المثل الذي يقول: من جاور السعيد يسعد لاينطبق على سكان مركز القضيمة الميناء التاريخي والأرض التي وطئتها مليارات مدينة الملك عبدالله الاقتصادية فلم يكسب أهلها الذين لايتجاوز عددهم 3000 نسمة ناقة ولاجملا، كما أن وقوعها في منتصف الطريق بين بترورابغ وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في ثول لم يضف لها جديدا. حقيقة يشعر بها المواطنون الذين حجزوا في مربع معين فلم تعد سواحلهم متاحة للصيد واستنشاق الهواء الطلق، وعجزت كل الاستثمارات التي تطل برأسها كل يوم عن استيعابهم داخل المدينة الاقتصادية، أو القفز بهم فوق نقص الخدمات الأساسية التي تتراجع عن المفترض والمأمول. ولأن الناس لاتشغلهم هذه المراكز والقرى وأغلبهم من ذوي الدخل المحدود بل الأقرب إلى الفقر منه إلى الكفاف، يتعجبون من وجود أكبر محطات تحلية المياه في العالم على بعد كيلومترات منهم في رابغ ومازالوا أسرى لمياه الوايتات غير الصالحة للشرب ويتساءلون: ما الفارق بيننا وبين جيراننا من سكان بلدة ثول الذين تطوعت شركة أرامكو بعمل التمديدات المطلوبة لهم مبادرة منها لخدمة الأهالي فيما عجزت مئات الشركات الوافدة في تقديم مبادرة مماثلة لسكان القضيمة في الوقت الذي استهلكت فيها عرباتهم ومعداتهم الثقيلة ماتبقى من طريق المركز وظلت الصورة البشعة ظاهرة للعيان في الطرق الداخلية. يتحدث رئيس المركز عابد السيد بمرارة واضحة عن غياب التخطيط وانعدام السفلتة التي تعتبر البضاعة الكاسدة التي تستهلك ميزانية البلديات، ثم يطلق آهة من داخله قائلا: تخيل أن الموافقة صدرت على إنارة أحياء المركز فقام المقاول بإدخالها لحيين فقط ثم أوقف المشروع وغادر دون أن يحاسبه أحد بحجة غلاء الأعمدة، وتساءل السيد: من يحاسب المقاولين على هذا الاستهتار بمصالح الناس، وأين ذهبت شروط العقد الملزمة للمقاول؟ ومع وجود مساحات شاسعة يمكن أن تطبق عليها مخططات المنح لمواطني القضيمة قال: لاتوجد لدينا مخططات منح، والتي تم اعتمادها لسكان قرية كلية توقفت بقرار من وزارة الزراعة لكونه داخل النطاق الزراعي، مضيفا: لقد تسببت الشركات في مشاكل عديدة لمزارع المواطنين، والناس يشعرون بالخوف على أراضيهم السكنية لكونها بدون صكوك وزاد الطين بلة إيقاف إصدار الصكوك في محكمة رابغ منذ سنوات فأصبحوا أسرى للهواجس والخوف. ومادام هذا حال المركز الذي يشرف على قرى صعبر والحصينية وقره فمن باب أولى أن تمتد معاناة السكان في تلك القرى لما هو أبعد من ذلك، فمعاملة المركز الصحي مازالت تطوف وتسعى في أروقة وزارة الصحة منذ سبع سنوات دون نتيجة ولاطريق لهم سوى الذهاب مسافة 100 كيلومتر ذهابا وإيابا لمستشفى رابغ لمتابعة أحوالهم الصحية. تسأل الناس عن بحر (الصحيفة البيضاء) وهو المعنى الذي عرفت به القضيمة في معاجم اللغة، فتجد سكانها مازالوا يدندنون بتاريخهم مع شباك الصيد صغارا وكبارا ويتغزلون في شواطئهم البكر وسنابيكهم التي تصنع بجودة يدوية نادرة سواء تلك التي تغزو للصيد كل صباح أو التي تصنع للتجار في الستينات والخمسينات الهجرية من القرن الماضي. وقد اندثر سوق القضيمة القديم الذي كان يشار إليه في البلدة العامرة على الساحل في الفترة بين سنة 1230ه وسنة 1289ه، كما لم يتبق من القلعة التي استقبل فيها السادة الحسينيين (الأهادلة) الملك عبدالعزيز- رحمه الله - سوى شواهد من الطين، حيث استقبله السيد محمد بن عبدالرحيم بن علي- رحمه الله - عندما وصل إلى القضيمة في طريقه إلى المدينةالمنورة سنة 1345ه، وقد أقام حفل عشاء له ومرافقيه، وقضى الملك المؤسس ليلته تلك في القضيمة إلى الصباح، ثم واصل طريقه إلى أن وصل رابغ. ويعتبر السيد محمد بن عبدالرحيم أول أمير على بلدة القضيمة في العهد السعودي الزاهر. وتبقى القضيمة محطة تاريخية فقد وصفها عدد من الرحالة في كتبهم، ذكره أيوب صبري باشا في كتاب (مرآة جزيرة العرب) سنة 1289ه بقوله: والقوافل المترددة بين مكةوالمدينة تواصل سيرها إلى القضيمة بعد استراحة قصيرة تمكنها من الاستسقاء من مرحلة خليص. والقضيمة هي المرحلة الرابعة وبينها وبين خليص اثنتا عشرة ساعة سيراً بالجمال. ومرحلة القضيمة بها ثلاثة آبار، إلا أن مياهها مالحة بعض الشيء، وذلك لقربها من البحر. ولما كانت هذه القرية المذكورة وفيرة الأسماك فقد لقيت استراحتها رواجاً بين المسافرين المحليين المترددين عليها. والقوافل المتحركةمن هذا الموضع تصل إلى رابغ التي تبعد مسيرة ست عشرة ساعة عن القضيمة من ناحية المدينةالمنورة. ولما كانت الطرق الموصلة بين القضيمة ورابغ معبدة ورملية في معظمها، فلذلك كان السير فيها مريحاً، أما إبراهيم باشا فقد ذكر في كتاب (مرآة الحرمين) بلدة القضيمة سنة 1325ه فقال ما نصه: وفي منتصف الساعة العاشرة وصلنا القضيمة، وبها سوق، وحفائر، وبئر مبنية بالحجر لها سلم ذو درجات ست من الخارج، ودرجات تسع من الداخل، أما محمد لبيب البتوني فقد ذكر في كتاب (الرحلة الحجازية) بلدة القضيمة سنة 1237ه حيث قال ما نصه: القديمة أوالقضيمة: قرية على البحر، ومساكنها أكواخ صغيرة، وماؤها من الحفر التي يخزنون فيها ماء الأمطار، وأهلها من زبيد، ويشتغلون في الغالب بصيد البحر، ومنها يتجه الطريق نحو الشمال. ترى.. هل مازالت ذاكرة بعض المسؤولين بحاجة إلى إنارة ليتذكر القضيمة وأهلها فينصفهم.