خلال رحلة جوية طويلة بين تشاد والرياض مروراً بأديس أبابا وفي ساعات الفجر الأولى كنت أستعرض بعض التطبيقات الإلكترونية لأجد عبر "تايم لاين" مقاطع فيديو عن إحتفال جائزة طريب العلمية في عامها الرابع عشر.. وما أعجل الأيام وأصغر هذا العالم أمام التقنيات وبرامج الذكاء الإصطناعي التي قرّبت البعيد وأختصرت الدنيا بصور دقيقة لحظية بين يديك حتى وأنت بين السماء والأرض، تذكرت ونحن نعبر أجواء اريتيريا بإتجاه البحر الأحمر بدايات هذه الجائزة وهي في عاميها الأول والثاني والمعاناة التي مرت برئيس مجلس الجائزة ومساعديه وبصحيفة الرأي. حينها الأمر لم يكن مستوعباً والممولين قلّة، وحجم التحديات كان أثقل من حجم الصمود الذي أنتصر أخيراً بعون الله ثم بعزيمة الرجال الجنود المخلصين لوطنهم.. روابط الخبر وصور الجائزة كانت ممتعة خلال الرحلة الجوية لكن المفاجأة أنه ظهر أمامي بالصوت والصورة أحد الرجال المكرمين بهذه الجائزة التي يرعاها سمو أمير المنطقة وفقه الله، وهو ذلك الطالب القروي النحيل الصبور العصامي الذي ملأ حياته بالأحلام الصعبة ومراكبها الأصعب فأكرمه الله تعالى بتحقيقها واحداً تلو الآخر حتى نال الدكتوراه بجهد كبير يوازي جهوده الأخرى في مجالات مهنته الأساسية الجامعية والعملية والميدانية المضنية التي طابعها العناء والصدامات مع أعداء النجاح والمحبطين،وقبلها في بيئة مليئة بالتحديات الآكاديمية والبدنية الشاقة وهو لايزال طالباً بالجامعة حين كانت عينه على صفوف القوات الجوية ليصبح فيها اليوم عقيداً وحاصلاً على دورة الركن بجدارة وعبر منافسة شرسة نظراً لتخصصه المختلف وكما أعلم أنه أول ضابط يحصل الركن وهو بهذا التخصص الآكاديمي والمهني الرياضي المتواصل منذ ماقبل الجامعة وحتى اليوم. فالتهنئة والتحية الخاصة لهذا العصامي البطل أخي حسين بن غانم بن عبدالله العابسي مجرداً من الصفات العلمية والوظيفية فهو بعيني لا يزال ذلك الشاب المتأمل شبه الصامت الذي يبدو أننا كنا من حوله بعيدين عن فهم أبعاد طموحاته كما يجب،ولم ندرك قوته الفولاذية من الداخل بعكس نحافته الرياضية الشديدة وأدبه الجمّ، تحاملنا عليه ليُخفّض سقوف الطموحات ربما لمصاعب مختلفة، ومثلنا فعلت وأكثر المدرسة في مختلف المدن، لكنه رفض الواقع المحبط وواجه الجميع بصبر الواثق بالله تعالى ليتخطى كافة الحواجز بجهود فردية عظيمة وقُودها الشجاعة والتواضع والثقة بالله ثم بالنفس كما ورثها عن والده "رحمه الله".. والتهنئة موصولة لجميع نجوم الجائزة المتفوقين وفي المقدمة الجائزة ذاتها وعرّابها أخي زميل السلاح الوفي الشجاع المخلص المتوثب دوماً الشيخ جبران بن فايز آل عادي. والتحية لتراب طريب الذي منه يتخرج الأبطال الوطنيين الذين يخدمون بلادهم تحت راية قائدهم خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده القوي الأمين أعزهما الله. وسلام في العالمين على كل الشرفاء الذين يخدمون أوطانهم بصمت..