في قراءة واقعية لجملة المعطيات الماثلة أمامنا اليوم نجد أن الامة الإسلامية تمر بحالة تمزق وانحطاط غير مسبوقة فهي مثخنة بجراحاتها، لا يكاد يندمل جرح إلا وينزف فيها جرح آخر، أوضاعها في تقهقر واستكانة حتى صارت القصعة المستباحة لكل الأمم من الشرق والغرب كما جاء في حديث القصعة المشهور والمحفوظ. ولكن ما يجعلك تفكر وتستغرب وتبحث عن اجابات لردود فعل المسلمين تجاه قضاياهم فإن المتأمل لحال الأمة يصيبه الأسى وهو يجد أفضلية بين مسلم وآخر، فتحركات المسلمين تجاه كثير من قضايا بعض الشعوب الإسلامية المكلومة خجولة ومخزية أو انفعالية غريبة، فبعض الدماء في بعض الدول تجعل البعض يقوم ولا يقعد يكتب ويندد ويشجب وتخرج المظاهرات لها في كل مكان، في حين يسحق ملايين من المسلمين في كثير من بقاع الأرض، ولا نعرف من معاناتهم إلا النزر القليل ولو علمنا لا نحرك لهم ساكنا ولا نكتب عنهم حرفا وكأن الامر لا يعنينا! أتساءل هنا.. هل يوجد مسلم أفضل من مسلم في تصنيفاتنا الإسلامية؟ ألم يخبرنا رسول هذه الأمة صلوات ربي وسلامه عليه أننا كالجسد الواحد أو هكذا ينبغي أن نكون إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، بغض النظر عن انتماءاتنا وطوائفنا وجغرافيتنا. لماذا التركيز على غزة وتجاهل بقية المسلمين لماذا يتم اختزال النصرة وحصرها في فصيل دون بقية الفصائل والشعوب الإسلامية في أنحاء الارض؟ ومتى سينصف المسلمون من المسلمين أنفسهم؟ أم هي الحزبية المقيتة التي يحاول كتابها إبراز الظلم الواقع عليهم؟ لماذا ينظر لقضايانا من منظور حزبي محض! أليس من يقتل في العراق وسوريا واليمن ولبنان والصومال وليبيا وفي باقي الدول الإسلامية وعلى مدار سنوات خلت هم من المسلمين، أم أنهم خوارج ونواصب يستحقون الحرق والتعذيب والموت؟! وماذا عن مسلمي (الروهينجا) التي تعيش في ميانمار (بورما) والذين يتعرضون على مدى عقود لإبادة جماعية من البوذيين، ولانتهاكات جسيمة لحقوقهم الانسانية وللتطهير العرقي والقتل والاغتصاب والتهجير الجماعي المستمر حتى كاد ينقرض المسلم هناك؟! او أنهم ليسوا من حزبك وجماعتك فلا تدافع عنهم؟! لماذا لا يتحرك ضمير كتاب المسلمين الإنساني أولا قبل أن نطالب بصحوة الضمير العالمي لصور أطفال رضع يبكون ويستغيثون بجوار جثث أمهاتهم القتلى والحرقى في بورما ونحن نشاهدهم يقتلون بآلة ثقب تثقب أجسادهم حتى تزهق أرواحهم؟ وماذا عن أحوال المسلمين في نيجيريا ومالي والشعوب الأفريقية التي يحصد أرواح ابنائها الجوع والمجاعة؟ وماذا عن الدماء التي تنزف في أفغانستان والصومال ويذبح أبناؤها كالخرفان، وتغتصب النساء، ويلاحق الشباب والأطفال، ويتعرضون لأبشع صور الظلم والتنكيل؟ وماذا عن أولئك المسلمين ومآسيهم ممن يقتلون من أبناء جلدتهم ولا أنكى ولا أفظع من تلك المجازر البشرية التي يمارسها النظام السوري تجاه شعبه من المدنيين وما يتعرضون له من سحل وضرب وتعذيب وقتل؟! وما فتئ الزمان يدور حتى مضى بالمجد قوم آخرون وآلمني وآلم كل حر سؤال الدهر: أين المسلمون؟!! كثير من الحكومات في العالم بما فيها حكومة العدو الصهيوني تمارس كل أشكال التمييز العنصري والديني والطائفي ضد الأقليات المسلمة المنتشرة في شتى أنحاء العالم ويدفعونهم للهجرة او القبول بأدنى الحقوق ناهيك عن حفلات الموت الجماعية التي يتعرض لها المسلمون في أماكن كثيرة ذبحا بالسكاكين، في حين يعيش الباقون حالة من الخوف والرعب، والموت يحيط بهم من كل جانب وتحرق جثثهم وتهدم البيوت على رؤوسهم وتغتصب نساؤهم دون أن يحرك العالم الاسلامي ساكنا، وكأنهم قرابين تقدم فداء لعالم اسلامي يغرق في تفاصيل مشكلاته واخفاقاته وازدواجيته وتناقضه مع نفسه. ألا ترون ان هناك ازدواجية في تعاملنا مع دم المسلم؟ قد يقول قائل من العرب المسلمين الأقحاح إن الاهتمام بغزة يأتي من كونها عربية والضحايا من العرب وإن الصهاينة المجرمين هم العدو الأول للمسلمين!! فليكن كذلك، لكن ماذا عن الضحايا في الضفة الغربية وفي باقي المدن الفلسطينية أليسوا عربا وتقتلهم اسرائيل العدو الأول لنا وبدم بارد؟ ما أوردته هنا، ليس تهوينا للجرم الذي ترتكبه سلطات الاحتلال المقيتة في حق شعبنا وإخواننا في غزة، ولا تبريرا للمجرم الصهيوني ففي غزة مجازر وشهداء وشعب أعزل يعيش بين سندان الاحتلال ومطرقة الحصار والدمار الشامل. وفي غزة استباحت جحافل الجيش الصهيوني المسلح بلدات القطاع فقامت تهدم البيوت وتغتال وتقتل وتدمر تحت سمع وبصر العالم.. وفي غزة اشلاء ممزقة للأطفال والشيوخ والعجائز والمعاقين، في غزة صفوف من الأكفان المتتالية، والجنائز المتوالية، والبيوتات المهدمة، والمساجد المنتهكة، ولا حول ولا قوة إلا بالله. لكني وقفت على حال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها والتي تبعث في النفس الأسى والحزن إذ يموت يوميا أضعاف وأضعاف من مات في غزة خلال شهر، وللأسف كأن أمرهم لا يهمنا ولا نسمع من يتكلم عنهم.. ما يؤكد أمامي حقيقة واحدة أن ظاهرة الدين السياسي للأسف هي من تحرك مشاعرنا وأحزاننا وأقلامنا تجاه بعضنا. إن الصراع الطائفي العنيف اليوم سبب رئيس في سيطرة العدو على بلادنا الإسلامية، فقد عملت الطائفية والتمزق المذهبي والحزبي على اتساع الخلاف الفكري وأصبح بأسنا بيننا شديدا ما أدى إلى تفتيت قدرات هذه الأمة واستنزافها واعاقتها وتحولت الى ما يشبه الحرب الشاملة في ما بينها على مختلف المستويات والمجالات والتي لا تفضي إلا إلى مزيد من إراقة دماء المسلمين وبأثمان بخسة. إني اشاهد حزبية مقيتة وعصبية طاغية بدأت تظهر على سطح محيط امتنا وتبرز وتستغل وهي لا تبشر بخير!! ودامت الأمة سالمة.