يقودك المشهد وأنت تجول داخل أزقة حي العتيبية الشرقية الشهير «بحارة اللصوص» صوب التعجب والدهشة لما يعيشه الحي من إهمال جعل منه حيا منسيا في ذاكرة جهات أمنية وخدمية، لكنه لايزال حيا شامخا خالدا في قلوب سكانه الذين لا يستعيرون من التفاخر به «نحن في حارة اللصوص»، فلم تكفِ المدة الزمنية التي اتخذت فيها قبل عقدين من الزمن أمانة العاصمة المقدسة استبدال مسمى «حي اللصوص» بمسمى «العتيبية الشرقية» لم تكفِ تلك المدة لمسح بقايا المسمى من ذاكرة البسطاء في ذلك الحي، بل يصر البعض منهم على التمسك بالمسمى «حارة اللصوص» وهو يبرر ذلك بأننا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على أثرهم مقتفون. خفايا الحي الذي تتلاصق فيه المنازل لتخنق بينها ممرات ضيقة لا تتسع لمرور أكثر من مركبة، أشبه بالخيال، فتلك الخفايا التي رصدناها من أفواه سكان الحي تحمل في طياتها متناقضات غريبة، يمكن من خلالها الجزم أن الحي بحاجة لوقفة من عدة جهات. لاسيما أنه تشهده براءة الطفولة تمر في تلك الأزقة ذهابا وعودة من المدارس وأعين الفتوات السمراء ترمقهم وأصحاب الدرجات النارية يمرون من حولهم في استعراضات مخيفة. «عكاظ» دخلت الحي ورصدت نبض الحياة فيه حيث تمثل المنازل الشعبية فيه ما نسبته 60 % .. وفي ممر ضيق يخترق حارة اللصوص كان يجلس على دكة الشارع المواطن فيصل الصاعدي، أحد أقدم سكان الحي، لمحنا أثناء المرور بجواره فنادى بأعلى صوته : «السلام لله يا ناس، أنتم هنا غرباء»، فاقتربنا إليه وبادلناه السلام ومد يده صوب «كرتون» مرمي على الأرض وفرشه بجواره وطلب منا الجلوس بعد أن كشفنا له هويتنا الصحافية، وشرع يروي لنا قصة هذا الحي العريق : «حارتنا هي حارة اللصوص»، هكذا وجدنا اسمها وهكذا نرفض تغييره، نريده كما عرفناها حارة اللصوص، ولا نستعر ولا نخجل من هذه التسمية مطلقا، وقد رفضنا طلب لجنة متخصصة وقفت في الحي لتغيير المسمى، فاجتمع الأهالي بصوت واحد وطلبوا بقاء المسمى على ما هو عليه، وهذه التسمية تعود لقرن مضى حيث كانت هذه الجبال خاوية على عروشها وكان اللصوص يتخذون منها مقرا لتوزيع غنائمهم كل يوم مما يقع تحت أيديهم من مسروقات، كان هذا الحي خارج النطاق العمراني كما يقال بل ويعتبر بعيدا جدا عن الحرم المكي الشريف حيث كانت تغيب وسائل التواصل» . ويذهب المواطن الصاعدي صوب المطالبة بما أسماه عقبة وقفت في حلق الحارة فيقول : «نرضى بكل شيء ونصبر عليه إلا هذا المدخل الضيق للحي، أرهقتنا التلبكات المرورية وسببت لنا المزيد من المعاناة فلا يكاد يمر يوما حتى تجد الزحام المروري يصل إلى ذروة لا تطاق والسبب يعود لضيق الطريق الذي يحتاج للتدخل لمعالجته، لا نريد من الأمانة سوى توسيع الطريق وترك الحارة كما هي «حارة اللصوص» . وفي طرف من الحي التقينا إبراهيم الصاعدي، فايز العوفي ومحمد اللهيبي، حيث كانوا في حديث شيق لم يوقفه إلا وصولنا معهم ليؤكدوا لنا أن السرقات بدأت تتنامى في الحي وأبطالها أفارقة الدرجات النارية الذين يتخذون من الطرق الصعبة وسيلة للهروب بعد أن يخطفوا حقائب النساء من الأسواق المجاورة كما أنهم يهددون سلامة المارة من السكان والزوار. وطالبوا بضرورة تدخل الجهات المعنية في وضع حد لمثل هذه التجاوزات التي باتت ظاهرة مؤرقة لنا في الحي. تهديد الطالبات ودعنا الصاعدي واتجهنا صوب عمق الحارة حيث كانت الممرات ضيقة جدا لنقف أمام مدرسة بنات، حيث كان الآباء في انتظار فلذات أكبادهم وهنا تقدم المواطن محمد الشريف الذي كان الغضب يتطاير من عينيه فقال: «تعبنا مع هذه الزحمة اليومية نريد تنظيما أمنيا، بناتنا في خطر حقيقي لاسيما مع وجود شباب عاطلين عن العمل وغرباء دفعت بهم الإزالة من كل الأحياء للاستقرار في قمة جبل اللصوص، وهم يمارسون تصرفات مشينة وقلقنا يزداد كثيرا، فالتحرش بالبنات ومحاولة الاستدراج متكررة وهذا ما حدث مع ابنتي ذات يوم لولا أنني قريب لتعرضت للخطف حيث شاهدت بأم عيني حدثا أفريقيا وهو يحاول الاقتراب منها لكنه رصد تحركي صوبها فولى هاربا ليتلقفه صاحبه الذي كان ينتظره على ظهر دباب، لا بد من تواجد دوريات أمنية ورجال الحسبة من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه المواقع لاسيما في أوقات خروج الطالبات للحماية من سلوكيات المراهقين». وفي تلك الحارة تنتشر المنازل المهجورة والأحوشة التي يتخذها المراهقون ملاذا لهم ومقرا للتجمع والسهر حتى ساعات الفجر الأولى، يقول علي موسى الخبراني: هذه الأحوشة المهجورة سر التخوف الذي نعيشه لا نعلم ما الذي يجري فيها وكيف يمضي الشباب فيها، سيارات تالفة وخربة مرمية في جنبات الطرق والشوارع وداخل تلك الأحوشة ولم يتدخل أحد لتغيير هذا الوضع، بل إن مثل هذه الأحوشة باتت مقرا للعمال المخالفين ومرتعا لممارسة المخالفات في جنح الظلام وهذا ما يزيد من قلنا على أبنائنا في الحي. عضو مركز حي العتيبية في مكةالمكرمة مذكر علي منشط أكد ل «عكاظ» أن المركز بحاجة ماسة للدعم والتحرك بما يضمن تحقيق نقلة نوعية في خدمة الحي وخدمة أبنائه.. وقال : «أنا من سكان الحي وأتحدث لكم من رحم المعاناة التي نتعايش معها ونحاول بمقومات بسيطة معالجتها، لم ندخر جهدا في تقديم كل ما من شأنه تطوير الحي ورفع مستوى الوعي الثقافي بين أبنائه ولكن كما يقال العين بصيرة واليد قصيرة، قبل عشرة أيام عقدنا اجتماعا وقررنا فيه إقامة معرض توعوي عن المخدرات وسمومها داخل الحي، والتقينا مدير مكافحة المخدرات في العاصمة المقدسة ويجري الترتيب له حيث عين ضابط اتصال للتنسيق في هذا الشأن، شبابنا بحاجة ماسة للتوعية من هذه السموم التي بدأت تستشري في أوساطهم بشكل كبير» . وأضاف مذكر قائلا: «مركز الحي لا يملك أرضا لإنشاء مقر بدلا من المستأجر حاليا فالحي ضيق جدا ولا يمكن من خلاله العمل في بيئة مناسبة تتيح لنا التوسع في المناشط وكذلك غياب الدعم المالي من قبل رجال الأعمال، ولو توفرت الإمكانيات ستسهم في الارتقاء بالخدمات المقدمة، إننا نحتاج لوقفة صادقة ونأمل التكاتف من الجميع» .