في حي الرغامة بجدة شارع اسمه (مصعب بن عادل) ومهما بحثت عن هذا الاسم في قوقل فلن تجد له اثراً مما يجعلني – وغيري كثير – يتساءل.. كم عدد الشوارع في مدننا التي اطلق عليها اسماء, لا نقول غير معروفة، ولكن هناك ما هو اولى منها.. وهنا يثور سؤال مهم حول لجنة تسمية الشوارع، ما هي فلسفتهم في التسمية، ما منهجهم، وهدفهم وحجم الرؤية عندهم؟. سألت ذات مرة عن هذه الحكاية احد العاملين في امانة جدة، فقال لي: ان التسميات الخاصة بالشوارع لها ارتباط وثيق بالوزارة في الرياض؟.. قلت في نفسي.. حتى ولو.. ماذا يعني ان فلاناً او غيره في الوزارة هو المسؤول عن تسمية شوارعنا.. في وقت كان يجب ان تسند هذه المهمة الى مجموعة من المثقفين.. واقول المثقفين، واكررها عشرات مرات، وليس المهندسين او المديرين، او مدراء العموم. لسبب بسيط، وهو ان هذه هي مهمة المثقفين لا مهمة غيرهم.. ولذلك فلا نستغرب هذه الفوضى في تسمية شوارعنا، والتي تراوح بين الاختيار الجيد في بعضها فقط، وبين المجاملات في عدد منها، وبين عدم الرؤية وضعف الاختيار في الكثير منها. ولو اخذنا جدة كمثال او نموذج يمكن ان ينطبق بعد ذلك على المدن الاخرى، فكم عدد الادباء الذين هم ابناء هذه المدينة او عاشوا فيها كثيراً، فهم احق بالتسمية للشوارع في مدينتهم، ثم بعد ذلك بقية ادباء المملكة.. ثم هناك علماء الدين، وهناك ناشطون اجتماعيون، واطباء وطبيبات ومهندسون ومعلمون (مدير تعليم، مدير مدرسة معلم). وهناك طيارون ومقاتلون ومهندسون وحرفيون.. الخ وأليس هؤلاء اولى من اسماء لم يكن لها قيمة كبيرة في عمق التاريخ، ثم يتم (التنبيش) عنهم بالمجهر لالتقاط اسمائهم ووضعها على شوارعنا، فيما حياتنا تزخر باسماء فاعلة على مسرح مجتمعنا قديماً والآن. نعم لا ننكر ولا نرفض بل نرحب باسماء قادمة من التاريخ، لكن الذي نريده هو اسماء متوهجة.. وليست ضعيفة، او لا يمكن معرفتها الا بصعوبة شديدة. ما الذي يمنع ان يكون في جدة اسماء لرؤساء انديتنا ونجوم كرة القدم والسلة والطائرة.. الخ.. واسماء لنجوم الفن بانواعه.. واسماء للشعراء بما في ذلك الوجوه الجديدة الشابة المبدعة التي تعيش بيننا الآن، ومنهم من كان مبهراً في المربد والقاهرة وتونس وعمان.. هل كثير عليه ان نطلق اسمه على شارع بعرض 8 امتار، وبطول 500 متر مثلاً.. لماذا لا نكون اقرب في تسمية شوارعنا الى الالتصاق بحياتنا المعاشة القريبة منا، الى التماهي مع الفضاء المنحلي بواقعية اكثر، بدلاً من السفر البعيد في عمق التاريخ لاسماء يصعب حتى حفظها لسكان الشارع نفسه. اتذكر مرة وانا اتجول في شوارع المنطقة المركزية في مدينة الباحة التي قد اندهشت كثيراً، مما يجري هناك (وكتب عن ذلك مقالاً في صحيفة الباحة الاليكترونية) اقول ان ما رأيته يجري هناك كان اقرب الى السباحة في خيال بعيد عن الواقع في مسألة تسمية الشوارع هذه. ففي شوارع الباحة لا تجد اسماء رموز المنطقة المعروفين عبر التاريخ، ولا حتى في التاريخ المعاصر، وكأن ثمة جفاء متعمد من امانة الباحة نحو أولئك.. في وقت يزخر سجل تاريخ المنطقة بما يزيد عن الف اسم جائزة ومعروفة، ومنهم الصحابة والصحابيات من زهران وغامد، والقادة، والادباء والشعراء والنجوم والناشطون.. الخ. اظن ان ثمة حساسية لدى القائمين على تسمية شوارعنا، وهي بالتأكيد حساسية غير مبررة ولا منطقية، الا في عقول من يتصورنها.. ولذلك جاء الوقت الذي يجب ان تنفتح البلديات على نجوم المجتمع وتضع اسماءهم على شوارعنا كحق مشروع لأولئك نظير ما قدموه لوطنهم واهلهم كنوع من التكريم المعنوي، وثانياً لنكون بذلك قد بدأنا خطوة حضارية جميلة في الاحتفاء بالمبدعين بدون حساسيات ومعنى لها.