أحد شيوخنا كان يسمي العقل- مازحًا- الدور السادس. على أساس أن الإنسان مثل العمارة، وأن الدور السادس والأخير يسكن فيه العقل، وكلنا عنده دور سادس؛ بغض النظر عن الدراسة. فكان الشيخ- رحمه الله- يقول لمن يسأل أسئلة من البديهيات: شغّل الدور السادس عندك يا بني. ولقد حكى لي صديق- رحمه الله- أن أحد المتزوجين مرت عليه بضع سنوات دون أن ينجب؛ فنذر لله لئن رزقه الله ولدًا فإن سيذبح خروفًا عرض ليته سبعة أشبار. وأخذ يدعو الله ويدعو حتى جاءت البشارة بأن زوجته حملت. ولما وضعت إذا هو ولد ذكر فبلغ به السرور أعلى ما يمكن. ثم تذكر النذر. وهنا ذهبت السكرة وجاءت الفكرة كما يقولون. فمن أين يأتي بخروف عرض ليته سبعة أشبار؟ وكلما سأل قيل له: لم نعلم أن خروفًا في العالم بهذه المواصفات. حتى إنه خرج من قريته إلى مدينة يكثر فيها علماء الشريعة، وكلما سأل واحدًا منهم قالوا له: أوفِّ بنذرك. فإذا سأل عن الكيفية قالوا له: هذه مشكلتك، من قال لك تنذر هذا النذر العويص؟ ثم عاد إلى قريته، وفيما هو يسير بين المزارع رأى صديقًا له؛ فطرح عليه السؤال فقال له الصديق: هل ترى الرجل الذي حرث هناك بالثورين، قال له: نعم، قال: اذهب إليه وهو يجيبك. فقال: عرفته فهو أبو عامر. قال الصديق: نعم هو! فقال: أنا سألت العلماء فلم يجدوا لي حلًا، هل تعتقد أني إذا سألت أبا عامر وهو شاعر أمي يحل الإشكال؟ فقال الصديق: أنت لن تخسر شيئًا إذا سألته. فذهب إليه وسمع غناءه عندما اقترب منه. وكان أبو عامر واقفًا فوق محراث وماسكًا زمام ثورين يحرثان الأرض. وجاء الرجل وسلم فقطع أبو عامر غناءه، أو حداءه ورد عليه السلام. فقص عليه الهم الذي هو فيه. وعلى الفور قال أبو عامر دون أن يوقف الحراثة: أذرع بشبر المولود، واحذر لهذا تعود. فانطلق الرجل فرحًا يبشر أهل بيته بإمكانية الوفاء بنذره، ويبحث عن أي خروف بعد أن سهل له أبو عامر الصعب. لقد نزل آدم- عليه السلام- إلى الأرض وليس معه سوى الدور السادس. نعم، هناك الحديد المنصوص عليه في القرآن أنه نزل من السماء. لكنه حديد خام لا يذبح الخروف ولا يسلخ الجلد عن ليته. وقام آدم وذريته بتشغيل الدور السادس تجاه الحديد الخام، فأنتجوا السكين والفأس والمطرقة والإبرة والمسمار والصامولة والمنشار والمحراث والسيف ثم الدراجة والسيارة والمركب والطيارة والغواصة والصاروخ والرادار والمكوك الفضائي. الدور السادس يجب تشغيله بكامل طاقته في كل الاتجاهات وفي الحرب والسلم. نحن مسؤولون عنه، ومحاسبون عليه.