يرتبط رمضان في أذهان الناس بأشياء كثيرة ولكن لعل من أبرزها صلاة التراويح، فكلما جاء رمضان نشط الناس في أداء صلاة التراويح، ونشطت معها أحاديث المصلين حول جمال أصوات الأئمة وعذوبة قراءتهم، وكثر بينهم تبادل المعلومات عن المساجد التي يؤم الناس فيها مقرئ عذب الصوت، فترى بعض المصلين يتنقلون من مسجد لآخر بحثا عن المقرئ ذي الصوت الأحب إلى قلوبهم، حتى وإن تكرر على أسماعهم النهي والتحذير من فعل ذلك وعده من الأعمال المكروهة. من يؤم الناس في الصلاة تقع عليه مسؤولية عظيمة، ليس في مسألة إتقان الصلاة فحسب وإنما أيضا في عذوبة القراءة، فالصوت الرخيم والتلاوة الخاشعة تبعث على الطمأنينة وتعين على تأمل معاني الآيات المتلوة، فتغشى النفوس السكينة، ويزداد تعلق الناس بأداء الصلاة، حيث تصير ملاذا فعليا لهم، يجدون فيها راحة من هموم الدنيا ومشاقها. وعلى عكس ذلك يكون أثر الإمام سيئ القراءة، فالإمام الذي يصرخ في قراءته كأنه يوبخ الناس، أو الذي يكثر خطؤه ولحنه في التلاوة، أو الذي لا يحسن مخارج الحروف فيحرف الكلمات بنطقه، يضيق به المصلون، ويتحاشون الصلاة وراءه، أما إن فعلوا فإنما هم يصلون اضطرارا، لا ميلا واختيارا. وقد أدرك المصلون منذ عصور الإسلام الأولى تلك الحقيقة، فقارنوا بين إمام وإمام، وتلاوة وتلاوة، حتى أن بعض الشعراء صوروا في شعرهم معاناة المصلين وراء إمام نشاز الصوت، سيئ القراءة مثل قول أحدهم ساخرا يهجو إماما اسمه ابن حبيش: نحن في أنكر عيش من قراءة ابن حبيش يقرأ الحمد فتى في حلقه كنة خيش. كما رووا طرائف كثيرة عن الأئمة الذين لا يحسنون القراءة، إمعانا في السخرية منهم مثل ما يروى من أن رجلا اسمه يحيى صلى بأربعة أنفار، فأكثر اللحن في قراءة قل هو الله أحد، فلما فرغ من الصلاة أقبلوا عليه كل منهم يهجوه ببيت فقالوا على التوالي: أكثر يحيى غلطا في قل هو الله أحد قام يصلي قاعدا حتى إذا أعيا قعد كأنما لسانه شد بحبل من مسد يزحر في محرابه زحير حبلى بولد.