[email protected] @NevenAbbass منذ أن فرض الحج على المسلمين، وهو يمثل ذروة التقاء الروح بالجسد، والدين بالدولة، والإيمان بالتنظيم، وبينما يقف الملايين على صعيدٍ واحد، على اختلاف جنسياتهم ولغاتهم، وتتوحد قلوبهم ووجوههم نحو قبلةٍ واحدة، تبرز المملكة العربية السعودية كمنظومة احترافية تدير هذا المشهد الإيماني العظيم بعقل الدولة وبصيرة الإنسان. تابعت كغيري من الملايين الاستعدادات التي تجريها المملكة لحج هذا العام 2025، ورغم أنني لست من الحجيج هذا العام، إلا أنني شعرت بدهشة لا تقل عن دهشة الحجاج الذين يقفون هناك، فكل عام يبدو وكأن السعودية تعيد ابتكار الحج من جديد، لا بخلق شعائر، بل بإعادة هندسة إدارتها بما يليق بعظمة الشعيرة، وقداسة الزمان والمكان، في هذا العام بدا واضحًا كيف تحول الحج إلى نموذج عالمي في إدارة الحشود، حيث التوازن الدقيق بين الأمن الروحي والأمن التنظيمي، التكنولوجيا كانت حاضرة بقوة من تطبيقات ذكية تسهل تنقل الحاج، إلى الخرائط التفاعلية، إلى أنظمة المتابعة الصحية التي ربطت كل حاج بسجل طبي حتي تتابعه الجهات الصحية على مدار الساعة، لكن ما لفتني أكثر ليس فقط مظاهر التكنولوجيا، بل القدرة على صهرها في بوتقة روحية لا تربك الحاج ولا تثقله، بل تدعمه وتحميه، السعودية لا تدير مجرد حشود، بل تدير أرواحًا مشتاقة، وقلوبًا أنهكها السفر طلبًا لرضا الله، لقد أثبتت المملكة أن التنظيم لا يتعارض مع الروح، بل قد يكون بوابتها ومع كل عام، تزداد قناعتي أن السعودية حامية الإسلام وقبلة المسلمين في كافه بقاع الأرض، فهي تتقن فن تسهيل الوصول إلى الله دون أن يشعر الحاج أنه داخل ماكينة دولة، أو فريسة لفوضى البشر، وفي زمن تتعالى فيه الأصوات المشككة، والمزايدات السياسية، تظل السعودية هي اليد العليا التي تنظم الطواف دون أن تسرق منك الخشوع، وتدير الزحام دون أن تطفئ رهبة المقام، هذا ليس مجرد دور سياسي أو سيادي، بل هو مسؤولية حضارية وروحية تؤديها المملكة بوعي وكفاءة وتاريخ وعهد لا تخونه.