الساعة الأولى من يوم الجمعة، الثالث من ربيع الآخر 1436 ه. ساعة لن ينساها الشعب السعودي، ستظل محفورة في ذاكرته كوشم أبدي لا تمحوه الأيام، رسمته الدموع التي فجرتها سحائب الحزن الكثيفة. ساعة توحدت فيها مشاعر الكبار والصغار، النساء والرجال، الفقراء والأغنياء، المختلفين والمتفقين، القريبين والبعيدين، كلهم بلا استثناء جمعهم شعور واحد، الحزن ولا شيء غير الحزن، حزن صادق عفوي انهمر في وجدان كل شخص على إنسان عظيم تعلم منه الوطن عفوية المشاعر الصادقة. على ملك عظيم منحه الشعب حبا جارفا ليتحول اسمه بشكل تلقائي إلى «ملك القلوب». على شخص استثنائي يشعر كل فرد أنه والده، وكل أسرة أنه ربها، وكل بيت أنه حاميه وراعيه. على شخصية كانت أقرب لكل نفس من ذاتها، وأحن عليها منها. كانت ساعة عصيبة، رهيبة بلوعتها وحرقتها عليك يا حبيب الكل، يا أبا متعب، وأنت تلوح لنا التلويحة الأخيرة. منذ فترة طويلة لم يحدث لدينا ما حدث تلك الليلة. لم يحدث أن ينسى الجميع كل ما يدور حولهم ويشغلهم لينشغلوا بأمر واحد. لم يحدث أن يلتقي الجميع بلا استثناء في مكان واحد. لم يحدث أن يتحد الجميع في لغة واحدة وشعور واحد. لم يحدث أن يلهج الجميع بنفس الوزن والقافية. لم يحدث أن يعزفوا على مقام واحد، ونوتة واحدة، دون نشاز،إلا تلك الليلة. ليلة رحيلك، ليلة تركتهم يغرقون في الحزن على فراقك أيها الحبيب. في تلك الليلة الحزينة، انتشرت «تغريدة» رددتها الآلاف: «سبحان من سخر له شعبا يدعو له في الثلث الأخير من الليل وسيدعو له غدا في ساعة الإجابة. ماذا كان بينك وبين الله أيها الراحل الحبيب». كان بينه وبين الله الصدق، الإيمان، الورع، الأمانة معه ومع رعيته، نصاعة الضمير والوجدان، دمعته التي تسقط بحرارة عفوية في أي موقف إنساني. شهامته، مروءته، فروسيته. تعففه عن التعالي على الناس. وبالتأكيد، خصال أخرى لا يعلمها إلا الله، فسخر له فيوض الدعاء في تلك الليلة المباركة، وذلك اليوم المبارك. اليوم يا سيدي: يبكيك هذا الوطن الذي رفعته إلى ذروة المجد، يبكيك الإنسان الذي استطاع في عهدك أن يكون إنسانا مختلفا، كم خلف الأبواب من حزن أكثر من خارجها، وكم في القلوب من وجع أكثر مما تظهره الملامح، استرح في رحاب الله فقد تعبت من أجلنا.