حديث الهجرة النبوية الشريفة يشوق المؤمنين ويزيدهم إيماناً وتمسكاً بتعاليم هذا الدين الحنيف الذي بدأ بالهجرة وانتهى بالفتح المبين ودخل الناس في دين الله أفوجاً وقد قدمت الهجرة الشريفة نماذج ومعادن نفيسة من الرجال العظماء في هممهم وإيمانهم الصادق وكيف لا فكانت باباً ونبراساً ودعوة وجهاداً دخل وسطر عبره الصحابة الكرام من المهاجرين والأنصار أروع صور الصبر والجهاد ووصلوا بصدقهم إلى أرقى وأرفع الدرجات مثل الخلفاء الراشدين والصحابة المبشرين بالجنة ، فمنهم على سبيل المثال ذلك الصحابي الجليل الذي اهتز لموته عرش الرحمن سبحانه وتعالى وهو سيدنا سعد بن معاذ رضي الله عنه وأرضاه لمنزلته ومكانته العلية وما كان ما كان لولا الإسلام والهجرة وفضل الله تعالى الذي يؤتيه من يشاء . لقد حلّت بالني صلى الله عليه وسلم قبيل الهجرة أحزان شتى بعد فقده أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله تعالى عنها وأرضاها وجده ثم عمه والذي كان يدافع عنه من أذى قريش فذهب إلى الطائف ليدعوهم إلى الإسلام فلما لم يجد فيهم مجيباً ونصرة على أعدائه الذين آذوه في مكة رجع مهموماً حزيناً دامي القدمين صلى الله عليه وسلم إلى مكة التي ليس له فيها مجير سوى الله وحده . ولما كان في العرب رجال أهل نخوة وشهامة ومروءة وإجارة بالرغم من بقائهم على جاهليتهم .. ولذلك لما علم المطعم بن عدي بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم وخشي أن يصيبه أهل مكة بشر ، أمر أربعة من أولاده أن يمسكوا بأركان الكعبة الشريفة الأربعة ، وأن يأخذوا الأمان للنبي عليه الصلاة والسلام ، ثم صرخ مطعم بن عدي في قريش يخبرهم فيها أنه في جواره وأمانه ، فقالوا له : أنت الفحل لا تخفر ذمتك وأعطوه الأمان والإجارة . ودخل النبي صلى الله عليه وسلم في جوار مطعم بن عدي وطاف بالبيت العتيق . فهذا هو مطعم بن عدي الذي سعى في نقض الصحيفة الآثمة لبعض كفار قريش في حصار النبي عليه الصلاة والسلام وبني هاشم على الرغم من بقائه على كفره ولم يسلم رغم أنه قد طال عمره إلى ما بعد التسعين .. لكن النبي صلى الله عليه وسلم حفظ له صنيعه هذا ، ومن غير النبي صلى الله عليه وسلم أوفي بالذمم وحفظ الجميل وصنائع المعروف ؟!فقال صلى الله عليه وسلم عند أسرى بدر حيث أسر سبعون وقتل سبعون من المشركين: لو كان المطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم إليه . يعني السبعين أسيراً من المشركين ، وفاءًا لجميل صنعه في إجارته إياه بمكة حين عاد من الطائف قبل الهجرة بقليل، وقد سماهم النبي صلى الله عليه وسلم نتنى لما هم عليه من الشرك ، وكان جبير بن مطعم رضي الله عنه أحد أبناء مطعم قد أسلم وكان من حكماء قريش وسادتهم ، وكان يؤخذ عنه النسب وقد قدم المدينة في فداء الأسرى من قومه ووصف بالحلم ونبل الرأي كأبيه. هذه هي ذكرى الهجرة الشريفة تتعاقب علينا تذكرنا بفضل الله تعالى بفتح مكة ودروسه الكبيرة والحمد لله على ذلك.