أثارت استبانة قياس رأي وزعتها هيئة تقويم التعليم ردود أفعال متباينة في كافة الأوساط، فيما اعتبر آخرون ما حدث من الهيئة «خطأ غير مقصود» يتحمل نتائجه معد الاستبانة، وأن توجيه سهام النقد إلى هيئة التقويم بسبب الغلط الفردي أمر غير منصف ! الاستبانة محل النقد وضعت القرآن الكريم ضمن المواد التي تقرأ للتسلية، ووزعتها هيئة تقويم التعليم لأولياء الأمور والطلاب بغرض قياس مدى دعم الآباء لمسيرة الطلاب تربويا وتعليميا. وهو الأمر الذي ووجه بتحفظ من فقهاء وباحثين في علوم التربية والتعليم طالبوا الهيئة بسرعة استدراك الخطأ الفادح ومعالجته ثم الاعتذار عنه. واعتبر الفقهاء والباحثون ما حدث إساءة، غير أن أطرافا أخرى قللت من الخطأ واعتبرته فرديا يتحمل تبعاته من أعد الاستبانة. هاتف «المحافظ» مغلق و«المتحدث» يعد بالرد أجرت «عكاظ» اتصالات عدة على هاتف محافظ هيئة تقويم التعليم الدكتور نايف الرومي للاستفسار عن موقف الهيئة الرسمي من الانتقادات الموجهة إليها بشأن الاستبانة، ومعرفة مدى توجهها لإصدار بيان اعتذار أو تصحيح لاستدراك الخطأ، إلا أن هاتفه ظل مغلقا حتى لحظة إعداد التقرير. وتوجهت الصحيفة إلى المتحدث باسم وزارة التعليم مبارك العصيمي، كون الهيئة تنضوي تحت مظلة الوزارة في التنظيم الإداري الجديد، فوعد بالتواصل مع محافظ هيئة تقويم التعليم ومن ثم إفادة الصحيفة برد المحافظ، ولا تزال «عكاظ» في انتظار الرد والتعليق. العامري: أحذركم من النسخ والترجمة الحرفية أوضح مستشار التطوير والتدريب الدكتور محمد بن علي العامري طرقا عدة لقياس اتجاهات ومعارف الطلاب، وهي الملاحظة والاستبانة والمقابلة، والاستبانة منها المفتوح والمغلق وتهدف عادة لمعرفة المدخلات والمتغيرات وضبطها، كما تستهدف الطالب محور العملية التعليمية. وأبان العامري أهمية الاهتمام بالثقافة المحيطة للمتلقي ويعنى بذلك أن كل استبيان مترجم من لغة إلى أخرى ستكون فيه مشكلة ثقافية بالتأكيد، فالغرب يعتقد أن الكتب المقدسة كالتوراة والإنجيل كتب للتسلية بينما القرآن في ديننا أمر أساسي ومنهاج ودستور حياة وأرى الإشكال في الترجمة الحرفية دون مراعاة الجوانب الأخرى خصوصا أن الخطأ وقع دون استفادة من تربويين متخصصين في أمور العقيدة وهو أمر متوقع عندما لا تتم المراجعة المتخصصة. وأضاف مستشار التدريب والتطوير أنه عندما نوصل لأذهان الطلاب أن القرآن للتسلية فنكون بذلك قد ضربنا الثوابت المقدسة، وما حدث في الاستبانة خطأ غير مقصود يجب استدراكه وعدم تعميمه، وعلى الهيئة إعلان تراجعها عنه لأنه لا يجوز التشكيك في مقدساتنا، ومن الطبيعي أن كل عمل إنساني يحدث فيه الخطأ. موضحا أن مشكلة بعض طلاب الدكتوراه والماجستير إعدادهم استبانات لا تناسب مجتمعا معينا، وينقل فيه دون أن يقصد بعض المعلومات التي تسمى الرسائل الخفية وهي مؤثرة فعلا، كسؤال الطلاب هل تحرش بك أحد من قبل أو هل جربت المخدرات سابقا؟! ودعا العامري الجميع إلى الانتباه عما تحويه بعض الاستبانات، مشيرا إلى أن هيئة تقويم التعليم مطالبة بتصحيح الخطأ والاعتذار عنه. ممتدحا وعي المجتمع ووسائل الإعلام في التصدي لمثل هذه الأخطاء والانتقاد الذي يقصد منه الإصلاح. طاهر: ترجمة آلية خاطئة ومرفوضة الخبير النفسي الدكتور ميسرة طاهر وصف التعبير بغير المقبول، وقال: «القرآن لم ينزل للتسلية ولا يسمح بأن يتم النظر إليه بأنه كتاب أنزل لهذا الغرض». وأضاف أن الكلام المكتوب في الاستبانة له شقان، الأول يخص كاتبه وآخر لمن يقرأه، ومن المؤكد أن من كتبه ربما يقصد المكتوب أو يكون قد ترجمه آليا بلا وعي وكلا الأمرين سيئان، كما أن احتمال رسوخ مثل هذا التفكير في أذهان الطلاب عند قراءة هذا السؤال وارد بقوة. عضو إفتاء: صاحب الاستبانة أخطأ في التعبير المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم، أستاذ الفقه في جامعة القصيم خالد عبدالله المصلح قال: «إن قراءة القرآن من أجل العبادات أمر الله بها سيد المرسلين وجميع المؤمنين، ولا يجوز وصف تلاوة القرآن بأنها تسلية لأن التسلية في العرف والاستعمال الدارج تطلق على اللهو وهو ما لا فائدة فيه، وإن لم يكن موقعا في محرم، وظني بأن من أطلق هذه العبارة أخطأ في التعبير ولعله أراد بالتسلية القراءة في أوقات الفراغ، وفي كل الأحوال الواجب على أهل الإيمان أن يتحروا الألفاظ المناسبة عندما يتحدثون عما يتصل بالله وكتابه وشرعه، فذلك من تعظيم شعائر الله». الكلباني والشهري: تصرف غير مسؤول القارئ عادل الكلباني طلب من هيئة تقويم التعليم بالتراجع عن الخطأ وتصويبه. أما أستاذ القرآن وعلومه المشارك في جامعة الملك سعود مدير عام مركز تفسير للدراسات القرآنية الدكتور عبدالرحمن الشهري فقال إن «هذا تصرف غير مسؤول ويجب على من وقع في الخطأ أن يعتذر عنه، وهذا الأمر لا يتعدى إلى الهيئة لأنه خطأ فردي». الشمري: العيب في استمرار الخطأ مستشار إمارة المنطقة الشرقية الدكتور غازي الشمري اعتبر مثل هذه الأسئلة وطريقة طرحها مخالفا للشريعة الإسلامية وأنظمة البلاد التي تعتبر القرآن دستورها ومنهجها وأنه أسمى وأعظم من أن يكون للتسلية، بل إن كتاب الله هو أمر أساسي في حياتنا ونطالب الهيئة بالاعتذار. وأضاف الشمري: ليس عيبا أن يخطئ الإنسان إنما العيب في استمراره وأتمنى الحرص على عدم المساس بالثوابت الدينية والأمور الشرعية إلا بعد استشارة المختصين في الجانب الشرعي حتى لا يكونوا عرضة لمثل هذه الأخطاء، مع ذلك نلتمس لهم العذر. آل الشيخ: الكلمة حمّالة أوجه وتحتمل المعاني عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للقضاء الدكتور هشام عبدالملك آل الشيخ رأى أن الموضوع يحتمل أكثر من وجه، فربما يقصد كاتب الاستبانة أن القرآن يقرأ لتسلية النفوس والصدور بدلا من الجلوس بلا شغل ولا عمل، كما أن السلوى يقصد بها الراحة والحصول على الفوائد العظيمة. وأضاف: كان النبي يرى سلوته في الصلاة ويقول لبلال رضي الله عنه (أرحنا بالصلاة) وأنزل الله سورة يوسف على النبي محمد صلى الله عليه وسلم لتكون سلوة وتسلية بأن تشرح صدره وتخفف عنه ما لقيه من المشركين. وزاد آل الشيخ: لا أرى في الكلمة إشكالا بل هي حمالة أوجه وتحتمل معاني عديدة، ونحن نحملها على الوجه الحسن بأن القصد من التسلية قضاء الوقت في المفيد والبعد عما لا يفيد لا التسلية التي يقصد بها إضاعة الوقت وخلافه. الجذلاني: يحق للآباء تقديم شكوى المحامي والقاضي السابق في ديوان المظالم محمد الجذلاني دعا الهيئة إلى إصدار بيان تصحيحي يؤكد فيه بصريح العبارة أن الفقرة الواردة في الاستبيان غير مقصودة. محذرا في الوقت ذاته من استباق الأحداث، معتبرا أن الاعتذار من الحقوق الشرعية الواجبة على الهيئة. وأضاف القاضي الجذلاني أنه يحق لأولياء الأمور تقديم شكوى ضد الهيئة إذا لم تصدر بيان اعتذار عن الخطأ. المطيري: لا تمثل نهج الهيئة أستاذ كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز لدراسات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الدكتور غازي المطيري اعتبر حدوث الإشكالات وصناعة الأزمات سببه تصدر غير المتخصصين وإهمال المراجعة والتقويم أو التسرع واتخاذ المواقف العجولة، «لذلك تحدث ردود الأفعال ضد الأخطاء عميقة الأثر. وأحسب أن السؤال في تلك الاستبانة وحصر القرآن الكريم في تلك الخيارات وكأنها مادة للتسلية والترفيه ساقت إلى هذه الردود العنيفة من الشريحة الواسعة في المجتمع. لذلك لا بد من إزالة هذا الخطأ بجهد مضاعف يعيد الأمور إلى نصابها وإزالة اللبس الحاصل حتى لا يكون موقفا يفسر بغير ما أراد المعنيون وإنما يصور الأمر بقدره وأنه موقف شخصي خاطئ ولا يمثل سياسة عامة في هيئة تقويم التعليم أو الوزارة». العكاس: من الذي اعتمد الاستبانة؟ أبدت مساعد مدير التعليم للشؤون التعليمية في منطقة مكةالمكرمة سابقا الدكتورة منيرة العكاس استنكارها لإيراد السؤال وطريقة عرضه على الطلاب. وأضافت: أن ما حدث خطأ كبير يجب التراجع عنه بشكل صريح كما كان يفترض من التربويين عدم قبوله والمطالبة بتعديله، وتساءلت: كيف تم إعداد هذه الاستبانة ومن الذي أقرها وكيف تم توزيعها. وتطالب العكاس بمحاسبة المخطئ. سفير «نبراس»: لا لسوء الظن دعا سفير «نبراس» الدكتور عبدالعزيز الزير إلى عدم قراءة ما ورد في استبانة هيئة التقويم بسوء الظن، معتبرا ما حدث مجرد خلل في التعبير. وأضاف أن الهيئة أنشئت لخدمة مصلحة الوطن والمواطن والحفاظ على هويته الإسلامية، وأن التطرق لمثل هذه الأمور قد يفقد ثقتنا في جهات كهذه، والمأمول من الهيئة تعديل الفقرة إلى أخرى مناسبة «نؤكد أن القرآن الكريم ضرورة واجبة على كل مسلم قراءة وتعلما وتدبرا، لا تسلية». الإعلامي الفهيد: كيف تجرأتم على هذا؟ الإعلامي أحمد الفهيد (أحد المغردين في تويتر) تناول الأمر على حسابه، ووجدت مشاركته صدى واسعا، وأوضح أن هذا الأمر يعظم لأننا نتحدث عن هيئة تقويم التعليم والمناط بها تقويم أي شيء في مسيرة التعليم سواء المناهج أو طرق التدريس أو البرامج والأنشطة الطلابية وكذلك المعلمين وهي معنية بإكمال دور الوزارة. وأضاف الفهيد: «عندما تأتي هيئة لتقويم التعليم وتصنف القرآن ضمن كتب التسلية فهذا أتحفظ عليه، ويترك عندي تصورا سلبيا عن طبيعة العمل، وقد يكون السؤال صغيرا لكن تأثيره كبير من ناحية المعنى، فكيف يوضع القرآن ضمن خيارات التسلية مع القصص الخيالية وغيرها. معدو الاستبانة وضعوا القرآن الكريم بشكل مباشر أو غير مباشر في خانة لا تليق، كما أن هذا الأمر أثار حفيظة أولياء أمور الطلاب، فكيف لهيئة تقويم التعليم أن تتجرأ على إرسال استبانة كهذه؟».