الأمير عبدالعزيز بن سعود يقف على جاهزية قوات أمن الحج    عبدالعزيز بن سعود يرعى الحفل الختامي للمنتدى الأول للصحة والأمن في الحج    وزير الداخلية يتفقد عددًا من المشاريع التطويرية في المشاعر المقدسة    أمير المدينة يوجه باستمرار العمل خلال أيام إجازة عيد الأضحى    نائب أمير مكة اطلع على المشاريع وخطط التشغيل.. المشاعر المقدسة.. جاهزية عالية لاستقبال ضيوف الرحمن    القدرات البشرية    أسعار الفائدة في النظام الاقتصادي    تراجع أسعار النفط مستمر    مجلس الأمن يتبنى مشروع قرار أمريكي يدعو لوقف إطلاق النار في قطاع غزة    "ميتا " تزوّد ماسنجر بميزة المجتمعات    غزة.. مشاهد موت ودمار في «النصيرات»    في ختام دور المجموعات بالتصفيات المشتركة.. الأخضر يواجه شقيقه الأردني في "الأول بارك"    كأس العالم للرياضات الإلكترونية يطرح الحزمة الثانية لتذاكر البطولة    فريق الرياض يفوز ببطولة " تشيسترز أن ذا بارك" للبولو    سكالوني: مهمتي الحفاظ على ميسي ورفاقه    توفير الوقت والجهد    الأمير عبدالعزيز بن سعود يتابع سير العمل في مركز القيادة والتحكم التابع للدفاع المدني بمشعر منى    ربط «الإسكان» والصندوق العقاري بمنصة «تنفيذ»    وزير الإعلام يدشن مبادرة "ملتقى إعلام الحج" في مكة المكرمة    للمعلومية    أفضل أيام الدنيا    نجاح تدابير خفض درجات الحرارة في الحج    بأمر خادم الحرمين الشريفين.. استضافة 1000 حاج من ذوي شهداء ومصابي غزة    " نبتة خارقة" تحارب تلوث الهواء    شركة تكافئ موظفيها لإنقاص أوزانهم    مريضات السكري والحمل    خط أحمر.. «يعني خط أحمر»    إخراج امرأة من بطن ثعبان ضخم ابتلعها في إندونيسيا    لماذا يشعر المتبرعون بالسعادة ؟!    للمرة الأولى.. «هيئة النقل» تدشّن مركز التحكم لمتابعة مركبات النقل العام في مكة والمشاعر    منصة إيجار.. الإلزامية لا تكفي ولا تغني عن الشفافية    وزير الداخلية يتفقد عدداً من المشاريع التطويرية في المشاعر المقدسة    البذخ يحتاج لسخافة !    ساحة المحاورة تحتاج إلى ضبط    الحويزي.. المفاوِضُ الناجح من الثانية الأولى!    عبدالعزيز بن سعود يتابع سير العمل في مركز القيادة والتحكم التابع للدفاع المدني بمشعر منى    نيوم ينهي التعاقد مع البرازيلي رومارينهو قادما من الاتحاد    الحج.. أمن ونجاح    أندية المدينة.. ما هي خططك للموسم القادم ؟    "نادي نيوم" يتعاقد مع البرازيلي رومارينيو    الرئيس المتهم!    متحدث "الصحة": الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة من أكبر التحديات في موسم حج هذا العام    الدفاع المدني يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية المتنقل "لا حج بلا تصريح" بجدة    بلينكن يشدد على أهمية وجود خطة لما بعد الحرب في غزة    وزارة الداخلية تشارك في المعرض المصاحب لأعمال ملتقى إعلام الحج    طقس غائم جزئياً على مكة وصحواً على المدينة وجدة    مانشيني: الصدارة تهمنا.. وكأس الخليج هدفنا    أول مولود في موسم الحج نيجيري    خادم الحرمين يأمر باستضافة 1000 حاج من ذوي الشهداء والمصابين من أهالي غزة    أمير الرياض يستقبل سفير النرويج وأمين عام «موهبة»    عرض عسكري يعزز أمن الحج    نائب أمير الشرقية يطلع على أنشطة «تعاونية الثروة الحيوانية»    جاهزية أسواق النفع ومسالخ جدة لموسم الحج وعيد الأضحى    نائب أمير حائل يشهد الحفل الختامي لمسارات    القبض على مخالفين لنظام الحدود لتهريبهما 24 كيلوغرامًا من الحشيش في نجران    المنتخب السعودي يحصد 5 جوائز بأولمبياد الفيزياء    بدء أعمال المنتدى الدولي "الإعلام والحق الفلسطيني"    محافظ القريات يرأس المجلس المحلي للمحافظة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ادخلوا مصر آمنين
نشر في شبرقة يوم 13 - 02 - 2011

انفتحت شهيتي هذه الأسابيع على مشاهدة التطورات المتلاحقة في أرض مصر الحبيبة ، بدءا من ميدان التحرير الذي سيخلده التاريخ كمنطلق لثورة شبابية لا عهد للناس بها ، ومرورا بأحياء القاهرة والإسكندرية والسويس والإسماعيلية والمنصورة .. وحين أمر بمقال ذي بال يتعلق بأحداث مصر ، فلا بد أن أعيره اهتماما، وأبحث عما يميزه عن مقالات أخرى.
وقد كنت في اليوم الأول للمظاهرات مارا بميدان التحرير ، متجها إلى المطار ، ورأيت مجموعات متفرقة من الناس ، والشرطة تلاحقهم ، وهم يفرون بفزع وخوف ظاهر ، لم تكن تلك الحركات جديدة ولا ملفتة للنظر ، ولم يخطر ببالي أبدا أنها ستتطور لتكون أعظم ثورة عرفها تاريخ مصر الحديث.
إنها ثورة سلمية هادئة .. لا سلاح ولا قتال ولا تدمير ، بل الثوار نسقوا لجانا للحماية والأمن ، وحموا المتاحف والمؤسسات ، وضربوا مثلا في الانضباط ، وصنعوا حياة كاملة الملامح جميلة الشيات في ميدانهم الشهير .. فقد تغيرت أشياء جذرية وجوهرية وعميقة ، وأنا متفائل بأن (مصر الجديدة) ستكون شيئا آخر مختلفا عما عهدناه ، وستعيد ثقة الشعوب العربية الإسلامية بهذا البلد العظيم.
وهي ثورة عفوية صادقة مباشرة ، ليس وراءها أيديولوجيات خاصة ، ولا دوافع سياسية ، شعاراتها واضحة وأهدافها جلية ، ولذا سرعان ما حازت ثقة الجميع ، وها هو الإعلام الرسمي المصري في صحفه وقنواته يغير موقفه منها ، ويعود يثني على هؤلاء الأبطال ويمجد ثورتهم ، الرسميون إذا أعلنوا أنهم مع الثورة ، أيا كانت الدوافع ، إنه انحياز الناس للحق تارة ، وانحيازهم للغالب تارة أخرى ، وكلا الأمرين مما يحسب لثورة الفيس بوك ، ثورة العطاش إلى الحرية والحقوق والشفافية.
ثورة تنبثق من رحم المجتمع الشاب المتطلع ، دون تيارات بارزة أو أحزاب عريقة ، وهي بهذا تبتكر نمطا جديدا يضعف قيمة الترميز للقادة سواء كانوا سياسيين أو اجتماعيين ، ويعطي أهمية للأفراد العاديين ، وللفعل الجماعي المؤسسي المبني على المصداقية.
وهي بهذا تختلف عن ثورات مصرية سابقة ، ارتبطت بأسماء سياسية كسعد زغلول ، أو عبدالناصر ، أو ثورات أخرى كان يقودها أشخاص لهم كاريزما كالخميني.
ثورة هادئة لا تستفز ولا تستدرج ، ولكنها صبورة و مصرة على مطالبها ، وثمة أمر قد لا ينتبه له أحد من المحللين ، هو أن تلك الثورة ومن قبلها ثورة تونس ، ضربت منهج تنظيم القاعدة وأنصارها في الصميم ، وبات واضحا جليا أن التغيير في المنطقة ممكن بالأسلوب السلمي الحضاري المشرف الذي تحرك به الشعب المصري والتونسي ، دون أن تغرق المدن في شلالات من الدم ، وتعيش حالة رعب وفتنة داخلية تأتي على الأخضر واليابس.
ولقد ساورني قلق وأنا أرى بعض السياسيين يظهرون في حوار مع الساسة ، وخشيت أن تختطف ثورة المهمشين أو يراهن على عامل الوقت في تذويبها ، ففوجئت بموقف واضح وسهل يتحدث عن مطلب واحد هو (الرحيل) دون شيء آخر ، وأن المليون أصبح ملايين ، واليوم أصبح شهرا ، والشعب المصري يكشف عن ذكاء فطري ولطف وظرف وإبداع وتلاحم غريب.
أنا لست ضد الحوار ، لكن مرجعية المرحلة الجديدة هي في (ميدان التحرير) ، وهؤلاء الشباب يجب أن يحظوا باحترام الجميع حتى من هم في مقام الآباء ، لأنهم نجحوا فيما أخفق فيه الآخرون.
ثورة جديدة وملامح مختلفة ، يجدر بالمؤرخين والاجتماعيين أن يتوفروا على دراستها بعد اكتمال نموذجها ، لأنها ستتكرر في أكثر من بلد حسب ما يتوقع الخبراء ، وقد وضعت صحفية (النيوزويك) رهانا بالدولارات على أي البلاد أسرع لاقتفاء النموذج المصري: الجزائر؟ أم الأردن؟ أم سوريا؟
«في ميدان التحرير .. في الجمعة الماضية ، حينما وقف المسلمون للصلاة كان المسيحيون المصريون يحمون ظهورهم .. ويوم الأحد الماضي .. حينما وقف المسيحيون لأداء القداس .. كان المسلمون المصريون يحمون ظهورهم ..!!
لذلك أقول: لا تقدموا لنا محاضرات عن القيم البريطانية .. إنني اليوم أريد القيم المصرية .. والقيم العربية والقيم الإسلامية .. إنها ثورة ضد الاستبداد والظلم .. إن هؤلاء الثوار منظمون بشكل بديع .. إنها لأعظم رسالة يوجهها المصريون والعرب والمسلمون للخائفين من الإسلام (إسلاموفوبيا) وللمتحدثين عن الإرهاب .. ليقولوا: ها هم المصريون فوق الجميع..).
هكذا خطب الناشط البريطاني (جون رييز) عن مصر بعد زيارة قام بها لميدان التحرير في القاهرة.
وفي مشاركة تليفزيونية قال المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي: (إن هذه الانتفاضة هي أعظم ثورة استثنائية حسب ما أذكر .. إنها ثورة منطقة .. وليست ثورة شعب).
من عجائب ثورة ميدان التحرير أنها كشفت ضلالا فكريا يعيشه أولئك الذين يحددون مواقفهم على نقيض مواقف الآخرين ، وليس على الأسباب الموضوعية.
لقد أصبحت الولايات المتحدة أقرب إلى تأييد الثورة وعلى لسان الرئيس ذاته ، وكذا إيران وحزب الله ، وتركيا وماليزيا ، وهي غير منحازة ، ولعل معظم دول العالم تعاطف معها ، فهذا موقف مشترك يجمع النقائض.
هناك من يتعاطف مع أشواق الحرية والشفافية والعدالة والآفاق المستقبلية الواعدة.
وهناك من يسجل بموقفه ثأرا من نظام يتهاوى.
والناس تتعرف على الدوافع ، بيد أن من الخطأ أن يتعود المرء على تحديد موفقه بالتأييد أو الرفض بناء على مواقف الآخرين.
ومن عجائبها أن عرت فئة من الناس ، مصابين بهوس التصنيف ، فموقف واحد تتوافق فيه مع فئة كفيل عندهم بإلحاقك بهذه الفئة ، فإن وافقت موقفا رسميا سموك حكوميا ، وإن وافقت موقفا غربيا سموك عميلا ، وإن وافقت رأيا يقول به الإخوان سموك إخوانيا ، وربما وصفوك بالشيء ونقيضه ، وكأنهم ينتقمون من خلافك معهم ..
هذا موقف غير أخلاقي ، وغير علمي ، وقد لا يسجل على صاحبه في الدنيا لأنه غير معروف ، ولكنه يحاسب عليه في الآخرة ، خاصة إن كان ممن يمتهن مثل هذه الأساليب الرخيصة!
ويشبه هذا من يمنحك الثقة والمرجعية لموقف واحد ، وقد يسلبها منك لموقف واحد ، مع أن العدل الشرعي يقتضي التوازن وحسن المعذرة واحتمال الخطأ أو العثرة ، وما من إمام أو عالم أو فقيه أو أي كان إلا وله زلة أو عثرة:
سامح أخاك إذا خلط
منه الإصابة بالغلط
وتجاف عن تعنيفه
إن زاغ يوما أو قسط
واحفظ صنيعك عنده
شكر الصنيعة أم غمط
من ذا الذي ما ساء قط
ومن له الحسنى فقط
هذه الثورة العظيمة تملي علينا سؤالا ، لا يجوز أن يمر دون توقف:
كيف تتعرف على مشاعر الآخرين تجاهك؟ أيها الحاكم ، أيها المسؤول ، أيها المعلم ، أيها الأب ، أيها الزوج ، أيها الموظف ، أيها التاجر ، أيها الإصلاحي ..؟
أن تكون قريبا منهم ، قادرا على التقاط الإشارات ولو كانت خفية ، غير مغتر بخداع التقارير الوهمية ، أو تطبيل الإدارات الإعلامية ، أو هتافات المنتفعين الذين سيقلبون لك ظهر المجن عند أي بادرة ، وسيظهرون عبر وسائل الإعلام ليقولوا: كنا مخدوعين أو مضللين أو مضطرين ، وليكفروا عن ماضيهم بمزيد من الهجوم والفضح والتعرية.
الفيس بوك ذاته قبل أن يكون أداة لتنظيم الثورة كان أداة لاستماع المسؤول إلى أنين الناس وشكواهم وتذمرهم وعتابهم ، بل ودمدمات الغضب في نفوسهم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم لمن أرادوا تسكيت رجل أغلظ له: (دعوه فإن لصاحب الحق مقالا) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة.
مراكز الأبحاث والدراسات الجادة الصادقة ، والتي يمكن أن تكون جزءا من كل وزارة أو حكومة ، أو مسؤول أو أمير كفيلة بأن تعطي مؤشرات حقيقية عن مشاعر الناس قبل أن تتراكم لتصبح بركانا لا يمكن رده:
إن احتدام النار في جوف الثرى
أمر يثير حفيظة البركان
وتتابع القطرات ينزل بعده
سيل يليه تدفق الطوفان
فيموج يقتلع الظلام مزمجرا
أقوى من الجبروت والطغيان
يجب أن نسمع ممن تحت أيدينا ، حتى أبنائنا أو موظفينا قبل أن نحتاج إلى أدوات مختلفة لكي نسمع.
وحين نسمع يجب أن نفهم ولا يكفي أن نقول فهمنا أو تفهمنا تمريرا لموقف (ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون) [الأنفال : 21]
ولكل محبي مصر العزيزة أن يتفاءلوا بمستقبل أفضل ، وهم يقرؤون قوله تعالى (وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) [يوسف : 99]
سيدخلون مصر وهي أكثر أمنا ، وأفضل اقتصادا ، وسيجدون حرية حقيقية ، واحتراما لحقوق الإنسان ، وسيرا في طريق التنمية المتكاملة المستدامة ، والنهوض الحضاري ، لتصير مصر طليعة الدول العربية.
نعم ..!
لقد تأخرنا كثيرا ، ولكن ها هو الفجر الصادق بإذن الله يضيء الأفق وينعش النفوس وينثر أشعته البيضاء في دروب طالما ألفت الليل وظنته سرمدا لا يزول ، وإن غدا لناظره قريب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.