لا يقوم على إعادة المشهد نفسه وانتظار نتيجة مختلفة، بل على إعادة تصميم المشهد ليمنح كل طالب فرصة حقيقية للنجاح، ويحوّل التعثر من عقبة مكلفة إلى قصة نجاح تصنع المستقبل.