عند عودتي من رحلة عمل قبل عدة أيام، جلس بجانبي أحد الشخصيات ذات الباع الطويل في العمل الإعلامي، وبالطبع ظهر موضوع الإعلام الرياضي على السطح، وكيف أصبح من الصعوبة (احترام) أي إعلامي رياضي -ليس فقط- كطرح ولكن كشخص أيضًا، ولم تكن هذه المرة الأولى التي أسمع هذا الرأي؛ فقد سمعته كثيرًا بطرق متعددة، ولكن لماذا أصبحت مكانة الإعلامي الرياضي هكذا؟ رغم شعبية الإعلام الرياضي، إلا أن النظرة السائدة داخل الأوساط الإعلامية- وخارجها أحيانًا- تضع الإعلامي الرياضي في مرتبة "أقل" من زملائه في المجالات الأخرى، وهذه النظرة لم تأت من فراغ؛ بل نتيجة تراكمات ثقافية ومهنية، أسهم فيها الإعلاميون الرياضيون أنفسهم، حيث يُنظر للإعلام الرياضي على أنه مجرد مساحة للترفيه والمناكفات، لا تتطلب أدوات تحليل عميقة أو ثقافة واسعة. كما أن البرامج الرياضية تقدم نموذجًا سلبيًا للطرح، يعتمد على الإثارة وعلى السخافة واستغباء المتلقي وقلة الاحترام، وهذه عناصر كرّست في أذهان الناس أن الإعلامي الرياضي أقرب للمشجع منه إلى الصحفي المحترف؛ نتيجة الى افتقار الكثيرين الى الخلفية الأكاديمية أو التدريب الاعلامي، بل أن بعضهم جاء من مدرجات التشجيع مباشرة إلى المنابر، وإن كان الأمر لا يُعيب الموهبة الفطرية، إلا أنه فتح باب الانتقاد المهني، ورسّخ صورة "الهواة" في الطرح وساعد في ذلك (اختيار) وزارة الإعلام واتحاد الإعلام الرياضي إشاحة النظر عن المشهد؛ ما جعل من السهل أن يتحول مشجع أو هامور من هوامير التواصل الاجتماعي إلى ضيف دائم، يناقش القضايا بمستوى سطحي يؤثر على الذائقة العامة، وقد يجادلني البعض في أن مستوى هبوط الطرح يبلغ أشده في التواصل الاجتماعي، وهذا أمر ليس هناك مجال للسيطرة عليه، إلا أن ذلك أشد بلاء؛ فإذا كان ذلك الطرح يأتي من شخص في حساباته للتواصل الاجتماعي، فهذا الأمر دليل على أن ذلك ما سينضح به إناؤه في كل الأحوال. في الولاياتالمتحدة، يُعد الإعلام الرياضي أحد أعمدة الإعلام الوطني؛ حيث توظف الشبكات العملاقة المحللين والمراسلين المتخصصين؛ بعضهم حاصل على درجات أكاديمية متقدمة، ورواتبهم تنافس نجوم الرياضة. والإعلام الرياضي هناك لا يكتفي بمناقشة نتائج المباريات، بل يتعمق في ملفات اقتصادية، وسياسية، واجتماعية، وقانونية متعددة، والإعلامي الرياضي في أمريكا شخصية مؤثرة، ومحترمة، ومحاطة بهالة احترافية. التقليل من الإعلامي الرياضي ليس قضية عداء شخصي، ولكنه نتاج مخرجات ظاهرة للجميع، ومع تحولات المشهد الرياضي السعودي لابد أن يحصل إعادة تشكيل لهذا المشهد، وتعزيز مكانة الإعلامي الرياضي الذي يملك أدواته، ويفهم تأثيره، ويحترم جمهوره.