كان فلان (فرج الله عنه وردنا وإياه إلى الحق) تراوده فكرة تفخيخ أجواء لندن ببالونات ملغمة لتنفجر بالطائرات بعشوائية. طرح المذيع عليه سؤالاً أكثر تخلفاً من الفكرة ذاتها: ماذا إن كان ركاب الطائرة من الحجاج المسلمين؟ هذا السؤال السخيف يفترض أن الإسلام يشرعن الاستخفاف بالحرمة الآدمية. أما هذه الأفكار الحمقاء فناتجة لا شك عن البعد عن مصدر النبع، والانشغال ب: (قال فلان وهمش عليه علان). بينما تختفي الآيات والأحاديث خلف ضباب لا آخر له من الهوامش. صاحب الفكرة يقول إنه اضطر للعيش في أوروبا هرباً من جحيم التعذيب في بلاده. فما الذي اضطره للهرب من سنة نبيه إلى فكرته الجنونية؟ إن كان يريد تفخيخ السماء، فليرفرف كما فعل جعفر الطيار.. ليعد بالزمن قليلاً، إلى أرض الحبشة عندما كان جعفر وأخوته الدعاة المعذبون المستضعفون لاجئين مثله عند النجاشي، فهل مارسوا ما يخالف قانون الحبشة وشروط النجاشي؟ بعثت قريش عمرو بن العاص وابن أبي ربيعة لاسترداد المهاجرين المسلمين، فرفض ذلك الملك العادل، فهل قام جعفر والزبير باستغلال الفرصة واغتيال عدويهما؟ ولا داعي للتذكير ببسالة جعفر والزبير. ما الذي منعهما أن يحزا رأسي ابن العاص ورفيقه ويرمونهما في نهر الحبشة؟ لا شيء سوى سنة نبيهما بالالتزام بقوانين الدولة المستضيفة. ثم أين ذلك من سنته صلى الله عليه وسلم في رد الجميل والمعروف؟ لقد نظر إلى طواغيت قريش وهم مكتفون بالذل والحبال بعد غزوة بدر ثم قال: (لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له - البخاري 4- 1475) المطعم لم يكن من العشرة المبشرين، ولا من أهل بيعة العقبة أو الرضوان. إنه رجل مشرك، لكنه كان شهماً وله على نبينا معروف، فتمنى لو يكافئه.. حتى رأس النفاق ابن سلول الذي قذف عائشة وهدد وحرَّض على طرد نبينا وصحابته ووصفهم بالأذلة. أتدري ما فعل عليه السلام بعد وفاته؟ لقد قام بتنفيذ وصيته. أجل: صلى عليه واستغفر له حتى نُهي عن ذلك، بل أخرجه من قبره وألبسه ثوبه، لأنه ألبس عمه العباس ثوباً ذات يوم. نبينا هو القائل: "من صنع إليكم معروفاً فكافئوه" وأي معروف أعظم من معروف دولة تؤويك وتحميك مهما كانت ديانتها. إن كنت لا تطيق قوانينها وأنظمتها فرد عليها جوارها وتأشيرتها، وأعلن انسحابك من كل الشروط التي وقعَّت عليها، ثم تحمَّل عواقب ومسؤولية فعلك. افعل كما فعل أبوبكر الصديق في مكة عندما أعاد جوار (ابن الدغنة)، ولكن تذكر أن أبا بكر قبل وبعد انسحابه لم يرفع سلاحاً ولم يسفك دماً ولم يفكر بتفخيخ الأرض أو السماء، فقارن بين إنجازك وإنجاز أبي بكر عليه السلام، لتعرف أيكما كان أقرب من محمد وهدي محمد صلى الله عليه وسلم.