في أعقاب سقوط نظام القذافي حاولت الحكومة الليبية المؤقتة السيطرة وتحقيق الاستقرار والأمن في ليبيا، لكن الميليشيات المسلحة المنتشرة في أرجاء ليبيا أصبحت تشكل عبئاً أمنياً عليها، وحاولت الحكومة نزع السلاح من الميليشيات فامتنع البعض وسلم البعض الآخر ودخلت ليبيا في أتون الصراع المليشيوي الحاد. وفي يوم الجمعة الماضي دعا خطباء المساجد المسلمين إلى الخروج في مظاهرات سلمية تطالب بنزع سلاح الميليشيات، وجابت المظاهرات الشوارع، فقابلتها ميليشيات مدججة بالسلاح وأطلقت النار على المتظاهرين فكانت الحصيلة تتجاوز ثلاثين قتيلاً وأكثر من 300 مصاب، وتركزت الاشتباكات في منطقة غرغور بطرابلس. وعندها خرج مسلحون من الأهالي ودخلوا في غرغور وأحرقوا المساكن التي كانت تحتلها الميليشيات كي لا يعودوا إليها، اختلطت الأوراق وتحصنت الميليشيات في مسكن واحد وسالت الدماء. وحاول السادات البدري رئيس المجلس المحلي السيطرة على الوضع ودعا المتظاهرين إلى التراجع حقناً للدماء والحفاظ على الأمن، كما خاطب الصادق الغرياني مفتي ليبيا المتظاهرين ودعاهم إلى حقن الدماء وأصر قائد كتيبة درع ليبيا بمصراته على عدم مغادرة الميليشيات إلا بعد إقرار الدستور الليبي. لقد أصبحت ليبيا تشهد حالة من التعقيد الأمني والتدهور وحالة تشتت وعدم الاستقرار بسبب إصرار الطرفين على مواقفهم، فهذا المشهد الدموي أصبح دائم التكرار، فمع سقوط القادة واستمرار الاغتيالات تتكرر هذه المشاهد حتى أصبحت ليبيا ملعبا للحرب المليشيوية. لقد عجزت القيادة الليبية للأسف عن احتواء مشاهد العنف وإنهاء حمامات الدماء التي سالت في الشوارع الليبية ودخلت ليبيا في صراع داخلي لا تحمد عقباه. كما أن الاقتصاد الليبي أخذ يواجه صعوبات كبيرة، فالميليشيات المسلحة تحاصر مصافي النفط طوال الأشهر الماضية، والواقع الدموي الذي تشهده ليبيا ينذر بكارثة كبرى، ولابد من تحكيم العقل والحكمة، وإلا فإن التدويل سوف يقضي على ما تبقى من أمل. وما نرجوه أن يعمل العقلاء في ليبيا على حقن الدماء لكي يعود الأمن والسلام لليبيا. * رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية