في خطوة نوعية تمثل تحوّلاً في فلسفة التعليم والتقويم، أعلنت وزارة التعليم إجراء الاختبارات النهائية ضمن اليوم الدراسي. هذا القرار يشكل سابقة هامة تعكس توجهًا نحو بيئة تعليمية أكثر توازنًا، وأقرب لاحتياجات الطلاب النفسية والتربوية. وعلى الرغم من طابع هذا القرار التنظيمي الظاهر، فإنه يحمل دلالات تربوية عميقة تستحق الوقوف عندها. لقد ظل المجتمع التعليمي لعقود طويلة أسيرًا لنموذج أسبوع الاختبارات المنفصل، الذي غالبًا ما كان يسبب توترًا كبيرًا للطلاب. فقد كان هذا الأسبوع يُقصي الطالب عن حياته اليومية، ويعزز ثقافة الخوف من التقييم، ليصبح بذلك "أسبوع قلق مضاد". في هذه الفترة، يرتفع ضغط الأسر في المنازل، وينقطع الإيقاع التعليمي الاعتيادي، ويتشكل تصور سلبي عن الاختبارات كمصدر للرعب، وليست أداة لقياس التعلم. إن القرار الجديد يعيد تعريف العلاقة بين التعليم والتقويم؛ إذ إن دمج الاختبارات ضمن اليوم الدراسي في بيئة مألوفة، وتحت إشراف المعلمين الذين شاركوا الطلاب في التعلم، يخفِّف من حدِّة التوتر ويمنح الطالب فرصة للتعبير عن مستواه الحقيقي بعيدًا عن مشاعر التهديد أو العزلة النفسية. وتؤكد أبحاث علم النفس التربوي أن تقليل قلق التقييم يعد عاملًا رئيسًا لتحسين أداء الطلاب، خاصة أولئك الذين يعانون من رهبة الاختبارات. من الناحية التربوية، يشكل هذا التوجه فرصة لإعادة النظر في أدوات التقويم نفسها. مع تقليص مساحة الاختبارات الموحدة، تزداد الحاجة لتقييمات أكثر صدقية تقيس الفهم والتفكير النقدي، بدلاً من الحفظ والاسترجاع فقط. كما يتحمل المعلم مسؤولية أكبر في تصميم مهام تقييمية عادلة وواقعية تتوافق مع الأوقات المحددة، وتخدم أهداف التعلم بدلاً من الاكتفاء بالتصنيف أو الترتيب. علاوة على ذلك، يضمن دمج الاختبارات في اليوم الدراسي انتظام الحضور حتى نهاية العام، ويمنع تراجع الانضباط بعد انتهاء فترة الاختبارات؛ ما يعزز احترام الوقت المدرسي لدى الطلاب والمعلمين على حد سواء. وعند النظر إلى جودة المخرجات التعليمية، يرتبط هذا القرار بمحاولة سد الفجوة القائمة بين نتائج الطلاب في الاختبارات التحصيلية المدرسية ونتائجهم في اختبارات القدرات والمنافسات الدولية، وكذلك نتائج اختبارات "نافس" الوطنية، ذلك بعدما أظهرت بعض الدراسات فجوة ملحوظة بين الأداء المرتفع داخل الصفوف الدراسية والأداء المتواضع في الاختبارات التي تتطلب مهارات التفكير التحليلي وحل المشكلات والتطبيق العملي. وإذا تم استثمار هذا القرار ضمن اليوم الدراسي بشكل سليم، من خلال تصميم مهام تقييمية قصيرة تُنمّي مهارات التفكير النقدي والفهم العميق، فإن ذلك قد يسهم تدريجيًا في ردم هذه الفجوة بين ما يتعلمه الطالب فعليًا، وما يُطلب منه في تلك التقييمات ذات المعايير الدولية. بمعنى آخر، قد يتحول القرار من مجرد تنظيم إداري إلى فرصة حقيقية لإعادة ضبط بوصلة التقويم نحو المهارات التي تمكّن الطالب من النجاح محليًا وعالميًا. وعلى صعيد التجارب الدولية، يدعم القرار ما اتبعته دول رائدة في إصلاح التعليم. ففي فنلندا، تُدمج التقييمات القصيرة في اليوم الدراسي، ما يخفف الضغط النفسي ويركز على التعلم العميق. أما في مقاطعة أونتاريو الكندية، فيُنظر إلى التقويم كأداة لتحفيز التفكير النقدي وتحسين الأداء، لا أداة للفرز فقط. كما خفّضت سنغافورة من مركزية الاختبارات الموحدة، ودمجت التقييمات المرحلية لتعزيز الصحة النفسية ودعم المهارات التطبيقية. كما تعتمد نيوزيلندا تقويمًا بنائيًا مستمرًا يتيح للطالب التقدم وفق قدراته ضمن بيئة تعلم طبيعية، وهذه التجارب تؤكد أن تحويل الاختبار من محطة قلق إلى أداة نمو، يتطلب إعادة تصميم فلسفة وآليات التقييم، وهو ما بدأت الوزارة تسير نحوه، لكن نجاحه مرهون بجودة التنفيذ ووضوح الأهداف والتفاعل الإيجابي مع الميدان التربوي وأولياء الأمور والمجتمع. هذا، ورغم المبررات التربوية القوية التي تدعم هذا التحول، فإنه يواجه تحديات حقيقية تستوجب تهيئة شاملة للميدان التربوي قبل البدء في تطبيقه، بهدف تفادي أي آثار سلبية محتملة. فالتنفيذ المفاجئ دون إعادة تعريف واضحة لطبيعة اليوم الدراسي، قد يؤدي إلى إرباك المعلمين والطلاب وأولياء الأمور، بدلًا من تحقيق التنظيم المنشود . كما إن التهيئة المدروسة لهذا القرار، قادرة على إزالة العديد من التساؤلات، والقلق المنتشر حاليًا حول آليات التنفيذ. ومن بين هذه التساؤلات التي تحتاج إلى إجابات واضحة: ما جدوى استمرار اليوم الدراسي بعد انتهاء المقررات؟ وكيف سيتم تنظيم محتوى الحصص المرافقة للاختبارات؟ وكيف يستطيع المعلم التوفيق بين أجواء التقويم وضمان الانضباط والتركيز؟ وهل تم تجهيز الإدارات والمدارس والمعلمين بشكل كافٍ لضمان تحقيق أهداف القرار بنجاح؟ وفي الختام، إن إجراء الاختبارات ضمن سياق اليوم الدراسي ليس مجرد تعديل شكلي، بل هو ترجمة عملية لرؤية تعليمية جديدة تراعي الطالب كشريك في التعلم لا موضوعًا للتقييم فقط. وإذا ما تم التعامل مع هذا القرار بوعي مؤسسي شامل، فقد يكون بداية حقيقية لإصلاح ثقافة التقييم في مدارسنا، وتعزيز بيئة تعليمية صحية ومتوازنة.