المحافظات المبتدئة أو البعيدة عن المركز لها ظروفها الإجتماعية الخاصة وغالباً لا تتناغم مع التطور المعرفي والفكري والثقافي الذي يصل إليها سكان المدن الكبيرة. والموضوع هنا حول الأرض التي تمثل مسقط راس الأب والجد ومن سبقهم. وكثير من الأسر التي هاجرت من قراها إلى المدن الكبيرة يظل لديهم إنتماء وحنين لترابهم الذي يمثل رمزية معنوية كبيرة بتلك الأماكن ثم يتناقص ذلك الإنتماء لأسباب جوهرية.. وسابقاً كان من يبيع مزرعة أو أرض أبيه وأجداده فأصالته تعتبر ناقصة ويُعيّر بذلك الفعل عند أي خلاف له مع الغير!. وسأورد مثالاً للتوضيح: في كثير من تلك المحافظات هناك أشخاص أعمارهم متقدمة ولديهم أبناء وبنات أصبحوا بدورهم آباء وأمهات، وبإمكان أولئك الأشخاص المتقدمين بالعمر وهم بصحة جيدة وفي كامل أهليتهم العقلية أن يوزعوا تلك الأرض على أبناءهم وبناتهم ليعمروها كملكية خاصة لكل منهم. لكن أغلبهم لا يتخلى عن أنانية التملك العبثي في الوقت الخطأ والعمر المتقدم نحو النهاية ولسان حال أحدهم يقول (أنا) فقط وهذه أرضي وفلوسي وبيتي وحقي،،،!. لا بأس هذا صحيح، كلها حقك لكن بشكل مؤقت لأنها في الواقع تتحول سريعاً للورثة الذين يدور في نفوسهم أفكار وتخيلات وأنت لاتزال حي!!... فلماذا لا تبادر وتعطيهم من حقك بالتساوي مع اشتراط أن يعمروها وأن لا يبيعونها بل يورثورنها للأحفاد، والأفضل أن تكون بنظام الوقف لضمان بقاء الأصل والإنتماء مدى الحياة، والبنات في هذا الشأن لهم طريقة وقفية تقول هذا حقها مدى "حياة عينها" لكي لا ينتقل لأبناءها وزوجها خارج العائلة ولكن لها حرية التصرف بالسكن والبناء، وبالبيع على إخوانها فقط وأبناءهم ليبقى العقار رمزاً لعائلتها، وأنا هنا أتقمص الواقع الصامت الذي فيه ظلم لهن. وقد أستنتجت مما يجري في محافظة ما بعينها أن أغلب أملاكها التأريخية المتوارثة التي كانت آبار وقصور ومزارع ستؤول قريباً لأغراب عنها إما بالميراث خارج العائلة وإما بالبيع من أحفاد ليس لها عندهم قيمة لأن آباءهم حُرِمُوا منها ومن تملكها مع حاجتهم سابقاً لمساحة صغيرة لإقامة منزل يحفظ إنتماء الأحفاد.. والسبب الوحيد المخرب لذلك هو أنانية كامنة بنفوس بعض ملاّكها كبار السن الذين عطلوا حتى صيانتها أو السماح لأبناءهم وأبناء أقاربهم بناء مجلس عائلي تراثي يجمع أحفادهم ولو لمرة واحدة في العام!. وهناك من يعرقل صيانة دور وأبار أصبحت تراث لا أكثر!. جشع وأنانية تدمر التاريخ والتراث والمنطق، ولله في خلقه شؤون.